عـنـدما يـتـغـلّـبُ الـوجـعُ عـلـى سـنـيِ عـمـركَ ، ويـشـدُّ أذيـال مـلامـحـك الـفـقـيـرة ، ويـجـعّـدُ أطـرافـَهـا ، سـوف تـعـرف كـيـف سـقـطـت تـلـك الـشـجـرة بـعـد أن تـيـبـسـت وريـقـاتـهـا ، ونـزفـت أطـراف أغـصـانـهـا ، وأصـبـحـت حريق الـمـدافـئ .
فـي الـمـخـيم كـانـت الأوجـاعُ صـامـتـةً ؛ حـتـى لا تـزعـج مـلـك الـمـوت ، قـبـور فـوق الأرض ، نـزلـت لـعـذابـهـا الأمـمُ ، والـمـلائـكـة مـن كـانـت تـنـظـرنـا بـعـيـن الـرحـمـة والـشـفـقـة ، كـان الـكـل أمـواتـاً بـرغـم اسـتـصـدار شـهـادات مـيـلاد !
الـعـيـادةُ كـانـت تـسـمـى ب (الـحـِـكْـمـةْ) ، ورأسُ الحـكـمـةِ أن تـخـاف اللهَ وكـأنـك انـتـقـلـت إلـى الـبـرزخ بـدمـغـة أمـمـيـة مـمـهـورة بـعـلامةٍ زرقـاء (UN) ، وخـزٌ لـلـضـمـائـرِ بـإبـر ضـد الـحـصـبـة ، والـكـولـيـرا ، والـسـلّ ، و الـتـفـوئـيـد ، وكـأنـنـا بـحـاجـة إلـى (رجٍّ) لـلـضـمـائـر بـعـد أن تـعـطـّـلـتْ (هـؤلاء.. وأولـئـك.. وهـم) وقُـضـي عـلـيـنا (نـحـن) .
كـنـت أبـكـي كـثـيـرا لـكـثـرة الـوخـز ب (الـعـضـلِ) ، مـؤخـراتٌ تـكـشـّفـتْ بـفـعـل الـنـكـبـة ، ودمـاءٌ سـألـت مـن الـوريـد ، حـتى نـدافـعَ عـن الـوطـن ، فـمـن يـعـيـد تـجـمـيـع الأشـلاءِ وكـل الـشـواهـد أصـبـحـت فـوق الـمـدافـن بـعـيـداً عـن الـوطـن ؟!
بعد وجـعِ كـلِّ إبـرة لابـد أن تـحـصـل عـلـى (كـعـكـة بـسـمـسـم) مـحـشـوة بـالـزعـتـر ،وسـيـلـةُ إسـكـاتِ الأطـفـالِ الـوحـيـدة ، بـعـد أن دفعت قرصَ (الـكـسـيـبـة ) واسـتـمـتـعـت بـصـوت (الـعـامـريّ)، الـذي يـمـدّكَ بـالـعـزيـمـة وهـو الـضـريـر الـوحـيـد الـذي قـهـر الـحـيـاةَ .
كـبـرتُ وسـكـنَ الـوجـعُ ، وحـمـل الـحـبُّ كـلَّ الآهـاتِ، وتـركـهـا على لـسـان أمِّ كـلـثـوم ومـيـادة، ووردة ، وهـرمـت وبـدأت الـحـيـاة بـالـقـوة ، وأنـا الـذي لا أزور الـطـبـيـبَ ولا أشـرب الأدويـةَ ، فـقـد يـأتـي الـمـوت بـغـتـةً ولا أحـتـاج بـعـدها لأيـةِ وصـفـةٍ!
الكاتب مراد سارة