غزة ( ٢٠٠ ) :
أتابع صفحتي مخيم النصيرات في قطاع غزة ، لأعرف كيف يعيش أهالي المخيم منذ ٧ أكتوبر .
غالبا ما أقرأ عبارات قصيرة معبرة دالة تصف الحالة التي يمر بها أهالي المخيم . أعرف عن جوعهم وخوفهم وعدد شهادائهم وجرحاهم وارتفاع الأسعار والسلع المتوفرة وأجواء رمضان والعيد في هذا العام وفي الأعوام السابقة ، وأعرف عن تقدم الجيش الإسرائيلي أو تراجعه وعن صوت الزنانة أو أنواع الطائرات الإسرائيلية المغيرة . عن حاجة السكان إلى الكهرباء والنت والماء وشحن الهواتف . ببساطة عن معاناتهم في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة . أعرف عن شوقهم لوجبة طعام دسمة أو ملابس جديدة وعن أمنياتهم بأن تتوقف الحرب الدائرة حاليا وعودة الحياة إلى طبيعتها و … .
ما فاجأني الليلة الماضية هو صورة لطاولة طعام عليها صحون كثيرة متنوعة حولها كراسي بيضاء مكتوب عليها باللغة العبرية ويقف قربها عدة جنود إسرائيليين ، وقد كتب المسؤول عن الصفحة معلقا “انتو متخيلين انو هيك أجواء صار عنا في نتساريم ؟ ” .
علقت على المنشور متسائلا إن كان الإسرائيليون أعدوا الطعام لجنودهم أو لسكان المخيم ، فرد علي محرر الصفحة :
- إنهم سيحتفلون بعيد الفصح .
ولم أعقب ، مع أنني كتبت عبارة غامضة كتلك العبارات التي يكتبها بعض الكتاب في صفحاتهم ، فلا أفهم منها شيئا ، وغالبا ، بل دائما ، أمر عليها مرور الكرام .
اليوم تكتمل المائة الثانية من أيام ” طووفان الأقصى ” ، وهذه هي أطول حرب فلسطينية إسرائيلية ولما تنته بعد ولا بوادر على توقفها . هل ستنتهي الحرب ويتصافح القادة ؟
من المؤكد أن آلاف العجائز سينتظرن أبناءهن ، وآلاف الزوجات والأطفال أيضا ، ولسوف يتربى ما لا يقل عن عشرين ألف طفل بعيدا عن أهلهم وستظل آلاف الزوجات بلا رجل و … .
وأمس رأى الصديق سهيل كيوان وأيضا راوية حبيبي غنادري و الدكتور نبيل طنوس و شوقيه عروق منصور أنني تجنيت فيما كتبته تحت عنوان ” غزة ١٩٩ : أين أدباء فلسطين ١٩٤٨ مما يجري في غزة ) ، فهو منذ بداية الحرب يكتب مقالين أسبوعيا يأتي فيهما عليها ، وشوقية تكتب يوميا ، بل إنها ستصدر قريبا كتابا في هذا الجانب . هل كنت متسرعا في إبداء الرأي ؟
حولت لسهيل وراوية سبع صفحات لكتاب وكاتبات غاب عنها الكتابة عن المقتلة و … وحين راجعت كتابتي وجدت أنني استخدمت صيغة ” صمت شبه مطبق ” وليس ” صمت مطبق ” ولعل التعليقات والجدل أغنيا الكتابة .
في حرب حزيران ١٩٦٧ زجت إسرائيل في سجونها بعشرين كاتبا ” كأننا عشرون مستحيل ” فكم أديب سجن في هذه المقتلة ؟
الأوضاع ليست سهلة إطلاقا !!
أ. د. عادل الأسطة