أدب الخيام من جديد :
كما لو أن التاريخ يعيد نفسه ، وكما لو أن أحفاد اللاجئين الفلسطينيين يعيدون تجربة أجدادهم وآبائهم ، فيعيشون تجربة الحياة في الخيام ، ومن كان من الأجداد والآباء على قيد الحياة فإنه يعيش التجربة مرة ثانية ، وتحفل يوميات عاطف ابوسيف الأخيرة بالكتابة عن الحياة في الخيمة ، ولا أظن أنه مر بهذه التجربة من قبل ، علما بأنه من مواليد مخيم جباليا . والد عاطف رفض أن يغادر المخيم وظل يقيم فيه ففضل الموت على إعادة الإقامة في خيمة هو الذي ولد فيها . ويبدو أن عاطف في يومياته يكتب لنا ما افتقده النثر الفلسطيني في نكبة ١٩٤٨ ، فحتى سميرة عزام وغسان كنفاني لم يكتبا عن تجربة الخيام ، وفيما قرأته من نثر فإن من كتب عنها ، مثل رشاد أبو شاور في ” العشاق ” و ” الحب وليالي البوم ” ، كتب عنها معتمدا على الذاكرة .
حتى غسان كنفاني الذي استخدم دال ” خيمة ” في روايته “ أم سعد ” ” خيمة عن خيمة تفرق ” ، لم يكتب عن الحياة في خيام اللجوء ، وإنما كتب عن الحياة في بيوت الصفيح ، ولا أعرف إن كان ثمة أدباء عاشوا بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ في مخيمات النزوح في الأردن وكتبوا عنها .
الشعراء كانوا أوفر حظا ولكنهم أوجزوا فلم يمكنهم جنس الشعر من سرد التفاصيل .
شخصيا أصغيت إلى قصص كثيرة عن حياة آبائنا في الخيام ، وأنا من مواليدها ، ولكني لم أدونها في لحظتها .
إن أردنا أن نقرأ عن الحياة في الخيام بعد ١٩٤٨ ، فما علينا إلا أن نقرأها في أشعار عبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) وخليل زقطان وهارون هاشم رشيد وآخرين مجايلين لهم .
مع أن راشد حسين ، ابن قرية مصمص في المثلث ، لم يعش في الخيام ، إذ لم تغادر عائلته قريتها ، إلا أن شعره المبكر حفل بالكتابة عنها – الخيام – وعن اللاجئين ، وتكررت هذه الدوال في قصائده ، ومما كتبه في ديوانه ” صواريخ ” :
” وترى نجوم الليل مثل معسكرات اللاجئين
وكهيئة الغوث الحزينة يخطر القمر الحزين
بحمولة من جبنة صفراء أو بعض الطحين
هذي هديته .. هديتها لقومي البائسين “
وقوله :
” الخيمة الخمسون من جهة اليسار هنا حياتي
فيها – ألا تدرين ما فيها ؟ بيادر ذكريات
…
ولخيمتي بابان يا أمي كأبواب العذاب
باب يقود إلى الجحيم إلى الشتائم والسباب
نحو الخيام العابسات كبعض أكداس السحاب
وهناك في جهة السماء على جبين السقف باب
تبدو النجوم خلاله كاللاجئين بلا ثياب ” .
والقصائد عديدة .
وأنا أقرأ اليوم الحلقة ٢٥ من يوميات عاطف تذكرت نهاية أربعينيات القرن ٢٠ والسنوات الثمانية الأولى من خمسينياته ، وها هم الأبناء والأحفاد ، بعد خمسة وسبعين عاما ، يمرون بالتجربة ثانية .
كان محمود درويش يكرر عبارة ” لا أريد أن أكبر على جراح شعبي ” ، وأخمن أن عاطف يقول ” ليتنا بقينا في بيوتنا ولم أكتب ، عن تجربة الخيام ، ما كتبت ” .
الأجواء ماطرة وعاصفة والبرد قارس ، وكان الله في عون أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة يقيم أكثرهم الآن في الخيام يعانون من البرد وفقدان الرغيف وأكثر .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
أ. د. عادل الأسطة