مرت أربعة أيام من الهدنة التي هي بمثابة مخدّر للفلسطينيين المكلومين، وقبلها كانت المعارك تشتعل في شارع صلاح الدين، ذلك الشّارع الذي شهد قتل الطفل محمّد الدّرة أيقونة الانتفاضة الثانية وتحديدا في 28 من أيلول / سبتمبر من العام 2000.
لكن مواكب الموت لا تأبى ألا أن تصطحب معها أكثر من خمسة آلاف طفل يحملون صرخات وجراحات محمّد الدّرة في حناجرهم وصدورهم وتوسله للعالم أجمع بوقف إطلاق النار لكن أمريكا ترفض وتعتبرها فرصة لحماس لكي تستعيد عافيتها!!
من الممكن القول أنّ محمّد الدرّة هو غزّة و والده جمال الدّرة هو الوطن المحتل، وإخوة محمّد اللذين ذبحتهم طائرات الاحتلال عمدا هم محافظات الوطن النّازف، تأخروا عن شقيقهم لأكثر من عقدين من الزمن ولكنهم لحقوه مرغمين غير مخيرين، ويصرخ أبيهم جمال من دير البلح المحطمة قائلا ” احجزوا لي مكانا عندكم ” ويتابع مؤكدا على عمق الوجع الفلسطيني الممتد منذ النكبة لليوم ” دم محمّد لايزال يسيل في الشوارع”.
نعم .. دم محمّد لا يزال يسيل في الشّوارع ويسيل معه دم المدارس والمشافي والمساجد والكنائس.. ولكن من يكترث.. فكلما أشعلت غزة سراجا أخمدته الحرب.
من الواضح السّاعة، كيف تتسابق الدول الغربية في التحالف و التضامن والتعاطف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في استحضار لموقفها المساند لأوكرانيا، من حيث المواقف والتصريحات والبيانات التي تشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ومن اليسير أيضا ملاحظة أنّ جلّ البيانات الصّادرة عن عواصم العالم المتحضّر، تتباين وتختلف عن بياناتها السابقة في مواقف مشابهة إزاء احتدام المعارك في غزّة في الحروب السالفة، فليس هناك أي حديث عن عدم التكافؤ بين طرفي النّزاع أو اختلال موازين القوى وضرورة توخي الحذر في استهداف المناطق السّكنية وتجنب استهداف المدارس ودور العبادة التي تؤوي النّازحين وسيارات الإسعاف والمراكز الصحية والمشافي الفلسطينية “للعلم قامت إسرائيل بكل هذه الجرائم ضد الانسانية في الأيام القليلة الفائتة”، إذا فالمواقف والبيانات السابقة المكرورة والممجوجة المتسربلة بلبوس الإنسانية المزوّرة تخلّت عنها دول العالم المتقدم واتجهت نحو جانب واحد ألا وهو حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
إذا هناك شيك على بياض للاحتلال لقتل الفلسطينيين أو تهجيرهم من قطاع غزة بذريعة النصر العسكري واللوجستي الذي حققته حماس في السابع من أكتوبر. ولعلّ هذه اللطمة المدوّية صفعت الأمريكيين أيضا، قد دفعت المتحدثة باسم الخارجية الرّوسية ماريا زاخروفا للسخرية من الأمريكيين وأقمارهم الصناعية ولفتت زاخاروفا، الانتباه إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رفض في مقابلة مع صحافيين من قنوات تلفزيونية أمريكية، التعليق على الحسابات الخاطئة لأجهزة الاستخبارات التي فشلت في التنبؤ بالتصعيد في الشرق الأوسط. وذلك حسب موقع روسيا اليوم بالعربية. ما أجمل أن يسخر احتلال من احتلال آخر فهذا ما يدفع الضحايا للابتسام ويشعل سراجا آخر لا يخمده عبرات الثكالى والأرامل.
واليوم بعد عملية طوفان الأقصى التي ستخلّد كأنها يوم من أيام العرب، والهولوكست الحاصل في غزّة والذي بدأ بتشكيل هزّة للضمير العالمي، جرت مياه كثيرة، وتغيرت معطيات وأولويات في المنطقة ومهما كانت نتائج العدوان الفاشي على شعبنا في قطاع غزة إلا أن ما حدث سيفتح حتما أفقا سياسيا كانت تسعى نحوه القيادة الفلسطينية لتحقيق مكتسبات سياسية للشعب الفلسطيني ودولته المرجوّة.
وحينها ستتكاتف كل أسرجة الوطن جنبا لجنب وضوءا يحاذي ضوء، ليرسم شمس الحرية التي لن تغيب عن فلسطين.
الصحفي أوس أبوعطا