في شهر آذار من العام الفائت، انتقد الرئيس الأمريكي العجوز جوزيف بايدن تعامل الحكومة الإسرائيلية مع أزمة الاحتجاجات على قانون ” الإصلاح القضائي ” وبدوره رد عليه ايتمار بن غفير سوبر ستار العنصرية في حكومة اليمين المتطرفة بتصريح لافت مفاده أن إسرائيل ليست نجمة في العلم الأمريكي.
وقد جدد بن غفير هذا الكلام مؤخرا وأرفقه بعبارة أننا سنقوم بكل شيء لصالح دولة إسرائيل، في إشارة للتنديد الأمريكي بتصريحاته هو و بتسلئيل سموتريتش عن عودة المستوطنات والاستيطان لقطاع غزّة.
من الواضح أن العلاقات الإسرائيلية الأميركية يحدث فيها الكثير من المستجدات اللافتة للانتباه وخاصة لو سلطنا الضوء على الأقوال التي أدلى بها زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور اليهودي تشاك شومر، وهو من صلب الوسط من الحزب الديمقراطي، ومن أعتى المساندين لإسرائيل حاله كحال زعماء الأغلبية الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، وقد أكد في كلامه أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو فقد البوصلة، وبات يوهم جمهوره، ويسوّق رؤية قديمة وليست منطقية، ويدفع إسرائيل نحو عزلة، ويضعها في خطر، وأنه لذلك على إسرائيل أن يكون لديها توجه جديد، وأن تتجه إلى انتخابات لأنها بحاجة إلى قيادة جديدة.
ومن اللافت أيضا رد حزب الليكود على تصريحات شومر، حيث كرر في رده أن إسرائيل ليست محمية أمريكية ولا جمهورية موز. وفي هذه الأثناء يدور سجال كبير بين المحللين والخبراء الإسرائيليين بخصوص التحالف والشراكة الأمريكية الإسرائيلية هل ستصل لحدود التبعية المطلقة أم لا، وفي المقابل أكد النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، د. تشاك فرايليخ، أن إسرائيل لا تزال محميّة أميركية وستظلّ كذلك حتى إشعار آخر.
من الجلي أن وزراء ونواب اليمين الإسرائيلي المتطرف في الحكومة والكنيست وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، يعملون على خلق علاقة سياسية جديدة وتغيير في شكل الشراكة مع الولايات المتحدة، يكون عنوانها أن الدعم الأمريكي العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي لن يرسم تصرفات إسرائيل داخل إسرائيل أو في فلسطين المحتلة، ولن يسمح له بالتدخل في السياسة الإسرائيلية الداخلية مع شعبها أو أن يكون عائقا في تحقيق غايات اليمين الكبرى مع التحرر أكثر من القيود الأمريكية، من حيث قتل و تهجير الفلسطينيين بكافة الوسائل، وتطبيق سياسة الاحتلال والإحلال ولو توجب ذلك إسقاط قنيلة ذرّيّة على الفلسطينيين كما صرّح وزير التراث عميحاي إلياهو غير مرة.
ومن الجلي أيضا الانتقادات العلنية التي وجهها الرئيس الأمريكي وإدارته لبنيامين نتنياهو وحكومته ونواب اليمين المتطرف، بخصوص المأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة ورفضهم مبدأ حل الدولتين، حيث أن 99 نائبا في الكنيست الإسرائيلي صوتوا ضد الاعتراف الأحادي بدولة فلسطين.
يظهر بشكل جلي سعي الولايات المتحدة حاليا لتعزيز موقف معارضي نتنياهو وأزلامه المتطرفين في الحكومة، كاستقبالها الرسمي لبيني غانتس رئيس حزب أبيض أزرق وهو ائتلاف سياسي ليبرالي وسطي، مما شكّل لطمة مدوية لنتنياهو. ومن الواضح أيضا أنّ لسان حال الولايات المتحدة أنّها مع إسرائيل قلبا وقالبا وشكلا ومضمونا ولكنها تعارض بنيامين نتنياهو وأساليب إدارته للأزمات الداخلية والحروب الداخلية والخارجية. إن الدعم الأمريكي اللامشروط واللامحدود يعزز من هذه الفكرة، من حيث القلق على إسرائيل من إسرائيل ذاتها، والتشديد على أن تظل واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط المستبد وبالتالي يكون مبررا هذا الدعم المهول الذي تتلقاه من الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
ولكن باعتقادي المتواضع، أن المزيد من التعنت الإسرائيلي وصمّ الآذان بخصوص الانتقادات الأمريكية الهادفة قد يدفع الولايات المتحدة للتفكير بجعل دعمها لإسرائيل مشروطا، مع التأكيد على ضرورة تجاوبها مع هذه الانتقادات بشكل ملزم وأخذها بعين الاعتبار ولو بحدها الأدنى وبالأخص الإنسانية منها، وذلك بعدما اضطرت الولايات المتحدة لإلقاء المساعدات من الجو للشعب المنكوب في قطاع غزّة وهو أمر أظهر العجز الأمريكي حيال موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية الهادف لخنق غزة والقائم بالعقوبات الجماعية لكل سكانها، والأهم من ذلك هو ما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها مؤسسة «غالوب»، بأنّ معدلات تأييد جوزيف بايدن أقل من تلك التي نالها أي رئيس يباشر في حملة إعادة انتخابه، من دوايت أيزنهاور إلى دونالد ترمب.
وبالنسبة للفلسطينيين، سيقع على عاتق رئيس لحكومة المكلّف الدكتور محمّد مصطفى، اختيار أفضل تشكيلة حكومية أساسها الكفاءات والخبرات، لا تتبع للفصائل أو الأحزاب، وتتكون من وزراء يحظون بتأييد من الشّارع الفلسطيني وبمباركة عربية وبقبول دولي أيضا، لتكون بمواجهة حكومة اليمين الإسرائيلية العنصرية، يظهر اعتدالها وعقلانيتها ومرونتها السياسية، للحصول على أكبر كم ممكن من المساعدات والتأييد الدولي وتعمل بكل طاقتها لرفع شعبنا المنكوب في قطاع غزّة للمربع الصفري بعدما تضع الحرب أوزارها.
الصحفي أوس أبوعطا