أوهام يهودا وسامرة تطفو للسطح من جديد للكاتب والباحث محمود النادي

لطالما كان احتلال وضم الضفة كاملة، أو بالتدريج، حلمًا وهدفًا لقيادات العدو، حتى قبل السعار الذي أصاب الاحتلال تزامنًا مع طوفان الأقصى. وتجلى ذلك منذ ثلاث سنوات، عندما انتقد بعض الساسة الغربيين عنف المستوطنين المتزايد وزيادة وتيرة الاستيطان. وبالمناسبة، الغرب دائمًا ما يحاول أن يظهر أنه يكترث لأمر الفلسطينيين، على الأقل في الضفة، من خلال بعض الانتقادات والتصريحات بين الحين والآخر، ثم يعود للدندنة المتكررة على وتر حل الدولتين دون خطوات فعالة. وهذه الانتقادات أثارت حفيظة نتنياهو، الذي أكد أحقيّة المستوطنين بالأرض ورفض نعته بالمحتل في الضفة الغربية، كونها تمثل يهودا وسامرة.

قدمت سابقًا مقالًا تفصيليًا عن تطور العمل المقاوم في الضفة من الناحية الهيكلية والعسكرية ، وعن كون شمالها أصيب بعدوى جنين، وعن انتقال العمليات العسكرية من فردية عشوائية إلى منظمة مركبة على غرار غزة. ولعل هذا التطور والانفصال عن منظومة إسرائيل الأمنية شكل تمهيدًا لما يعرف بعملية مخيمات صيفية، التي أُطلقت منذ عدة أيام في هذه المنطقة بالتحديد، حيث أكدت نيويورك تايمز أن العملية تأتي بعد فشل الغارات الجوية في تحييد خطر المقاتلين وتزايد الهجمات على قوات جيش وشرطة الاحتلال.

ولكن أحداث أخرى، كحملات الاعتقال والاقتحامات الاستفزازية للمسجد الأقصى، شكلت نقاط تمهيد إضافية، ونقطة التحول الرئيسة كانت عندما رفع غالانت حظر الغارات الجوية في الضفة. هنا تبين أن الفكرة القديمة الجديدة عادت لتطفو على السطح.

يعتبر اليهود، والمتشددون منهم خاصة، الضفة الغربية بقايا مملكة إسرائيل الكبرى الممتدة على نهر مقدس، حيث تقع يهودا وسامرة المزعومتان. أما يهودا فهي جنوب الضفة حيث القدس الشريف، وسامرة هي منطقة الشغب حاليًا وكرة الثلج المتدحرجة شمال الضفة، حيث جنين التي أصابت جاراتها نابلس وطولكرم وطوباس بالعدوى.

بعد هذه المعلومات، يظهر أن العملية العسكرية تأتي في سياق أقدم وأشمل من معركة طوفان الأقصى. قرر العدو استغلال الظرف لتنفيذ قرار الكنيست برفض إقامة الدولة الفلسطينية، ولكن هذه المرة ميدانيًا، وكرر نفس النوايا بتهجير الفلسطينيين منها هذه المرة إلى الأردن، بسيناريو قد يصلح تسميته بسيناء 2.

فانطلقت عملية مخيمات صيفية، وتوغل العدو من 13 محورًا في عموم شمال الضفة، وتركز العمل العسكري في مخيمات الشمال، ولا سيما جنين ونور شمس والفارعة.

بالنسبة لجنين، فكان التوغل من ثلاث محاور: الجلمة، ودوتان، وسالم نحو مخيمها، حيث تجري معارك طاحنة منذ أيام، وحاصرت أهم مشافيها مستشفى ابن سينا، ومنعت الوصول إليه. وهذا ما نقلته واشنطن بوست أيضًا، حيث اتهمت الجيش الإسرائيلي بمنع عمل الطواقم الطبية. بعيدًا عن المخيم، كانت كفر دان مسرحًا للاشتباكات أيضًا في الأيام الماضية.

أما طولكرم، فتوغل العدو فيها من ثلاث محاور: نيتساني، جبارة، وعيناب. وأكدت المقاومة تدمير آليات وإسقاط مسيرات في نور شمس.

وأخيرًا طوباس، حيث قامت قوات العدو بإنزال جوي على مخيم الفارعة، واقتحمته من محورين: عاطوف والحمرا. ويشهد اشتباكات لا تقل وتيرة عن نظيريه.

ومنذ ذلك الحين، لا تزال الاشتباكات وعمليات التصدي والالتحام في أوجها، رغم اغتيال العدو لعدد من قادة المقاومة البارزين في الضفة، كمحاولة منه لقصم ظهرها، لكنها ما زالت فعالة، بل ونجحت في نقل العمليات إلى الطرف الآخر هناك، حيث جرت عمليات نوعية في الخليل، وصفها الإعلام العبري بالنقلة النوعية والشديدة الخطورة كجزء من الرد على سياسة الاغتيالات.

العدو بدأ هذه العملية الاستباقية محاولًا النيل من المقاومة في الضفة بعد كل ما جرى في غزة، التي لم تعد كما كانت، ويفترض العدو أنها لن تستطيع نجدة المقاومة في الضفة التي لا تزال في بداياتها بعد سنوات التنسيق الأمني ودايتون التي أطفأت شعلة المقاومة في الضفة لسنوات. ولكن ما جرى حتى الآن يعد مفاجآت استراتيجية بالنسبة للعدو. وما حصل حتى الآن يثبت أن التطور الذي حصل للمقاومة في الضفة قد يجعلها قادرة على المطاولة لأشهر ، فيكون لها تأثير أكبر بالإنهاك المستمر للعدو، الذي لم يسبق له أن جابه كما الحال اليوم.

بالتأكيد، العدو يسير على خطى غزة من خلال انتقامه من الحاضنة الشعبية قبل المقاومة، خصوصًا بالمخيمات وجنين تحديدًا كونه رأس الحربة، فيشرع بتدمير كل مقومات الحياة، مستهدفًا كل شيء. ولكن ما جرى بالخليل وجنين وترقوميا قبل دقائق من إعداد المقال يثبت أن القادم سيكون الأسوأ للاحتلال بأحسن تقدير، وللجميع بأسوأ تقدير. فالضفة درة التاج، والخاصرة الرخوة المتخمة بالمستوطنات، والشمال الأقرب لتل أبيب، لن يكون في متناول الأيدي بهذه السهولة.ولعل هذه الكمائن النوعية والعمليات المتزامنة من المقاومة في جنوب وشمال الضفة خير دليل على ماأدعيته أنفا.

أما عن موقف السلطة الفلسطينية من كل ماجرى ويجري فهي تتمسك بالتنسيق الأمني.

الكاتب والباحث محمود النادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *