((أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)) ل د. شادي الغول

من بلاغة الخطاب أن يُطابق الكلام حال المخاطبين

ومن بلاغة البيان أن تُصوِّر ما لا يعرفه المخاطب بشيء يعرفه حقَّ المعرفة، ليكون فهم الخطاب في أعلى درجاته.

ولمَّا كان أهل مكة تجَّارًا، وصناعتهم البيع والشراء جاء القرآن يخاطبهم بما عرفوه وخبروه، فجعل الضلالة سلعة خاسرة تُشترى، والهدى سلعة رابحة، والعملية كلها تجارة.

ومعلوم أنَّ التجارة تستلزم أن يبذل التاجر أموالًا لشراء البضائع، لتأتيه الأرباح في زمن لاحق غير زمن بذل الأموال.

فإذا كان الإنسان يقبل هذا الفعل التجاري واقعًا وعقلًا، بأن يبذل الأموال في الزمن الحاضر، لتأتيه الأرباح في زمن لاحق، فما باله لا يقبل أن يبذل الأعمال الصالحة في الزمن الحاضر، ليأتيه الأجر والثواب في زمن لاحق؟

بفهم هذا المعنى نستطيع أن نفهم هذه الآيات:

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12).))

فالأعمال المبذولة في التجارة مع الله هي الإيمان بالله ورسوله والجها د في سبيله.

وستكون النتيجة أو الأرباح هي المغفرة والفوز بجنات عدن والمساكن الطيبة.

‏وهذا المعنى متكرر في الكتاب في غير موضع.


د. شادي الغول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *