“إِنَّ إيْجَادَ الكَيْنُونَةِ الاستِعْماريَّةِ الإرْهَابِيَّة المُجْرِمَةِ، الْمُسَمَّاة: “إِسْرائِيْلَ”، وغَرْسِها في فِلَسْطِيْنَ كَبَديْلٍ اسْتِئْصَالِيٍّ لِمَنَارةِ الإِنْسَانِيَّةِ الحَضَارِيَّة، الوَهَّاجَةِ بالضَّوْءِ: “فِلَسْطِيْنَ”، لَجَرِيْمَةٌ قُصْوَى، لا تُنْسَى، ولا يَمْحُوْهَا غُفرانٌ أَبَداً، بِحَقِّ الإنْسَانيَّةِ الجَوْهَرِيَّة بِأَسْرِهَا”
هَلْ ثَمَّةَ مِنْ خِيَارٍ أَخْلاقيٍّ وعقلانيٍّ أَمامَ الإنْسَانِيَّةِ الحُرَّةِ الَّتي تنشُدُ وقْفَاً فَوريَّاً، وكَبْحَاً دِائِمَاً، للعُدْوانِ الإسرائيليِّ على الشَّعبِ الفِلَسْطِيْنِيِّ في قطاع غزَّة، فيما هي تَشْهَدُ بِأُمَّهَاتِ أَعْيُنِهَا، ورُبَّما لأوَّل مرةٍ في تاريخها بأكمله، فُصُولَ وحلقاتِ جريمتيِّ التَّدميرِ الكُلِّيِّ والإبادةِ الجَمَاعِيَّةِ المُتَضَافِرتين، واللَّتين تَسْتَهْدِفُ بهما “الإرهابيَّةُ الغَاشِمَةُ إسِرائيلُ” فِلَسْطِيْنَ بأسرها: أَرْضاً، وشَعْباً، وقَضِيَّةً، وتَاريِخْاً، وحَضارةً، ومُمْكِنَاتِ مُسْتَقْبَلٍ مَفْتُوحٍ، وآفاقَ وُجُودٍ؛ هَلْ ثَمَّة مِنْ خِيارٍ يَفْضُلُ الخِيَارَ القَاضي بِأَنْ تَسْأَلَ الإنْسَانِيَّةُ الحُرَّةُ نَفْسَهَا، بلا تَوَقُّفٍ أو كَللٍ، السُّؤالَ الجَوْهَريَّ، والمُلِحَّ، التَّالي: هل يُمْكِنُ تَوقُّعُ ذَهَابِ مَجْلِسِ الأمنِ الدُّوليِّ ذي العَجْزِ المُزْمنِ عنْ مُواجهةِ، أو حتَّى عن تخفيفَ وطْآتِ جَرائِمِ، “الْمُجْرِمَةِ إِسْرائِيلَ” بحقِّ فِلَسْطِيْن وشعبها، والذي بدا، طوالَ الوقْتِ، كِيَانَاً سِيَاسَيَّاً دُوَلِيَّاً عَاجِزاً عنْ مُجَرَّدِ مُسَاءلةِ “إسْرائِيْلَ المُجْرِمَةِ” عن جَرائِمِها، وتحميلها مسؤوليةَ الإمْعَانِ المُتَمَادِي في اقترافها، على مَدى تَجَاوز الخَمْسةَ والسَّبْعِينَ عَاماً، ونَيِّفٍ، هِيَ عُمْرُ إِعْلانِ وُجُوْدِها القَسْرِيِّ الإرهَابيِّ الاستِعْماريِّ التَّوَحُّشيِّ فَوقَ أرضٍ حَضَارِيَّةٍ حُرَّةٍ تَتَأَبَّى بِصَرَامَةٍ، وإِطْلاقٍ حَاسِمٍ، عَلَى قُبُولِ وُجُوْدِهَا، بِأَيِّ شَكْلٍ أو حَالٍ، فِيْهَا، لأنَّهَا، مُنْذُ الأزَلِ وفي البَدْءِ والمُنْتَهَى، أَرْضُ الفِلَسْطِيْنِيِينَ وَحْدَهُم فَحَسْبُ، ومجَالُهُم الحَيَاتِيُّ الوُجُودِيُّ التَّارِيخِيُّ الحَضَارِيُّ الوَحِيْدُ، وَغَيْرُ القَابِلِ للتَّبْدِيْلِ، أو لِإِرْجَاءِ الْوُجُودِ ولَوْ لِلَحْظَةٍ: “فِلَسْطِيْنْ”؟!
أَمَجْلسُ أَمْنٍ إنْسَانِيٍّ هُوَ؟!
هلْ يُمْكِنُ لِمَجْلِسِ الأَمْنِ الدُّوليِّ العَاجِزِ هَذَا، أو ذِي الوُجُودِ المُؤَجَّلِ بالنَّسْبَةِ لِفِلَسْطِينَ وشَعْبِهَا، ولأمْنِ العَالمِ واستقرارِ أوْطانِهِ وازدهارِ شُعُوبِهِ وحَضَاراتِه، هَلْ يُمْكِنُهُ أنْ يَذْهَبَ إلى تَجَاوُز عَجْزهِ المُزْمِنِ، وتَحَدِّي تأَجِيلَ وُجْوْدِهِ المُتَعَمَّدِ، هَذَيْنِ الدَّالَّينِ، بِوُضُوحٍ سَاطِعٍ، على افتقارهِ الأَخْلاقَ والقِيمَ وأَدْنى مَعَايِيرِ الصِّدْقِيَّة والمَوْضُوْعِيَّةِ والحَيْدَةِ والأَمَانَةِ الإنْسْانِيَّةِ، وذَلِكَ بِأَنْ يَشْرَعَ، مِنْ فَوْرِهِ، فِي مُسَاءَلةِ الكَيْنُونَة المُصْطَنَعَةِ المُسَمَّاة “دَوْلةِ إسرائيل”، وفِي اسْتِجْوابِهَا، والتَّحْقِيْقِ، عَلَى نَحْوٍ جَذْريٍّ مُعَمَّقٍ وشَامِلٍ، مَعَهَا، والخُلُوصِ إلى اتِّهَامِهَا اتِّهَامَاتٍ مُبَاشِرةً، مُوَثَّقَةً ومُؤَكَّدةً ومُبَرهَنَاً عليْهَا، وإخْضَاعِهَا، مِنْ ثَمَّ، إلى مُحَاكَمَةٍ عَلَنِيَّةٍ عَادِلةٍ، تُفْضِي إِلى إِدانَتِهَا على كُلِّ ما اقترفَتْهُ منْ جَرائِمَ ليْسَ مُجَرَّدُ إِيْجَادِها الاسْتِعْمَاريِّ التَّعَسُّفيِّ في فِلَسْطِيْنَ بأَقَلِّهَا، وذَلِكَ للشُّروعِ الفَوْريِّ فِي مُعَاقَبَتِهَا بِعَدَالةٍ قَانُونِيَّةٍ وأَخْلاقِيَّةٍ إِنْسَانِيَّةٍ لا نُقْصَانِ فِيْهَا ، ولا مَراءَ، أَبَداً، بِحَيْثُ تَتَوازَى ضَخَامةُ العُقُوباتِ الَّتي ستُفرَضُ عَلَيْهَا مَعْ جَسَامَةِ الجَرائِمِ والانْتِهَاكَاتِ الَّتِي أَمْعَنَتْ فِي اقْتِرافِهَا، حَتَّى لو وصَلَتْ هَذهِ العقُوبَةُ، المُسَوَّغَةُ بِالدِّفَاعِ عَنِ الإنْسِانيَّةِ الجَوْهَرِيَّةِ بِأسْرِهَا وبِالحِرْصِ الدَّائبِ على أمْنِهَا وسلَامَتِها، حَدَّ التَّخَّلِّي الفَوْريِّ عَنِ الاسْتِمْرارِ في تَبَنِّي، وتَمْوِيْلِ، ودَعْمِ، وتحْصِينِ، مَشْرُوعِ غَرْسِ “إسْرائِيلَ الإرْهَابِيَّة” خَنْجَراً مَسْمُومَاً، وقَاعِدةً عَسْكَرِيَّةً اسْتِعْمَارِيَّةً، في قلبِ العَالَمِ الإنْسَانِيِّ الحُرِّ الَّذي يَبْدَأُ، دائِماً وأَبَداً، مِنْ قَلْبِ الحَضَارةِ الإنْسَانِيَّةِ، ومِنْ مُنْطَلَقِ انْبِثَاقِ صَيرورتِهَا المُفْعَمَةِ بالحَيَويَّة الدَّافِقَةِ: “فِلَسْطِيْنْ”؟!
وهَلْ لِلْإنْسَانِيَّةِ المُتَسَائِلَةِ، بِأَلمٍ وإِلحَاحٍ، عَنْ قِيَمِهَا ومبَادِئِهَا وأَخْلاقِهَا وسِمَاتِ سِمُوِّهَا الْوُجُودِيِّ المَهْدُورةِ، أَنْ تَفْتَحَ سُؤَالَهَا الأَسَاسِيَّ التَّأْسِيْسِيَّ هَذَا عَلَى تشَعُّبَاتِهِ المُمْكِنَةِ، فَتَسْأَلُ، ضِمنَ ما يَنْبَغي أَنْ تُوجِّهُهُ لِنَفْسِهَا، وَلِلْبَشَريَّةِ الَّتي لَمْ تُدْرِك إنْسَانِيَّتَهَا بَعْدُ، مِنْ أَسْئِلَةٍ حَاسِمَةٍ، السُّؤَالَ التَّالي: هَلْ يُمْكِنُ للعُقُوباتِ المفْرُوضَةِ من قِبلِ العَدالةِ الإنسانيَّةِ المُمكِنَةِ الوُجُود أَنْ تَتَضمَّنَ، ابْتِدَاءً، إِلزامَ “إسْرائِيلَ”، و”الحَركة الصُّهيونيَّة” العُنْصُرِيَّة التي تَمْتَلِكُهَا بالتَّقاسُمِ مَعْ مُنْشِئِيْهَا وصُنَّاعِهَا وَمُمَوِّلِيْها وداعِمِيْهَا مِنَ الرَّأْسِمَالِيينَ الغَربِيينَ المُتَوَحِّشِيْنَ، ولا سيما مِنْهُم الامبراطوريَّةُ الآفِلةُ: “المَمْلَكَةُ المُتَّحِدَةُ”، والامبراطوريَّةُ الآيلةُ حَتْماً، بِحُكْمِ حَركَة التَّاريخِ الذي لا ينْتَهي ولا تَتوقَّفُ حَركَتُهُ أَبداً، إلى زَوَالٍ: “الولاياتُ المُتَّحِدَةُ الأمريكيَّة”، إِلْزَامَاً قَاطِعَاً لا لُبْسَ فِيْهِ، بالإِذْعَانِ لِأَدَاءِ الْتِزَامَاتٍ قَانُونِيَّةٍ، وسِيَاسِيَّةٍ، واقْتِصَادِيَّةٍ، وثَقَافِيَّةٍ وحَضَارِيَّةٍ، وتَارِيْخِيَّةٍ، وأَخْلَاقِيَّةٍ، وتَقْدِيْمِ تَعْوِيْضَاتٍ مَاليَّةٍ، واعْتِرافَاتٍ واعْتِذَاراتٍ، والتَّقَيُّدِ الصَّارمِ بتنفيذِ أَحَكامٍ صَارِمَةٍ تَصْدُرُ، بِتَجَرُدٍ قَانُونيٍّ وأخلاقيَّ، وبلا تُحيُّزٍ، عَنْهُ!
فَهلْ لِمَجْلِسُ أَمْنٍ دُوَليٍّ، يُفْتَرَضُ، وِفْقَ ما هُوَ مُعْلَنٌ عَنْهُ أو مَزْعُومٌ لَهُ منْ قِبَل ثُلَّةِ أعْضَائِهِ المُؤسِّسِين، أَنَّهُ مَجْلِسٌ إِنْسَانيُّ التَّوجُّهاتِ والرُّؤَى والسَّيَاسَاتِ والتَّصَرُّفاتِ، أي مَجْلِسُ أَمْنٍ وسَلامٍ واسْتِقْرارٍ وازدهَارٍ للإِنْسَانِيَّة بِأَسْرِهَا، وليسَ لِبعضِ جَمَاعَاتٍ وكِياناتٍ ودُوَلٍ مِنْ بَشَرٍ عُنْصُريينَ وجَشِعِينَ مُتَوحِّشين لَمْ يُدْرِكُوا بِذْرَةَ إِنْسَانِيَّتِهِم بَعْدُ، أَنْ يَتَعَهَّدَ بِالْعَمَلِ، بِنُبْلٍ إنْسَانِيٍّ، وسُمُوٍّ أخلاقيٍّ، والْتِزامٍ قَانُونيٍّ، وجَدِّيَّةٍ وَحَيْدَةٍ، وقُوَّةٍ واقْتِدَارٍ، عَلَى إِلْزامِ الدُّوَلِ والْكِيَانَاتِ البَشَريَّةِ العُدوانِيَّةِ العُنْصُريَّةِ الاسْتِعْمَارِيَّةِ التَّوحُّشِيَّةِ، غَيْرِ القَابِلةِ لأيِّ قَدْرٍ مِنَ الأَنْسَنَةِ، بِالشُّروعِ الفَوْرِيِّ في تَنْفِيْذِ أحكامٍ وقراراتٍ عادلَةٍ وصارِمَةٍ تَصْدرُ بِلا لأيٍّ، أو مُمَاطَلَةٍ، عَنْهُ، وذلكَ نُشْدَاناً لقَدْرٍ مِنْ عَدْلٍ إنْسانيٍّ يُتِيْحُ لِشَعْبِ فِلَسْطِيْنَ مُمَارَسَةِ حُقُوقِهِ الإنسانِيَّةِ وحُرِّيَّاتِه الأَسَاسِيَّة، وعلى رأسِها جَمِيْعاً حَقُّهُ الأصليُّ الرَّاسِخُ فِي تَقْرِيْرِ مَصِيْرِهِ بِنَفْسِهِ، فَوْقَ أَرْضِ وَطَنِهِ الأَزَلِيِّ الأَبَدِيِّ الَّذِي هُوَ، دَائِماً وأَبَداً: “فِلَسْطِيْنْ”؟!
وللإنْسَانيَّةِ الجَوْهَرِيَّةِ المُتَسَائِلَةِ أَبَداً، الَّا تَتوقَّفَ، بِطَبْيعَة تَعْريْفِهَا المَفْهُومِيِّ المُطَابِقِ جَوْهَرِهَا، وبِتَحْفِيزِ شَغَفِها الْوُجُوْدِيِّ اللَّاهِبِ إلى اعْتِنَاقِ الحَقيْقَةِ المُنِيْرَةِ، وإِدْراكِ العَدْلِ السَّاطِعِ، وإحْقَاقِ الحَقِّ الرَّاسِخِ في الوُجُودِ، عَنِ الاستمرارِ في تَوَقُّعِ المُمْكِنَاتِ الإيْجَابِيَّةِ القَابِلَةِ للتَّجَلِّي مَهْمَا بَعُدَ احْتَمالُ انْبِثَاقِها، أو ضَئُلَتْ فَرصُ تَحْوِيْلِهَا إلى مُمْكِناتٍ فِعْلِيَّة، كَما أنَّ عليْهَا أَنْ تَعْمَلَ، بِدَأَبٍ مُثَابِرٍ، على تَقْرِيْبِ مَواقِيْتِ انبثاقِها، وتَوفيرِ شُروطِ النَّجاحِ في تَحويلها إلى واقِعٍ عَمَلِيٍّ يَتَحقَّقُ في واقِعِ فِلَسْطِينَ المَأْسُورةِ مَعْ مَنْ تَمَكَّنَ منَ البَقَاء فيْهَا مِنْ أهلِهَا الفِلَسْطِينِيينَ أًصْحَابِهَا الأَصْلِيينَ، مِنْ قِبَلِ أَغْيارِ الإنسانيينَ ونَقَائِضِهِم مِنَ الإرْهَابيينَ المُسْتَعْمِريْنَ منَ اليَهودِ المُصَهْيَنينَ المُسْتَجلَبينَ منْ شّتَّى أصقاعِ الأرضِ، في سَجْنٍ صًيِّرَتْ فِلَسْطينُ، بِمَشِيْئَةِ تَوَحُّشِهِم، إليهِ لتَكونَ هي “السَّجَّانَةِ السَّعِيْرِيَّةِ إِسْرائِيلَ” وذَلِكَ مُنْذُ لَحْظَةِ بِنَاءِ هَذا السَّجْنِ البَشَرِيِّ الجَحِيْمِيِّ الَّذي زُعِمَ، نَقِيْضاً لِذلِكَ، أَنَّهُ وَطنٌ، أوْ دَولَةٌ، لليْهَودِ أُعْلِنَ قِيَامُهمَا، في لْحظَةٍ واحِدةٍ، فَوقَ أرضٍ منْ أَرضِ الوَطنِ الفِلَسْطِيْنِيِّ الَّذِي هُوَ “الجَنَّةِ الإنْسَانيَّة: فِلَسْطِينْ”؟!
إنْسَانِيَّةٌ جَوْهَرِيَّةٌ وبَشَرِيَّةٌ مُتَوَحِّشَةٌ
عَبْرَ إِمْعَانِهَا فِي تَوجيْهِ الأَسْئِلَةِ التَّأسِيْسِيَّةِ الْجَذْرِيَّة إلى نَفْسِها، وإلى البِّشَرِيَّةِ المُتَوحِّشَةِ الَّتي أَعْجَزَها جَشَعُهَا الحَيَوانيُّ الغَريزيُّ وعُنْصُرِيَّتُهَا السَّوداءُ، ولا يزالانِ يُعْجِزَانِهَا، عَنْ التِقَاطِ بِذْرَةِ إنْسَانِيَّتِهَا، يَكُونُ عَلَى الإنْسَانيَّةِ الجَوْهَرِيَّةِ أَنْ تُؤَدِّي واجِبَ الاسْتِمْرارِ في السَّعْيِ لِتَحْرير البَشَريَّةِ الضَّالَةِ منْ جَشَعِهَا وتَوَحُّشِهَا، وفِي تَجْديدِ سُؤالِهَا إلى نَفْسِهَا، وبلا انْقِطَاعٍ: هَلْ يُمْكِنُ لِمَجْلِسِ الأَمْنِ الدُّوَليِّ، هَذَا الَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ شَعْبُ فِلَسْطِيْنَ مَجْلَسَاً عَاجِزاً عَنْ حِمَايَتِهِ وإِنْصَافِهِ، فَحَسْبُ، وإِنَّمَا عَرَفَهُ، كَذَلِكَ وطَوَالَ الْوَقْتِ، مَجْلِسَاً مُتَواطِئَاً، بِدَأَبٍ مُثَابِرٍ وعلى نَحْوٍ صَمِيْمِيٍّ، في وَضْعِ، وإقرارِ، وتَوفيرِ إمكانِيَّاتِ تَنْفِيذِ، والشُّروعِ في تَنْفِيذِ، كُلِّ مُخَطَّطَاتِ، وسِيَاسَاتِ، وعَملِيَّاتِ، وإجْراءاتِ، اقْتِرافِ جَريْمَةِ هذا العَصْرِ وكُلِّ العُصُور، المُتَمَثِّلَةِ في المحَاولاتِ الصُّهْيُونيَّة الرَّأسِماليَّة الغَربيَّة الاسْتِعماريَّة المُتَكرِّرة المحْمُومَة في اقْتِلاعِهِ، كّشَعْبٍ حَضَاريٍّ تارِيْخِيٍّ رَاسِخٍ في الْوُجودِ، اقْتِلاعَاً إرْهَابيَّاً قَسْرِيَّاً مِنْ أرضِ وطَنَهِ الأزَلِيِّ الأبَديِّ الخَالدِ: “فِلَسْطِينْ”، وقَتْلِهِ، وتَشْرِيْدِهِ في مَنافيِ الشَّتاتِ، ومُخَيَّماتِ اللُّجُوءِ القَسْرِيِّ، والفَتْكِ، بِكُلِّ طريقَةٍ مُمْكِنَةٍ، بِهِ، لِتَمْكِيْنِ العِصَاباتِ اليَهُوْدِيَّةِ الإرهَابِيَّةِ الصُّهْيُونِيَّة مِنْ سَرِقَةِ وَطَنِهِ خَالِيَاً، قَدْرَ المُسْتَطَاعِ، مِنْهُ ومِنْ عَلامَاتِ حُضُورهِ الحَضَارِيِّ التَّارِيْخيِّ فِيْهِ، بِوصْفِهِ المَجَالَ الحَيَاتيَّ الْوُجوديَّ الحَيَويَّ الوحِيْدَ لِوُجْودهِ الَّذِي أَسْمَاهُ الوجُودُ الحَقُّ نَفْسُهُ، باسْمِهِ، إِذْ نَسَبَهُ إليْهِ بِوصْفِهِ خَالِقَهُ وَمُجَلِّيَ وُجُوْدَهُ في رِحَابِ الحَيَاةِ، وفي شَتَّى مَدَاراتِ الْوُجُود الإنْسَانِيِّ: “فِلَسْطينْ”!
وقَدْ لا نعْثُرَ على نَعْتٍ واقِعيٍّ لتَّواطُئِ مَجْلِسِ الأمْنِ الدُّوليِّ الاستِعْماريِّ الإرْهَابيِّ هَذَا، يَتَفَوَّقُ على النَّعْتِ الدَّارِجِ في أَوساطِ الإنْسَانيينَ الأحرار منَ النَّاسِ، والذي خُلاصَتُهُ أَنَّهُ تَواطُؤٌ بَشَرِيٌّ تَوحُّشيٌّ لَا وُجُودَ لِذرَّةِ إنْسَانيَّةٍ فِيْهِ. وهُوَ في حَقِيْقَتِهِ جِريْمَةٌ مُزْدَوَجَةٌ، بَلْ وأكثَرُ منْ جَرِيْمَةٍ مُزدَوَجةٍ، ضِدَّ الإنْسَانِيَّةِ بِأسْرهَا؛ إِنَّهُ جَرِيْمةٌ تَأَسَّسَ الشُّروعُ في اقْتِرافِها على تَوافُقٍ مَصْلَحيٍّ صَمِيميٍّ جَمَعَ الحَركَةَ الصُّهيونيَّةَ الرّأْسِماليَّةَ الاسْتِعْمَارِيَّةَ العُنْصُرِيَّةَ، والدُّولِ الرأَسِماليَّة الاسْتِعْماريِّة الكُبْرَى، وهِيَ دُولٌ عُنْصِريَّةٌ في عَقَائِدِهَا، وأَصْلِ نَشْأَتِهَا، وغَاياتِ وُجُودِهَا، بِشأْنِ الحَاجَةِ الاستراتيْجِيَّة إلى إِيْجَادِ حَلِّ لِمَا صَار يُعْرفُ في حِيْنِهِ بــ”الْمُشْكِلَةِ اليَهُودِيَّةِ” الَّتِي تَفَاقَمَتْ، وتَوالَتْ فُصُولُهَا، فِي أَرْجَاء واسِعَةٍ مِنَ القَارَّةِ الأُوروبيَّةِ.
ولَمْ يَكُنْ جَوهَرُ التَّوافُقِ المَصْلَحِيِّ الصَّمِيْمِيِّ بِيْنَ الحركَةِ الرَّأْسِمَاليَّةِ الصُّهْيُونِيَّةِ العُنْصُرِيَّةِ ذَاتِ النُّزوعِ الاسْـتِعْماريِّ، والدَّولِ الرَّأْسماليَّةِ العُنْصُرِيَّة الاسْتِعْمَارِيَّةِ الكُبْرى، إلَّا الشُّروعُ في العَملِ المُشْتَركِ عَلَى اقتِلاعِ اليَهودِ الأُوروبِيينَ مِنْ أَوطَانِهم الأَصْلِيَّةِ المُوَزَعَةِ على قَومِيَّاتِ القارَّة الأوروبيَّةِ بِأسْرِهَا، وتَجْميْعِهم تَجْمِيْعَاً قَسْرِيَّاً، أو عَبْرَ تفعيلِ ما لا يُحْصَى من المُحَفِّزاتِ والإغْراءَاتِ التي تَسْتَجِيْبُ لِنِداءَاتِ الجَشَعِ، في مَكَانٍ مَا مِنْ أَماكنِ العَالَمِ، يَتِمُّ تَحْدِيْدُهُ واحْتِلالُهُ، عَلَى أَسَاسِ ثُبُوتِ أَنَّهُ أَرْضٌ فَارِغَةٌ مِنَ النَّاسِ، لا شَعْبَ يَملُكُهَا، ولا حَضارةَ فِيْهَا، ولا تارِيْخَ لَها، لِيَكونَ هذا المَكَانُ المُخْتَارُ، الَّذِي هُوَ “أَرْضٌ بِلا شَعْبٍ، ولا تاريخٍ، ولا حَضَارةٍ”” وطَناً قَومِيَّاً ليَهُودِ العَالِمِ الَّذِينَ يُرادُ لَهُمْ، خِلافَاً لِكُلِّ أُسِسِ ومَعَايِيرِ وشُرُوطِ ومُتَطلَّبَاتِ تَشَكُّلِ القَومِيَّاتِ والشُّعُوبِ، أَنْ يُشَكِّلُوا قَوْمِيَّةً، وأَنْ يُكَوِّنُوا شَعْباً، يَتأسَّسُ وُجُوْدُهُمَا عَلَى إجراءٍ غير مَعْقُولٍ يَتَمَثَّلُ في جَعْلِ الدِّيْنِ قَومِيَّةً، والْعَقِيْدةِ الدِّيْنِيَّةِ الأُسْطُوريَّةِ الخُرَافِيَّة آيديُولُوجِيَّةً سِيَاسيَّةً، ومَشْرُوعاً استِثْمَارِيَّاً اسْتِعْمَارِيَّاً، وفي جَعْلِ مُنْتَسِبي هَذِهِ الآيديُولُوجِيَّة المُصْطَنَعَةِ شَعْبَاً مُفْتَرَضَاً قابلاً للاختراعِ، أو تَجَمُّعَاً بَشَرِيَّاً سَيُجْري حُسْبَانُهُ على أَنَّهُ “مَشْرُوعُ شَعْبٍ” حِيْنَ يَتِمُّ تَجْمِيْعُ أَقْصَى عَدَدٍ يُمْكِنُ تَجْمِيْعُهُ مِنْ يَهُودِ العَالَمِ مُتَعَدِّدي القَومِيَّاتِ والثَّقافَاتِ واللُّغَاتِ، فِي المَكَانِ المُفْتَرِضِ وُجُودهُ في حيِّزٍ مَا مِنْ أَحْيَازِ العَالمِ غير المأُهولَة، والشُّروعُ في السَّعْيِ اللَّاهِبِ، بِوسائلَ شَتَّى، لاخْتِراعِ “الشَّعْبِ اليَهُوديِّ” المنشودِ اخْتِرَاعُهُ، وإيْجَادُهُ مِنْ عَدمٍ، وذَلِكَ على نَقيضِ ما هُوَ عليْهِ حَالُ الشَّعْبِ الفِلَسْطِيْنِيِّ الرَّاسِخِ فِي الوُجُودِ مُنْذُ أَزَلِ الْوُجُودِ وعلى مدارِ التَّارِيْخِ، والَّذي لَمْ يَكُنْ لِشَعْبِ سِوَاهُ أَنْ يَبْنِىَ حَضَارةً، وَيُشَكِّلُ تَاريخَاً لأَرْضٍ وَوَطِنٍ نُسِبَا، بِفَضْلِ ذَلِكَ الجَهْدِ الابْدَاعيِّ الخَلَّاقِ، إِليْهِ، هُمَا: “فِلَسْطِيْنُ الأَرْضِ”، و”فِلَسْطِيْنُ الوَطَنْ”!
جَرِيْمَةٌ مُضَاعَفَةٌ ضِدَّ الإنْسَانِيَّة
ولا يأَتِي الطَّابَعُ المُزْدَوجُ، أو حَتَّى المُضَاعَفِ مِراراً وتِكراراً، لِهذهِ الجَرِيْمَة القُصوى ضِدَّ الإنْسَانِيَّة منْ أَنَّ الاختيارَ قَدْ وَقَع، لأَسِبَابَ اسْتراتيجيَّة شَتَّى أَسَاسُها اسْتِعْمَارِيٌّ صُهْيُونيٌّ أُوروبِيٌّ أَمْرِيْكِيٌّ، عَلَى أرْضِ فِلَسْطِينَ الَّتِي تُنَاقِضُ حَقِيْقَتُهَا الرَّاسِخَةُ كَأرضٍ وَوَطنٍ ذَوَيِّ هُوِيَّةٍ حَضَارِيَّةٍ مُتَأَصِّلَةٍ عَمِيْقَةِ الجُذُورِ، المِعْيَارَ الأَسَاسِيَّ، أَوِ الشِّعَارَ، الَّذي أَعْلَنَ زُعَماءُ الحركَةِ الصُّهْيونيَّةِ، في حيْنِه، اعْتِمَادَهُ تَسْوِيغاً لِسَرِقَة ما لا يُمْكِنُ أَبداً أنْ يُسْرَق : “أَرْضٌ بِلا شَعْبٍ لِشَعْبٍ بِلا أَرْضٍ” مُنَاقَضَةً صَارِخَةً، لِتَكونَ هِيَ مَكَانُ تَجميْعِ هَؤلاءِ اليَهودِ المُرادِ جَعْلِهِمْ، فِي سِيَاقِ صَهْيَنَتِهِمْ، وحَوْسَلَتِهِمْ، وتَجْرِيْدِهِمْ مِنْ بُذورِ إنْسِانيَّتِهم المُمْكِنَةِ، شَعْبَاً بَشَرِيَّاً اسْتِعْماريَّاً مُتَوحِّشَاً لا يَعْدو أَنْ يَكُونَ إلَّا أَدَاةً إِرْهَابيَّةً عَسْكَرِيَّةً لِتَنْفِيْذِ المُخَطَّطِ الاسْتِعمَاريِّ الاسْتِراتِيْجِيِّ الصُّهيونيِّ الأُوروأمْرِيكيِّ، الرَّهيبِ والمُتَشَعِّبِ، للهيمنَةِ المُطْلَقَةِ على العَالم، انْطِلاقاً مِنَ الهَيْمَنَةِ الاستراتيجيَّة المُطْلَقَة عَلَى قَلْبِ الشَّرقِ الأَوسَطِ، والعَالَمِ الحَضَاريِّ الإنْسَانيِّ بِأَسْرهِ: “فِلَسْطِينْ”.
إِنَّ إيْجَادَ الكَيْنُونَةِ الاستِعْماريَّةِ، المُتَوحِّشَة المُجْرِمَةِ، المُسَمَّاة: “إِسْرائِيْلَ”، وغَرْسِها في فِلَسْطِيْنَ كَبَديْلٍ اسْتِئْصَالِيٍّ لِمَنَارةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَوْهَرِيَّة الوَهَّاجَةِ بالضَّوْءِ: “فِلَسْطِيْنَ”، لَجَرِيْمَةٌ قُصْوَى، لا تُنْسَى ولا يَمْحُوهَا غُفْرانٌ أَبَداً، بِحقِّ الإنْسَانيَّةِ الجَوْهَرِيَّة بِأسْرِهَا، فَقدْ تَبَيَّنَ الآنَ، وبِجَلاءٍ سَاطِعٍ أَسْهَمَ فِي تَعْزيزِ سُطُوعِهِ وتَوسِيعِ أَمْداءِ حُضُورهِ وَرُسُوْخِه في وعْيِ العَالَمِ الإنْسَانِيِّ اليَقِظِ، سُلُوكُ إسْرائِيْلَ الإجْراميُّ التَّوحُّشيُّ المُتَفَاقِمُ الجَارِي اقْتِرَافُهُ الآنَ، فِي قِطَاعِ غَزَّةَ، وفِي كُلِّ فِلَسْطِيْنَ، وفي الشَّرقِ الأوسَطِ بأسْره.
لَقَدْ كَانَ لهَذَا الإِيجَادِ القَسْرِيِّ التَّوَحُّشِيِّ الاسْتِعِماريِّ أَنْ يُشَكِّلَ، مُنْذُ لَحْظَةِ الشُّرُوعِ في تَحْقِيْقِهِ، جَريْمَةً مُكْتَملَةَ المُكَوِّناتِ والأرْكانِ بِحَقِّ يَهُودِ العَالَمِ الأُوروبيينِ وغير الأُوربيينِ، وبِحَقِّ أكْثَر مِنْ شَعْبٍ ووطَنِ وثَقَافَةٍ منٍ شُعُوبِ العَالمِ وأَوْطَانِهِ وثَقَافَاتِه الَّتِي انْتَمَى إليْهَا مَنْ اقْتُلِعَ مِنْ وطَنِهِ الأصْلِيِّ مِنْ هَؤُلاءِ اليَهُودِ لِيُجْعَلَ، بالتَّرغيبِ أو بِالتَّرْهِيْبِ، وَحْشَاً صُهْيُونِيَّا إِسْرائِيْلِيَّاً يُحَوْسَلُ في أَتُونِ الصُّهْيُونيَّة المُتَوحِّشَةِ، وذَلِكَ في عَيْنِ اللَّحْظَةِ الَّتِي مَثَّلَ فِيْهَا هَذَا الإيْجَادُ جَرِيمَةَ إِبَادَةٍ جَمَاعِيَّةٍ، وتَطْهِيرٍ عِرْقيٍّ، واقْتِلاعٍ إرْهَابِيٍّ، وتَهْجيرٍ قَسريِّ، وتَدْمِيرٍ كُلِّيٍّ، شَامِلَةٍ ومَتَشَعِّبَةَ المَجَالاتِ، ومُكَرَّرةٍ، في تَضَاعُفٍ تَراكُمِيٍّ، عَلَى مَدَىً شارفَ القَرنَ مِنْ الزَّمَانِ، ضِدَّ فَلَسْطِينَ وشَعْبِهَا الرَّاسِخَيْنِ في وُجُودِهِمَا المُلْتَحِمِ الْوَثِيقِ مُنْذُ الأَزلِ: حَضَارةً إنْسَانيَّةً راقِيَةً، وتَارِيْخَاً دافِقاً، واستمراراً وُجُودِيَّاً، وَرُقِيَّاً إِنْسَانِيَّاً، وحَيَاةً حَيَوِيَّةً مُتَجَدِّدةً، ومُمْكِنَاتِ مُسْتَقْبَلِ مَفْتُوحٍ عَلَى آفَاقِ مُسْتَقْبَلٍ مَفْتُوحْ؛ فَهَلْ للإنسانيَّةِ بِأسْرِهَّا أَنْ تلْتَحِمَ فِي مُواجَهَةِ الصُّهيونيَّةِ وإسْرائِيْلِهَا وقَدْ جَعَلَتَا مِنْ “مُعَاداةِ الإنْسَانِيَّةِ” نَهْجَاً مُتَأَصِّلاً في وُجُودِهِما العُنْصُريِّ التَّوحُّشِيِّ الذي بِهِ تُعَادِيَانِ الإنْسَانيَّة، وتُواجِهَانِ، بِدَعِمِ كُلِّ الدَّائِرينَ في فَلَكِهِمَا من الرَّأْسْماليينَ المُتَوحِّشِيْنَ وأتْبَاعِهِم مِنْ الأفرادِ مَنْزُوعِي الإنْسَانِيَّة، ومُفَرَّغِي الوَعْيِ، ومنَ الكِيَانَاتِ السَّيَاسِيَّة المُصَنَّعَة، ما تَزْعُمانِ، زوراً وبُهْتَاناً وافْتِعَالاً عُدْوَانيَّاً مُتَقَصَّداً، أنَّهُ أو قَولٌ أو سُلوكٌ أو حَّتَّى إيماءٌ أو تلويْحٌ أو إلْمَاحٌ يَنطَوي على “مُعَادَاةٌ لِلسَّامِيَّة” الَّتي جَرى جَعْلُهَا، بِقُدْرةِ التَّضْلِيلِ، رديفاً لانتقادِ الصُّهْيُونِيَّةِ العُنْصُرِيَّة، والحُكُومَةِ الإسرائيليَّةِ، ودولَةِ إسرائيل، ومُؤسِّساتِهَا وهيْئَاتِهَا، وجَيْشِهَا التَّوحُّشيِّ عَديْمِ المِهَنيَّة، منْزُوعِ الأخْلاق !!!
الكاتب عبد الرحمن بسيسو