وصلني كتاب: “حكم العدالة وقضايا قانونية من أروقة المحاكم”، للأستاذ المحامي شادي الصح من عرابة البطوف بالعمق الفلسطيني، والكتاب من منشورات دار جفرا في عمَّان ودار الدندشي في كندا، والكتاب من 171 صفحة من القطع الكبير، وكان من المفترض أن أقدم قراءة نقدية للكتاب في حفل الإشهار في عمَّان عاصمة الأردن الجميل، وكون الكتاب سلسلة مقالات وخارج اطار الرواية والقصة والشعر، فاكتفيت بالملاحظات النقدية العامة، وقد أعاد عنوان الكتاب الى الذاكرة عدة كتب قرأتها في سبعينات القرن الماضي تتحدث عن قضايا قانونية من محاكم دولية، لكن ما أن بدأت القراءة في الكتاب حتى وجدت نفسي أمام قضايا مختلفة صيغت بأسلوب أدبي ممتع بعيدا عن القانون الجاف، حتى أني استغربت العنوان القانوني المطول وإن كان يعبر عما ورد في بعض من مقالات الكتاب وليس جميعه، فنسبة كبيرة هي مقالات للكاتب عن قضايا مجتمعية مختلفة وليست نتاج أروقة المحاكم.”
وغلاف الكتاب هو المطرقة المعروفة في يد القضاة مع قلم حبر، والغلاف الأخير صورة الكاتب وتعريف عنه، وأماالاهداء فالكاتب اهدى الكتاب لزوجته الشاعرة د. ميساء الصح التي شجعته على نشر ما يكتبه بكتاب هو الذي بين أيدينا، والى والدته ووالده وهذا أقل الواجب من الكاتب ومنا جميعا تجاه الأب والأم، وقدم للكتاب الشيخ محمد اسعيد صلاح، وأحب أن أشير الى مسألة ايجابية لصالح الكاتب والكتاب، وهي اهتمام الكاتب بما يتعرض له أهلنا في العمق الفلسطيني 1948 من إهمال من قبل الاحتلال بالمحاسبة واهمال بالبحث عمن يرتكب جرائم القتل لأقل الأسباب وأتفهها، مما أدى الى ظهور “عصابات منظمة” في الوسط العربي بدعم من أجهزة الاحتلال، بحيث وقع ضحية ذلك 256 ضحية منذ بداية 2023 حتى نهاية اول شهرين من عام 2024، وهذا عدد كبير نسبة لتعداد الوسط العربي، اضافة لقتل النساء بكثرة تحت مبررات مختلفة ومعظمها يتخذ من الشرف ستارا للقتل، علما أن ما يسمى القتل من أجل الشرف محرم شرعا ويجب محاسبته كجرائم قتل متعمد.
الكتاب كما أشرت أعلاه سلسلة من المقالات، والمقال هو فن أدبي قديم لدى العرب اشتهر به الجاحظ وابن الجوزي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعري في كتبهم وغيرهم الكثير، وكلمة مقال أو مقالة مشتقة من القول والحديث، وإن حاول البعض نسبة المقال لظهور الصحافة والمقال الصحفي، والمقال بغض النظر عن موضوعه يتميز بعدم الطول ومحدودية الحجم، وعادة ما يكون بأسلوب مبسط ويتحدث بموضوع واحد أدبي أو علمي أو أي موضوع، وبذلك فهو يعتبر من أدب النثر.
في المقال الأول تحت عنوان: “ضريبة النجاح” ويمكن اعتباره تقديم للكتاب سلط الكاتب الضوء على ما يتعرض له الشخص الناجح من اساءة وعدائية غير مبررة سوى بالأمراض النفسية في داخل اولئك الذين يسيئون للناجحين، فيوصي الناجحين بالصبر، لكن في المقال الثاني: “هل يهتز عرش الرحمن” والثالث: “الحرية الحقيقية ليست رهف”، والرابع “سر المرأة الشرقية” والخامس “سأخبر الله بكل شيء” والسادس “أفلا أدلكم عليهم” خروج عن عنوان الكتاب ومعاناة المجتمع العربي تحت الاحتلال، فالأول يتحدث عن ما عاناه مسلمو الروهنجا، والثاني عن الفتاة السعودية التي التجأت الى كندا وارتدت عن دينها وعن تقاليد مجتمعها، وهكذا المقالات حتى السادس، وأضيف لها مقال “الجمعيات النسائية في الأردن” وهو رقم 26 بالكتاب، وهو يتحدث عن قضايا الطلاق المرتفعة جدا بالأردن، والكاتب يرى ان ارتفاع نسبة الطلاق سببه انتشار الجمعيات النسائية في الأردن، وكذلك مقال “المتمردة” رقم 27 فهي قضية قانونية في مصر، ومقال عن مقر الصليب الاحمر في سويسرا ومقال عن سويسرا أيضا وتحديدا عن مدينة جنيف، ولكن من المقال السابع يصحح الكاتب اتجاه البوصلة نحو المجتمع العربي في العمق الفلسطيني نسبيا وليس تماما، وإن كانت نسبة كبيرة من المقالات التي وردت في الكتاب ليست من أروقة المحاكم، بل من أفكار الكاتب وبقلمه ورصده لقضايا اجتماعية أو وطنية.
نلاحظ اهتمام الكاتب بالقضاء العشائري والعودة لسلطة العشيرة وهذا كان المقال الثامن والذي هدف لتعريف الجيل الشاب بهذا القضاء، والكتاب يتوجه للعديد من الظواهر الاجتماعية مثل مقال: “لقد حرم عليكن الحب” بالحديث عن ما يسمونه عيد الحب وهو تقليد غير واعٍ للغرب، وموضوع الحجاب ويبين موقفه بوضوح من الجمعيات النسائية المدعومة من الغرب التي تعمل على نزع الحجاب عن النساء لتحقيق أهداف الغرب كما في المقال “فمزقي يا ابنة الاسلام الحجاب”، ويعلنها صريحة بالقول: “أنا ضد الجمعيات النسائية التي تحمل أفكار الغرب”، اضافة للحديث عن حرمان المرأة من الميراث، والتأكيد على دور المحاكم الشرعية وقراراتها ومنها قضية منعت فيها امرأة من السفر بدون اذن زوجها الذي كانت على خلاف معه، وتحدث في مقال آخر عن تجارة الأعضاء البشرية.
ولم يفت المؤلف وضع قضايا تابعها بنفسه مثل غيرة المحامين من بعضهم وصولا للادعاء المزور بحق زميل المهنة، والادعاء الباطل ظلما وعدوانا على الآخر، وممارسة الخطيئة والابتعاد عن الدين القويم، ويتطرق لقضايا عديدة في ممارسات الناس وصلت للمحاكم ومنها عدم التسديد المالي والادعاء زورا، وتحدث عن ملف قضايا تابعها بالمحاكم بنفسه ومواجهته لشهود الزور وإبطال شهاداتهم، وقضية اعتداء الشرطة على مواطن وابنه وتلفيق تهم لهم، وطرد طالب من الجامعة لتحطيم مستقبله، وعقوق الوالدين.
نلمس في الكتاب الحس الديني حيث نرى الاستشهادات بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية والتأكيد على ما ورد في القرآن والسنة في علاقة الرجل بالمرأة، وكذلك الحديث عن المسجد الأقصى، ونجد الكاتب يرفض العلمانيين والعلمانيات، كما نجد التزام الكاتب بالمتوارث من ايجابيات ورفض محاولات التغيير تحت عنوان التطور، ويحض في أكثر من مقال للعودة لتمكين العشيرة في المجتمع، اضافة للحس الوطني لدى الكاتب في العديد من المقالات ومنها مقال تحت عنوان: “سياسة الانبطاح”، وأكثر من مقال ذي توجهات وطنية، وأكثر من قضية تولاها لوقف الهدم للبيوت العربية ومنع البناء، والتغلب على قانون (كمينتس)، والإصرار على استخدام اللغة العربية في المحاكم الشرعية.
والخلاصة يستمتع القارئ بقراءة الكتاب، فالكاتب يسلط الضوء على المجتمع العربي الذي يسعى الاحتلال جاهدا أن يجعل السوس ينخره، ولكن لاحظت أن هناك بعض المقالات قد تكررت أكثر من مرة في الكتاب، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مقال “في سوق القدس العتيقة” الذي اختتمه الكاتب بقصيدة جميلة لزوجته الشاعرة ميساء الصح، ومقالات أخرى كان يمكن دمجها ببعضها لأن الموضوع نفسه، وكان من الضرورة وضع فهرس للكتاب فقد خلا الكتاب من الفهرسة في نهايته وهذا يتعب القارئ أو الباحث للعودة لمقال معين إن أراد الرجوع اليه، ولا بد من الاشارة إلى أنه في ص 40 وردت عبارة “عرب اسرائيل” وهي تسمية يقع بها الكثيرون بالخطأ، والأجدر أن نقول فلسطينيوا 48 او العمق الفلسطيني، فالاحتلال يسعى لشطب كلمة فلسطينيين لأنه يرفض هذه التسمية المرتبطة بالارض والتاريخ، ولكن بعد حفل الاشهار أشار الكاتب أن العديد من الأخطاء قد جرى تلافيها في النسخة المجددة من الكتاب والبالغة 212 صفحة من نفس الحجم للكتاب، اضافة لتعديلات في الاهداء والعديد من المواضيع اختصارا أو زيادة.
الكاتب الإعلامي زياد جيوسي