لم يمر العرب…بأسوأ مما هم عليه في واقعهم الراهن من حيث التنافر والتباعد وتصحٓر الوجدان والتنكرللمبادئ القومية الأصيلة…امام انبهارهم بما توصل اليه العقل البشري المعاصر من تطور لآليات الحياة وتقنياتها وكل الجوانب الماديةفيها.وفي حمٓأة هذا الصراع،بكل ابعاده المادية والثقافية المختلفة ،والذي إنجر عنه تنازع للقيم والافكار…وازدياد الحيٓرة وتنامي الشٓك والإحباط،وأدى الى تجاهل طوائف من مجتمعنا لقيمة الأدب،و ما للخطاب الوجداني من أثر فاعل في تسير الحياة ،ونشر الوعيٓ الفكري والثقافي والاخلاقي للمجتمعات، و ضاق المجال التفكيري في هذا الخطاب عند البعض وأصبح مهمٓش،لم يعدٓله أي اهمية،واصبحت نظرة الأنسان الى هذا التطور تنحصر في اطاره المادي،دون الإهتمام بقيمة الأدب ودوره الكبير في تهذيب الطٓباع وتقويم الخلق وإزالة ما يعتري النفوس من قلق وما قد ينطوي عليه بعضنا من ضغائن وأغوال وأحقاد، وذلك بما يسنٓه هذا الأدب عبر فنونه المختلفة من مناهج واضحة وما يرسمه من غايات نبيلة،ويجسده من ومبادئ ومثل سامية،وما يسوقه من عبرٓ وحِكم بليغة،و يصوره من أطياف واحلام جميلة،وما يبعثه في النفوس من آمان وآمال مشرقة،تفتح للساري طريق الحياة.
وإنٓ الجهل بأهمية الأدب ،وتجاهل دوره لايبعد أن يعتبر دليلا عن قصور الإدراك أوضيق الأفق المعرفي ومحدودية الوعي الثقافي لدينا.لأن الأدب جزء مهم من نتاج الفكر البشري وروحه ووجدانه،وهو مرآة صادقة لحياة الإنسان بكل ما يرتبط بهذه الحياة من مثل وقيم ومبادئ وافكار وتجارب،او عادات وتقاليد.ولا غنى لأي فرد ينشد الإنسجام مع نفسه ومع من يواصل معهم مسيرة الحياة من أن ينظر عن كثب في هذه المرآة ليطل من خلالها على ما يربطه بجذوره وأصوله الكريمة ويحدد دوره ومستويات تعاملاته مع الآخرين.
ومهما بلغ شأو هذا الفرد في الاطلاع على أوجه الحياة المادية وآليتها وتقنياتها،فلا غنى له عن معرفة أبعادها الروحية والمعنوية المتمثلة في الأدب ودوره الكبير.لأن معرفة هذه الأبعاد،هي التي تحفظ لأوجه أخرى توازنها واستقرارها ،اذ لا صلاح للمادة إلا بصلاح الجوهر…ولاصلاح للعقل إلا بصلاح الروح،وإضافة إلى ما للتراث الأدبي من دور كبير في علاج المشاكل المتعلقة بالفكر ونزواته بالسلوك الاجتماعي وتفاعلاته.فهو له دور فعٓال في تحسين اوضاع النفس البشرية ومعالجة صراعاتها وعقدها وإضطراباتها ،وفي ترشيد المواقف الشعورية للافراد والجماعات،وتهذيب الذائقة
الإنسانية التي لها صلتها الوثيقة بسلوكيات المجتمع وتصرفاته .وبناء العلاقات بين أفراده.
وامام اجتياح القيم المادية التي طغت في نظام الحياة الجديدة.فَقَدَ الأنسان إنسانيته وروحانيته وأصالته في خضم هذا التصحٓر فأصابته بجفاف الروح وإضطرابها.إذ أن القصور في إدراك مكانة وقيمة الأدب وضعف الاقبال على نتاجات المبدعين من ادباء الأمة وشعراءها.وهجر الكتاب الذي كان خير جليس وتهميشه.والإنسياق مع تيارات العولمة،والاسراف في استخدام المحتوي الرقمي خلف تباعد وجفاءبين الانسان والتراث الادبي، كما خلف اثار سلبية خطيرة وعديدة.وقد اثبت دراسات حديثة ان مخض وجود جهاز رقمي( كالهواتف الذكية)يمكنه الإستحواذ على العقول وتفكيرها وتعطيل الوظيفة الإدراكية.علاوة على التأثيرات النفسية والإجتماعية.
في هذاالجو المفعم بالتكنولوجيا لم يعد للكلمة والكتابة دور يذكر.فلغة الإنترنت والرسائل الألكترونية انهت الكتابة وقواعدها،وفرضت أبجدية هجينة مكوٓنة من أحرف وأرقام.وشبكات الأتصال(فيسبوك،تويتر،انستغرام)
انهت دور الأدب والكتابة كفنٓ،الا عند قلٓة وهمشت قيمته.
وكل هذا العزوف والتقصير في الاهتمام بقيمة الادب ومكانته في حياتنا ،لا ينسجم في الواقع مع الطبيعة العربية في تكوينها الوجداني الفكري ولا سننها الحضارية الموروثة…وهنا وجب أن نعي وندرك مدى قيمة الادب ودوره في حياتنا.وندرك أيضا ان الأمة إذا ما حرمت من الإطلاع على ما ورثته من آداب وفنون وثقافات،قطعت سياق تقاليدها القومية وروابطها الحضارية،وفقدت خصائصها ،وأصبحت مسلوبة الارادة سهل إنقيادها بعد ذلك الى التبعية الفكرية.وتجف لديها الينابيع التي تروي إحساسها وتغذي مشاعرها.فلا تبرح اجزاءها حينئذ حتى تتفكك ثم تتباعد…ويضعف لديهم الدافع القومي الذي عَلَ لَمٓ شمٓلهم وتوحيد كلمتهم .وايضا سيتراجع لديهم الوازع الديني ،لأن الأدب العربي يرتبط بالإسلام.وهنا حتما تضيع الهويةوتغترب كما هوالحال في الأمة العربية في واقعها الراهن.
ولا يستبعد أن يكون من أسباب هذا الجفاء وهذا التصحر الوجداني السائد بين العرب في واقعهم الراهن،بعدهم عن تراثهم الأدبي الأصيل وهجر الكتاب والقراءة والكتابة.ونحن أمة ذات تاريخ عريق ،وحضارات مزدهرة.واليوم صرنا نعجز عن بناء مستقبل لانكاد نرى أو نعرف ماذا سوف يكون .في خضم تهميش الادب وهواجس العولمة.
وامام هذا المشهد المتلبٓد نسأل الأدب عن مستقبله…!
وهل بقي للأدب مكانٌ أو دورٌ يؤدٓيه…؟
الكاتبة وديعة الخذيري