الأطفال هم الضحايا الأكثر هشاشة والأسرع سقوطاً، لأن التجارب المروّعة تدمر وجودهم الداخلي حين يسلبون الإحساس بالأمن والثقة بالنفس والإطمئنان إلى الحياة برمتها، وليس من الضروري أن يتعرض الأطفال أنفسهم للتجارب المروعة ويكفي أن يروها تصيب الآخرين. إنّ مشاهد العنف –حتى من الآخرين- لها تأثير كبير على غير محدود على طبع سلوك الأطفال بالعدوانية، والميل إلى ممارسة العنف كوسيلة للدفاع عن الذات، ولهذا وصفت الحروب والنزاعات المسلحة بأنها كوارث من فعل الإنسان، لأنها تقوض النظم القائمة، وتخلق حالات من التوتر الإجتماعي تسببه الخسائر البشرية والمادية، والنظرة السلبية إلى وقائع الأمور، والإحساس بخطر الموت أو الإعاقة، وترهق هذه العوامل كاهل الفرد وتضعف قواه في المقاومة والتأقلم معاً.
يجد الأطفال في التلفزيون مشاهد عديدة للنزاعات المسلحة التي تتسابق بعض القنوات الفضائية إلى عرضها، إذا يشاهد الأطفال أطفالاً تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة مجندين ومقاتلين في نزاعات مسلحة، على الرغم من أن ذلك محرم دولياً، إذ يبلغ عدد الأطفال المجندين في العالم اليوم مئات الألاف، ويجد الأطفال في الجو التلفزيوني الذي تشكله الفضائيات للنزاعات المسلحة أطفالاً لاجئين مع ذويهم أو آخرين افتقدوا الأهل والأرض، إذ يزيد عدد اللاجئين من الأطفال اليوم على نصف إعداد مجمل اللاجئين في العالم. ويشاهد جمهور التلفزيون من الأطفال أقراناً لهم قتلى تلقى أجسادهم في ساحات المعارك، وآخرين بترت أعضاؤهم بسبب المقذوفات، كما يشاهدون أطفالاً رسم الفقر والجوع على وجوههم وأجسادهم علامات بارزة. ويشاهد جمهور الفضائيات من الأطفال أطفالاً لا يجدون لعباً غير أن يلعبوا بالألغام التي يغرسها المتنازعون في بؤر النزاع، تلك الألغام التي سرعان ما تنفجر في وجوه اللاعبين الصغار. ويشاهد جمهور الفضائيات من الأطفال مئات المشاهد العنيفة في عالم نزاعات الكبار مثلما يشاهدون الموتى الذين تتركهم الحروب ضحايا، وقد انتفخت أجسادهم أو تقاطرت منها الدماء، مثلما يشاهدون أعمال العنف الأخرى والتعذيب والإعتقال والترحال.
وهكذا، يتعرض الأطفال إلى أعمال العنف والرعب، وربما يعود إقبالهم على هذا النوع من البرامج إلى أنهم لا يجدون فيها شيئاً من وحي حياتهم أو من تجاربهم الشخصية، إذ يبدو كل شيء فيها ممكناً، وقد يعود إلى أن بعضهم لا يفهمها فهماً جيداً، ذلك أن فهم الحوادث ومجريات الأحداث تخفف القلق والرعب بشكل كبير. ومن هنا فإن أعمال العنف في النزاعات المسلحة تنشر القلق في نفوس الأطفال وتزيد مخاوفهم.
وعلى هذا، فإن الأطفال ضحية للعنف والنزاعات المباشرة، حيث يلاقون الموت والإصابات والخوف والدمار بسبب المشاركة في النزاعات المسلحة، وهم حين يكونون جمهوراً للتلفزيون يتأثرون بما يعرض عبر شاشاته على مستوى المشاعر والتفكير والسلوك، وقد ثبت أن برامج العنف والنزاعات المسلحة من أكثر الموضوعات تأثيراً في الطفولة. وأطفال الوطن العربي يتعرضون، مثلما كثير من أطفال العالم، لتأثيرات النزاعات المسلحة بصورة مباشرة، ويتعرضون أيضاً لمشاهد الكثير من النزاعات عبر الفضائيات، ووسائل التواصل، من اليوتيوب إلى التيك توك والفيسبوك والانستاغرام والتويتر.
إنّ تكرار تعرض الأطفال لمشاهد النزاعات المسلحة يقلل، بمرور الوقت، من حدوث إكتراث الأطفال بما يحصل من أحداث واقعية في الحياة اليومية، وكثيراً ما يشاهد الأطفال أحداثاً مؤلمة، ومع هذا تكون ردود أفعالهم ضئيلة أو عابرة بوجه عام، فإن اللامبالاة العاطفية قد تقود إلى قدر من التبلد العاطفي، أو إضعاف مستوى النمو الإنفعالي للطفل مع إضعاف القدرة على التوحد في بعض المواقف، مما يعد خروجاً عما تسعى إليه التربية العاطفية.
ومن بين التأثيرات مشاهد النزاعات المسلحة في التلفزيون أن الأطفال يدخلون إلى عالم الكبار قبل الأوان، ويتعرفون إلى أساليب من طرق حياتهم لا يمكن التعرف عليها لولا التلفزيون، لذلك فإن تلك المشاهد تزيد من اقتحام الأطفال عالم الكبار، وهو عالم غريب في ثقافته عن عالم الاطفال.
الكاتب عبدالحليم حمود