” ما حال الشاب الفلسطيني العشريني من لاجئي عام 1948 ومولود في المنفى حين يتابع برنامج حواري على شاشة عربية يديره اعلامي عربي وطرفيه أحدهم يمثل فلسطين ويسكن في الضفة الغربية والأخر عربي فلسطيني يعرف نفسه على انه وزير سابق في دولة الاحتلال ويساله الاعلام العربي إذا كان يوافق على وقف المقتلة على غزة ويجيب إجابة لا تعجب الفلسطيني من الضفة الذي قبل الحوار معه حتى وهو يعاديه … ترى أي حال سيصل اليه الفلسطيني البعيد عن وطنه ومعه كل من يتقن العربية ويشاهد مثل هذا الحوار “
اخترت كلمة اغبياء بديلا لأي مصطلح آخر وصفا لمن اقصدهم، لعلم يجدون متسعا من وقت ليغادروا الغباء قبل ان تلحق بهم تهم موجعة أكثر، وأخطرها جريمة خيانة الذات في خدمة الأعداء، وقبل ان أفسر ما اقصده هنا، أرى ان من الضروري ان افصل حال الاعلام العربي من ” المقتلة الصمود “التي تجري على ارض فلسطين ولبنان، وسألجأ الى تقسيم الاعلام العربي الى فئات وهي:
الاعلام الغائب:
وهو الذي لا يأتي على ذكر ما يجري الا لماما, او في نشرات الاخبار والبرامج السياسية, ويتعامل مع الامر على انه حالة إخبارية لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد, وهذا اعلام قرر ان يلغي ذاته ويتنازل عن أي رسالة يمكن ان تكون ضرورية لوجوده, مقابل ان لا يطاله اذى الأعداء من أي جانب, او وفي بعض الأحيان ان لا يقع في المحظور الذي لا يدري من اين سيأتيه, بسبب غياب أية رؤية وطنية او قومية او اممية يعتبر نفسه جزءا منها, ولأنه لا يحمل مشروعا حقيقيا يدافع عنه او يسعى اليه, ولذا فهو يرى ان القول وعدم القول واحد, فغياب المشروع يعني بالضرورة غياب الرؤية وغياب الرؤية يعني بالضرورة غياب الرسالة, وحين يغيب كل ذلك, تصير الأصوات صامتة بالضرورة, فهي لا تملك ما تقول حتى لو ارادت, واذا ملكت مادة يمكن القول فيها كحال طوفان الأقصى ” والمقتلة الصمود “, فلا يمكنه القول لان غياب المشروع الهدف يلغي القدرة على توظيف الاحداث التي تجري من حوله, ومثل هذا لا يشكل ضررا حقيقيا ويمكن القول انه ينطبق عليه القول ” اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ” ولا يجوز لك ان تدعو للميت الا بالرحمة فالأموات لا يعودون, واذا حاولت استعادتهم فستقضي وقتك باحثا عن طريقة لتحتفظ بهم دون ان يتعفنوا, وهو امر غير ممكن وسيطالك العفن القادم منهم شئت ام ابيت فاكتفي بتركهم في مدافن ارحم لهم ول وللبيئة المحيطة.
اعلام الحرب الغبي:
وهو الاعلام الذي ينقل وقائع حرب عسكرية بين جيشين متكافئين في العدة والعتاد ويقدم المقاومة على انها جيش حقيقي يملك من القوة العسكرية ما يملكه الأعداء واكثر ويسعى للتركيز على الفعل العسكري بعيدا عن صورة البطل الصامد الذي يدافع عن شعبه ووطنه وقضيته مما يجعل المشاهد يعتقد ان القوة المتكافئة في الميدان قائمة وهو ما قد يصيبه بالإحباط بسبب الخسائر البشرية والمادية الباهظة بما لا يقارن مع قوة الأعداء وهذا الاعلام يركز من جانب اخر على حجم وهول وبشاعة المقتلة فينقل حكايات وصور الاشلاء والجرحى والنزوح والجوع بشكل أوصل المشاهد أيا كان الى اعتياد المشهد وحول الصورة الى حقيقة بتنا نتعايش مع وجودها في حياتنا وكانا قدر علينا ان نقبل به وصارت حكاية الدعم والمساندة اكبر من امنيات المشاهد والذي وجد نفسه يكتفي بالمشاهدة او التمتمة بكلمات الدعاء الجاهزة لا اكثر ولا اقل وهذا سيقود بالنتيجة الى انشغال العالم عنا وعن قضيتنا مع الوقت بل والاحساس بالتعب والتوقف عن المتابعة حتى ومن جانب الشعب الفلسطيني سيتسبب بتعميق الإحساس بالإحباط والوحدة وبالتالي استحالة تحقيق النصر ويوفر الاعتقاد لكل من يتابع ان النصر على الاعداء مستحيل ومن جانب اخر يجعل التفكير بالمتابعة والنهوض من جديد مرهونا بالإحباط وهذا النوع من الاعلام حتى لو كانت نواياه طيبة
اعلام خدمة الأعداء:
اعلام يقدم نفسه بصفة المحايد فينقل صورة وخبر وراي العدو مقابل المقاومة وكأننا امام رأيين مختلفين وما يجري هو اختلاف اراء وفي سبيل تكريس هذه الصورة هنا من يأتي باثنين فلسطينيين احدهما يمثل الاحتلال الاخر يمثل الشعب الفلسطيني وهو ما يجعل المراقب او المؤيد العربي تحديدا يشعر ان المشكلة في الشعب الفلسطيني وليس الاحتلال وينقل صورة المختل الذي يتحدث بالعربية وحتى قادة الاحتلال واخبارهم ومؤتمراتهم وكلماتهم كاملة مع ترجمات كاملة بالعربية وحتى وان بدا المذيع غاضبا او رافضا لما يقوله من يمثل الاحتلال الا ان الصورة التي يراها المشاهد هو صراع باللغة والأفكار لا بالدم والجوع والعطش والهدم والطرد وكل اشكال أدوات الموت ضد مدنيين أبرياء وتفسح وسائل الاعلام هذه مساحات متساوية بين العدو والمقاومة وتكرس صورة العدو الموجود على الأرض بحالة مريحة وبنبرة قوية مقابل قائد فلسطيني في الخارج او مقاتل فلسطيني بإمكانيات بسيطة وبعض هذا الاعلام يستخدم كورس من محللين وباحثين وصحفيين ينشغلون
بتكرار الكذب الذي تقدمه الالة الإعلامية للأعداء ليصبح وكانه حقيقة واقعة فتختزل كل المقتلة والجريمة بشخص نتنياهو الفاسد الذي يقيم الحرب على الشعب الفلسطيني والمنطقة دون ان يردع احد والحكاية فقط لأنه يريد البقاء في الحكم والافلات من عقاب القضاء وهو ما يعني أولا اننا امام عدو قوي ديمقراطي ذو مؤسسات حقيقية يعاقب الجميع أيا كانت مواقعهم وثانيا ان المقتلة برمتها سببها وصاحبها شخص واحد لأهداف ذاتية واذا ذهب انتهت الأمور برمتها وذهبت معه كل الجريمة بكل أركانها ومسئولياتها
اعلام الأعداء المنقول:
مجموعات ومواقع وقنوات وصحف تفرد صفحات ومساحات بل وحتى كل ما لديها فقط للترجمة عن الاعلام العبري او نقل ما يقول دون ان يون لنا او لصوتنا او لإعلامنا القدرة على الوصول الى وعي الأعداء لا منقولين لا مترجمين وهو ما يوفر التأثير الذي يريده الأعداء مع الوقت على تفكيرنا وحتى على قراراتنا وفي حين تنشغل اعلامنا هذا بنقل اعلام العدو الى كل الناس ينشغل الاعلام العبير بنقل ما نكتب نقول ونفكر الى النخبة فقط وأصحاب القرار ليساعدهم في اتخاذ قراراتهم وهو ما يعني منع صوتنا من التأثير على جمهورهم واغراق جمهورنا بإعلامهم ومنحه القدرة على التأثير علينا وعلى وعي جماهيرنا واجيالنا.
اعلام المقاومة: ليسمن شك ان مثل هذا الاعلام يصب في دائرة الروح المعنوية وهو يقوم بمهمته على اكمل وجه مع انه أحيانا ينساق مع موجة نقل اعلام العدو للعامة ومنع ظهور الصوت المقاوم الناقد بمعنى ” نصيحة الحريص ” وهو ما يمكن ان يكون بمنح مساهمة للأفكار التطويرية او المساعدة في الانقال الى الامام عبر العبير عن أفكار اسناد وطوير وقراءة فاحصة للداء وموجهة له فالاكتفاء بالتهليل والتكبير وشحذ الهمم وحدها مع عظيم اهميها الا ان الامر يحاج للسؤال واجابته خدمة للمقاومة وتطورها وتأكيد قدرها على خلق وابتكار الأفكار والسائل الضرورية في كل خطوة تتقدم بها الى الامام او تعود الى الوراء فالراي الفاحص الناصح ضروري مثل الراي المؤيد واكثر شريطة ان لا يكون جزءا من عملية الإحباط والتياييس التي تقودها جوقة الاغبياء او خدم الأعداء فان يستخدم اعلام المقاومة نفس الأدوات التي تستخدمها وسائل اعلام الاغبياء يعني الاضرار كليا بالهدف فحين أرى شخص او صورة او كلمة على محطة مقاومة واراها على محطة او وسيلة اعلام خادمة للأعداء ستختلط الأمور على المشاهد البسيط ويجد نفسه يوحد بين الجهتين وبالتالي لن يصبح بمقدور المشاهد البسيط التفريق بين الغث والسمين ويقع فريسة القدرات الأكثر والانتشار الأكبر والذي يملك ديمومة عمل ومواصلة لا تملكها وسائل اعلام المقاومة كالأقصى وفلسطين اليوم والقدس اليوم والمنار والميادين التي تقصف وتغلق وتمنع من العمل وتجد نفسها مضطرة أحيانا للتوقف او الانتقال من مكان الى مكان فتغيب بناسها وادواتها أحيانا.
الاعلام الغائب:
قد لا تكون هناك وسيلة اعلام عبرية الا ولها منصة باللغة العربية عدا عن اعلام الاحتلال الناطق بالعربية أصلا وهو اعلام موجه للفلسطينيين والعرب بشكل مدروس وواعي هذا الى جانب العرب المنشغلين بالترجمة والنقل عنهم طوال الوقت بينما لا توجد وسيلة اعلام عربية واحدة تنطق بالعبرية وموجهة لجمهور المحتلين ابدا ومع هذا نتحدث عن ان لدينا اعلام فاعل وهو اعلام يخاطب نفسه او يتشاتم على قاعدة الراي والراي الاخر لا اكثر ولا اقل والغائب الاخر هو الاعلام النقدي الصادق الذي ينقل الأسئلة ويقبلها ويسعى بحثا عن إجابات حقيقية وواضحة ومجدية.
الاعلام المتوازن:
وهو الاعلام النادر ويترز هذا الاعلام في بعض الدول العربية التي تعطي فسحة من حرية او تمنح تراخيصا للإعلام الخاص وهو اعلام يحاول ان يغطي نقس الاعلام الرسمي بهذه الدول وتغض الجهات الرسمية اعينها عنه فيقوم بعمل واضح مهني منتمي باحثا عن إجابات واقعية وحقيقية وهو ما ينبغي تطويره والدفع به الى الامام وصولا الى اعلام أكثر مسئولية حاملا للمسئولية مدركا لدوره وضرورته لغد أفضل.
ان تمترس المنابر الإعلامية عند اجنداتها وخصوصا تلك التي لا تملك مشروعا حقيقيا تقدمه لجمهورها سوف تجد نفسها على المدى البعيد وقد باتت جزءا من منظومة معادية تعمل بخدمتها بدراية او بدون دراية وسوف تصل مرحلة تصبح عندها مضرة لقضاياها في بلادها هي قبل غيرها وستون أداة هدم وتدمير لذاتها وحاضنتها بدراية او بدون دراية وسيكون أصحابها هم الخاسرين الأوائل قبل اية جهة استهدفت لتخسر ولن يكونوا ابدا مع الرابحين اكانت المقاومة من ربحت او الأعداء فالشعوب بالمحصلة النهائية لا تعرف الهزيمة حتى وان تعثرت هنا او هناك فالنصر ابدا حليف الشعوب الحية.
الأديب عدنان الصباح