الاحزاب السياسية في العالم العربي( مخاض التنمية والسلام نموذجا ) للكاتب عبد السلام اضريف

المخاض في اللغة هو وجع الولادة ،وهو سلسلة من التقلُّصات النَّظميَّة المُتدرِّجة للرحم والتي تُحَرِّك الجنين بشكلٍ تدريجي عبر الجزء السفلي من الرحم (عنق الرحم) وقناة الولادة (المهبل) إلى العالم الخارجي.

، ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) سورة مريم الاية : 23 .
قد يتساءل البعض عن العلاقة بين المخاض الذي يرتبط بعملية الولادة عند الأنثى عموما وتدبير الشأن الترابي ( وطنيا كان أم محليا ) ، وعليه ساعالج هذا الموضوع وفق مقاربة تحليلية مرتكزا في ذلك على تجربة ميدانية ، وعلمية اكاديمية فأقول:

اذا عجزت الديمقراطية التمثيلية عن أداء دورها ، والالتزام بمسؤولياتها كما ينبغي أن يكون ، باعتبارها المُعَبر الحقيقي عن هموم الشعب ، وكذا تطلعاته التي ما فَتِءَت في تزايد مستمر يوما عن اخر ، فهذا يعد اخلالا بالتزام .

واذا كانت مجموعة من الهييات الدستورية تسير وِفق منحى سير الديمقراطية التمثيلية ،من أحزاب سياسية ، ومركزيات نقابية، وقيادات أضحت في وضعية ( القوة الميتة ) Poids mord ، وذلك اما لعجز في هياكلها ومنظوماتها، وقياداتها التي اصابها الخرف الفكري ، فضلا عن افتقادها للارادة في القيام بمسؤولياتها الملقاة على عاتقها ، وهي بذلك تكون قد خدعت الشعب .

فهذا يعتبر خدلانا مبينا لعقد تم سابقا .

وفي نفس السياق فإن هناك مشكلات أخرى تتعرض لها هذه الأحزاب، وهذه الهييات منها عدم الاستفادة من اخطاء الماضي ، بل أكثر من ذلك غياب إدراك كُنْهُ هذه الأخطاء ، وفهمها ، فضلا عن غياب الوعي السياسي لدى شخصيات كبيرة من هذه الأحزاب ، وكذا السعي نحو ذلك الفهم ، ناهيك عن عدم تبني خطاب سياسي جديد، والاستمرار بالتفاخر بنجاحات الماضي اِن وُجدت ، واجترارها على الرغم من التطورات ،والمستجدات الحاصلة في المحال ، الأمر الذي ترتب عنه نوع من المَلل عند ( مناضلي) هذه الأحزاب ، والاخطر من ذلك سلوك أسلوب السياسة المخادعة ، وعدم الالتفات المطلق لمتطلبات المجتمع والمواطنين!

فالمواطن العربي ما يزال ينتظر مخاض الديمقراطية من اجل ولادة تنمية تخدم مصالحه ، باعتبارها العنصر ألاساس للاستقرار والتطور الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، هذا فضلا عن كونها حقًا من حقوق الإنسان التي يجب أن يتمتّع بها كل الناس، سواء بصفة فردية أو جماعية ، والإنسان هو الموضوع الرئيس للتنمية، والمشارك النشط فيها والمستفيد منها .

في العقود الأخيرة أضحت الديمقراطية التمثيلية في العالم العربي صورية لا اقل ولا أكثر ، وهذا الوضع تمخض عنه شعور سلبي اتجاه هذه المؤسسات ، وانعكس ذلك في الارتباك والجفاء الذي اصاب المواطن العربي الذي تولدت لذيه قناعات من خلالها ما فتي يحتقر الخطب الجوفاء ، والتقاليد اليعقوبية ، فضلا عن العزوف في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية .

لقد اتبتث التجارب بعد الغوص في سراديب ماضي الديمقراطية التمثيلية بالعالم العربي وإلى حدود طوفان احدات الربيع العربي التي عرفها هذا العالم سنة 2011 ، وما بعدها ، وبعد قراءتها قراءة عمودية وافقية ، تبث بما لا يدع مجالا للشك ان الأمر يقتضي اِعادة النظر في منظومة هيكلة وادوار الاحزاب السياسية داخل كل الدول العربية ، ووفق مستجدات التحولات الكبرى العالمية على مستوى حقوق الإنسان ، الحوكمة الترابية ، التغيرات الاقتصادية ، المساءلة السياسية ، الشفافية ، واخيرا المحاسبة ، فدور الأحزاب السياسية باعتبارها كهييات للتمثيل الشعبي مسؤولة وبشكل اساس في التعبير عن المطالب الاجتماعية للسكان ، وتحقيق ما هم في حاجة اليه من خدمات ،ومرافق اجتماعية ، كما انها مسؤولة وبشكل ادبي عن ترشيح – لتدبير الشان العام الترابي – عناصر هدفها الاسمى خدمة الشعب ، وتنزيل مقتضيات الدستور ، والقوانين عادية كانت ام تنظيمية ، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يتنافى والأخلاق العامة ، والمروءة .

اِن صناعة القرار الترابي كدعامة قوية للديمقراطية التمثيلية تقتضي ممثلين استراتيجيين يتميزون بالحكمة ، وبُعد النظر ، فضلا عن التصور المستقبلي لما ينبغي أن يكون عليه المجال الترابي ، ان كل اِخلال بهذا المعطى ، والانحراف عن هذا الخط التحريري ، يترتب معه اعادة النظر في هيكلة “سوق” الترشيحات لتولي ادوار تدبير الشأن العام الترابي الوطني أو المحلي ، والبحث عمن لذيهم الشعور والقدرة على تحمل مسؤولية المخاض بهدف ولادة تنمية لفايدة السكان الذين وضعوا ثقتهم فيهم من اجل تمثيلهم تمثيلا يليق بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم مستندين في تحمل تلك المسؤولية على المقتضيات الدستورية ،والقانونية .

ف ” مريم ” عليها السلام لما جاءها المخاض جاءت إلى جدع النخلة لتستند عليها في إتمام عملية الولادة ، وهنا فالديمقراطية مطالبة بالرجوع كل حين إلى النص الدستوري باعتباره اسمى قانون ، وإلى النصوص القانونية ( تنظيمية كانت ام عادية ) بهدف مد الأوضاع السياسية الاستمرارية في الحياة ،واِنجاب مولود تَوْاَم هما : التنمية والسلام

فالمجتمعات العربية في حاجة إلى مشروع سياسي له مصداقية ، بعيدا عن الشعارات الجوفاء الطوباوية التي لاحظ لها في التنزيل على أرض الواقع ، اعتبارا لكونها تمثل ماض يعقوبي، لا يساير الاحداث المتجددة ، ولا عصر الرقمنة .

فالأحزاب السياسية لها دور اساس في العملية الديمقراطية ، وفي اللامركزية ، من اجل رؤية مستقبلية واعية ، وبناء نخبة تعمل بجد ، وتمتلك تصور ا حقيقيا لا صوريا، فضلا عن مشاريع تنموية يمكنها قيادة الشأن الترابي ، وصناعة القرار المحلي متجاوزة في ذلك الشعارات والخرافات الكاذبة ، مع تبني نوايا غير زايفة وحماسة تخدم هذا العالم العربي ، وأظن أن هذا الأمل ليس بعزيز اذا توفرت الارادة الفعلية الصادقة ، في ضل إرادة السلطات العليا لمل بلد عربي .

اِن الأحزاب السياسية والقيادات الكاريزمية ليست سلعا جاهزة يتم استيرادها من اسواق عوالم اجنبية ، أو من أسواق سوداء، او انها عبارة عن وصفات جاهزة يتم استعمالها كلما اقتضت الظروف ذلك ، بل هي نتاج عمل نضالي مضن ، وغيرة وطنية هدفها خدمة الشان العام ، مع اخلاص للمبادىء الحزبية التي تصب حتما في المصلحة الوطنية العليا لهذه البلدان .

.
اِن إخفاق السلام والتنمية في عالمنا العربي ، وتفشي التخلف يعود إلى فشل في قواعد بناء منظومة حزبية قادرة على تدبير و قيادة عملية التنمية بكفاءة .

الكاتب عبدالسلام اضريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *