الاغتيالات مسكنات لآلام الموت في إسرائيل، أمنيات وأحلام توراتية، وللبنادق أرواح


كم تبدو إسرائيل بحاجة الى مسكنات وجرعات أمل، ومهدئات، وهي حاولت ان تقول لنفسها في اغتيال الش هيد العاروري انها بخير، وانها طردت بالتعاويذ الأرواح الشريرة، ولكن المرض مستقر في عظامها ودمها المسموم، وليس هناك من أرواح شريرة تسبب الامراض وآلام الموت، ولن تنفعها تعويذات الاغتيالات، بل تحتاج أن تنتحر لتتخلص من آلام النهاية ..

لا تقدر إسرائيل ان تفهم ولن تفهم، فعقلها ليس عقلا يفكر الا بطريقة الواهم، وهذه نتيجة طبيعية لمن يظن ان الله غير متوازن.. خلق الشعوب ولكنه ظلمها بخلقه لها وتخلى عنها وفضلهم على كل الشعوب وكأنه اله مزاجي، لا يفهم ولا يكترث بما خلق، وانه مثل البشر، يهوى ويكره، ويبيع عقارات ويهدي عقارات لبني إسرائيل وحدهم، ولذلك فان هذا العقل لا يقدر ان يقرأ التاريخ ولا يعرف معنى كلمة تاريخ، ولا تقدر أنت ان تحاضر في هذا العقل او تقدم نصيحة له لأنه عقل مثقوب مثل السلة بالأوهام والخرافات، تسكب فيه النصائح والمنطق ولكن لا يبقى منها قطرة واحدة الا وتمر عبر الخرافات والاهواء البشرية، ولا تقدر ان تقنعه انه ضد التاريخ وضد الجغرافيا وضد المنطق، وانت تضيع وقتك اذا ما فكرت في محاورته، او انه يمكن ان يقبل بالسلام، وانه سيمشي في السلام، والغريب ان الإسرائيلي يرى كل التاريخ … ويعرف انه تعرض للخراب مرتين وأنه هذه المرة قائم لان اوروبة ترعاه، ومهما أعدنا له درس الصليبيين وأنه يجب ان يعلم ان اوروبة لاتقدر ان تبقى معه الى الابد، وعندما تحكي له عن تجربة فرنسا في الجزائر وابادتها لمليون ونصف جزائري وخروجها منها بعد كل المجازر … وتجربة جنوب افريقيا وانهيارها، وتذكره انه هرب بنفسه في جنوب لبنان، ويتذكر انه كان في غزة يوما، ولكن كل هذا لن ينفع لأنك لاتناقش عقلا بل صنما، او شخصا مختلا عقليا، وكما نقول فالج لاتعالج، العقل المثقوب لايحتفظ بقطرة ماء من ماء المنطق، ويبقى جافا ..

ولذلك لا فائدة من أن تنتظر منه ان يفكر، ولا ان يتعلم ان الاغتيالات هي مسكنات مؤقتة وأنها لا تغير من مسار الصراعات فالصراعات مثل المحيطات المالحة لا تقدر ان تجعلها حلوة المذاق بإضافة ملعقة من السكر اليها، فهو عقل غرائزي، وصعب ان تقنعه ان الاغتيالات لا يمكن ان تحبط الناس الا ليوم او يومين، ولكن كل ثورات الدنيا تنتصر، وأن الاغتيالات لم تغير مسار شعب، وانه لن يكون افضل حالا من نموذج الجزائر او جنوب افريقيا او فيتنام، وهذه هي محنة العقل الصهيوني فهو يريد ان يرى ما يحب ويتمنى، فهو رأى انه مكروه أينما حل ولكنه لا يعرف لماذا هو مكروه ومنبوذ أينما حل دون غيره من البشر الا لأنه الأفضل وانه شعب مختار، ويظن انها العنصرية هي التي تلاحقه ولا يرى انها عنصريته هو ولاعقلانيته هو ..

ولذلك فان الاغتيالات هي سياسة غبية جدا، وقد جربتها إسرائيل منذ ولادتها، ولكنها كانت مسكنات ليوم او يومين، لأن ألم الاحتلال وألم العبودية أقوى من ألم الفقد، وألم فقدان الوجود وفقدان الأرض والشجر وقبور الأجداد أقوى من ألم رحيل الأشخاص، بل على العكس فان الآلام هي التي تقوي الأرواح ..

في كل مرة تقدم فيها إسرائيل على اغتيال شخصية مقاومة فإنها تحب ان تظهر الاغتيال على انه عمل فذ وعبقرية استخباراتية وأن لإسرائيل اليد الطولى في ملاحقة أعدائها، ويتساءل المرء عقب كل اغتيال عن سبب هذه السهولة في الاغتيال، ويصدق البعض هذا الوهم، ولكن النظرة المتفحصة تنبئنا أن اسرائيل لاتقدر على تنفيذ اي اغتيال دون مساندة كل أجهزة الاستخباارت التي تشاركها احتلالها، وسط انتشار غير مسبوق للخونة في العالم افقيا وعموديا، وهو عصر الخونة والعملاء لا يتفوق عليه أي عصر، وسوق الخونة مشبع لمن أراد أن يشتري بأبخس الاثمان ..

إسرائيل لا ينقصها الخونة، هناك عملاء تعمل معها بجد وإخلاص، مثل كل المعارضات العربية المصنوعة حيث انها بيئات ممتازة للتجنيد، مثل كل منتجات الربيع العربي، لأن المعارضين المصنوعون يبيعون اوطانهم او يبيعون انفسهم، بسبب ضيق افقهم ولا يعرفون الفرق بين الوطن والسلطة …

إسرائيل التي هي ذراع غربي في الشرق لم تقدر ان تنهض الا على أذرع خائنة ..

اغتيال العاروري وكل من سبقه لن يجعل أرض فلسطين أرضا يهودية، ولن يغير من مسار التاريخ، ولن تقدر هذه العمليات القذرة ان تغير في مذاق الملح الاجاج في فم إسرائيل وهي تريد ان تشرب الماء العذب في بحر فلسطين، ولن يتذوق الإسرائيلي ماء عذبا في فلسطين ..

العاروري استشهد كما قال ذلك الفلسطيني الشاب بشجاعة لا نظير لها وهو ينهض من تحت الأنقاض: امي استشهدت ربنا يرحمها، ولكن هذه غزة الابطال ..


إسرائيل تحلم وتتمنى انها في كل اغتيال انها أغلقت الطريق نحو تحرير فلسطين، وهي تعلم انها تضحك على نفسها، وتعلم ان هناك من سيتابع الرحلة، وان هناك من سيأخذ بندقية العاروي التي سقطت من يده، وأن البنادق تلد البنادق وأن الرصاص ينبت مثل السنابل في هذا الشرق، وأن في رحم الرصاص أرحاما لولادة الرصاص ..

ان كان هناك من يستحق التعزية اليوم فإنها بندقية صالح العاروري، التي ستكمل المشوار من غير صاحبها، ولكنها ستصل ..

بندقية العاروري تتابع الرحلة نحو الهدف من غير حاملها، على كتف أخرى، فللبنادق أرواح لا تموت، ولن تنزل البنادق حتى تزول هذه الاسرائيل من الوجود، من النهر الى البحر ..(نارام).

نضال أبوناعسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *