البعد الدلالي والرمزي في قصة “أنشطة موازية”للقاص المغربي حسن برطال قراءة للكاتب سعيد محتال

أنشطة موازية
قصة قصيرة جدا

التلاميذ يرممون (باب)القسم بقطع من خشب السبورة..
ويكتبون على(الحائط)..المدير يكتب في التقرير ما يلي:
حضرتُ درسا نموذجيا حول(باب )المغاربة و(حائط )والمبكى
حسن برطال
المغرب

يمكن اعتبار القصة القصيرة كمرآة للمجتمع، تعكس الواقع الاجتماعي، وتساعدنا على فهم أنفسنا ومجتمعنا بشكل أفضل.
وقد تميزت هذه القصة القصيرة رغم ذلك بقدرتها على تجسيد العديد من القضايا السياسية المعاصرة بفضل رمزيتها القوية وسردها البسيط والمؤثر.
تحمل في طياتها العديد من المعاني والدلالات التي يمكن ربطها بالأحداث السياسية المعاصرة. فهي تعكس صراعًا أزليًا بين السلطة والشعب، وبين الرغبة في التغيير والمحافظة على الوضع القائم.

أولا:الشخصيات؛

  • التلاميذ: الفاعلون الرئيسيون، يمثلون الشباب والطموح، ورغبتهم في التغيير والتعبير عن الذات، في بيئة يرونها مقيدة.
    يمكن تفسير هذا السلوك على أنه تمرد طبيعي ضد السلطة والتوق إلى الحرية.
    وقد يعكس تصرفهم شعورًا عميقًا بالإحباط من النظام التعليمي السائد، الذي يركز على الحفظ والتلقين بدلاً من الإبداع والتفكير النقدي.
    أما العمل الجماعي في ترميم الباب والكتابة على الحائط تبرز مدى امتداد فعل الرغبة والفعل لدى كافة التلاميذ، مما يشعرهن بالقوة والدعم في مواجهة السلطة.
  • المدير: يمثل السلطة التقليدية ، شخصية تهتم بالشكل على حساب المضمون.
    أما الباب والحائط فيمكن اعتبارهما دلالات رمزية تعكس حالة المؤسسة التعليمية.
    قد يدل تصرف المدير على خوفه من فقدان السيطرة وتحدي سلطة المؤسسة.
    فهو حريص على النظام والحفاظ عليه، حتى لو كان ذلك على حساب الإبداع والتعبير عن الذات.
    وتقرير المدير ما هو إلا آلية دفاعية لحماية صورته الذاتية والتقليل من أهمية أفعال التلاميذ، وطمس معالم التخريب والتدمر.

ثانيا: الزمان والمكان؛

  • الزمان: غير محدد، لكنه يشير إلى زمن حاضر يعاني من مشاكل في النظام التعليمي.
  • المكان: المدرسة أو المؤسسة التعليمية، تمثل فضاء مقيدًا ومحكومًا بقواعد صارمة.

ثالثا: الأحداث؛

  • ترميم الباب: فعل مادي يعكس رغبة التلاميذ في الإصلاح والتغيير.
  • الكتابة على الحائط: فعل رمزي للتعبير عن الذات ومخالفة القواعد.
  • تقرير المدير: يمثل رد فعل السلطة على أفعال التلاميذ.

رابعا: السرد؛

  • الراوي: غائب، مما يترك للقارئ حرية تفسير الأحداث.
  • اللغة: واقعية ومباشرة، تستخدم لوصف الأفعال والأحداث بشكل واقعي.
  • التحليل السيميائي للقصة:

القصة تحمل دلالات عميقة، ترصد تناقضات ساخرة:

  • الباب كرمز للحدود والمعرفة:
  • ترميم الباب يدل على محاولة إصلاح ما تهدم من معرفة أو فُقد من قيم، لكن باستخدام أدوات بدائية (قطع أجزاء من السبورة).
  • باب المغاربة: يرمز إلى المعرفة التاريخية والثقافية الغنية، والتي يتم تدريسها بطريقة تقليدية (درس نموذجي)، بعيدًا عن التجربة الحية والمعاصرة.
  • الحائط كرمز للتعبير والحدود:
  • الكتابة على الحائط: تعبير عفوي عن الذات والتوق إلى التغيير، لكنه يعتبر مخالفة للقواعد.
  • حائط المبكى: يرمز إلى الحزن والتاريخ المعقد.
  • المدير والتقرير:
  • التقرير: يؤكد على الشكل الرسمي والمعايير المقبولة، لكنه يغفل المضمون الحقيقي لما يحدث في الواقع.
  • التناقض: بين ما يحدث فعليًا (تدمير وكتابة على الجدران) وبين ما يرد في التقرير.
  • الدلالات الكلية للقصة:
  • نقد النظام التعليمي: الذي يركز على الشكل والمظهر، ويهمش الإبداع والتعبير الحر.
  • سخرية من اللغة الرسمية: التي تحاول تجميل الواقع وتخفيه.
  • تسليط الضوء على فجوة بين النظرية والتطبيق: بين المعرفة النظرية والحياة اليومية.
    الأسئلة التي تطرحها القصة:
  • هل التعليم قادر على تغيير الواقع؟
  • ما هي أهمية التعبير الحر في العملية التعليمية؟
  • كيف يمكننا تحقيق توازن بين النظام والقيم؟
    بشكل عام، القصة القصيرة هي دعوة إلى إعادة التفكير في طرقنا التعليمية، وإلى البحث عن طرق أكثر فعالية لربط المعرفة بالحياة اليومية.
    كما أنها تسخر من الواقع السياسي الذي ركز اهتمامه فقط حول التسليم بالواقع كما هو وتهميش الاصوات المنادية للتغيير والإصلاح ..
  • الدلالات النفسية الكلية:
  • صراع الأجيال: يعكس الصراع بين التلاميذ والمدير صراعًا أوسع بين الأجيال، حيث يسعى الشباب إلى التغيير والتجديد بينما تحاول السلطة الحفاظ على الوضع القائم.
  • رغبة في الاعتراف: يشير سلوك التلاميذ إلى رغبتهم الملحة في الحصول على الاعتراف والتقدير من قبل الآخرين.
  • الخوف من المجهول: قد يدل تصرف المدير على خوفه من المجهول والتغيير، وهو ما يدفعه إلى التمسك بالروتين والقواعد.
    باختصار، القصة تكشف عن صراعات نفسية عميقة بين الشخصيات، وتعكس رغبة الإنسان في التعبير عن ذاته والتغلب على القيود المفروضة عليه.

البعد السياسي الخفي:

يمكن التنبه إليه من خلال الرمزية السياسية لبعد رموز القصة القصيرة :
1- الباب: يرمز إلى الهوية، الانتماء، والحدود. ترميم الباب بقطع من السبورة (أداة التعليم) يشير إلى محاولة التلاميذ إعادة بناء هويتهم بطريقتهم الخاصة، بعيداً عن النمط التقليدي.
2- الحائط: يرمز إلى الصمت، القمع، والحدود. الكتابة على الحائط تعبر عن الرغبة في التعبير عن الذات، وكسر حاجز الصمت المفروض.
3- المدير: يمثل النظام القائم، الذي يحاول تفسير كل شيء وفقاً لأجندته الخاصة. تحويل واقعة التخريب إلى “درس نموذجي” هو محاولة لتشويه حقيقة ما حدث، وتوجيه الانتقاد إلى الشعب بدلاً من النظام.

النقد الاجتماعي:


1- الإهمال: حالة الباب والحائط تعكس الإهمال الذي يعانيه النظام التعليمي، وعدم توفير البيئة الملائمة للتعلم.
2- القمع: رد فعل المدير يبرز طبيعة النظام القمعية التي تحاول خنق أي صوت معارض أو مختلف.
3- الفجوة: تبرز القصة الفجوة الكبيرة بين النظام والشعب، حيث يفسر كل طرف الواقع بطريقته الخاصة.

ربط القصة بالواقع:


يمكن ربط هذه القصة القصيرة بالعديد من الأحداث التاريخية والسياسية، حيث يتم تحويل الأفعال التعبيرية عن المعاناة أو المطالب المشروعة إلى جرائم، ويتم تفسيرها بشكل خاطئ لتبرير القمع والاضطهاد.

خلاصة:


تحت ستار قصة بسيطة عن تلاميذ ومدير، تكمن رسالة عميقة حول الصراع بين السلطة والشعب، وكيف يتم تحريف الحقائق لتبرير القمع والظلم. قصة تدعونا إلى التفكير النقدي، والبحث وراء المعاني الخفية للأحداث، وعدم الاكتفاء بالتفسيرات الرسمية.
ويبقى العنوان الذي اختاره القاص “أنشطة موازية” عنوانا مفتوحا، يمكن تفسيره وتطبيقه في العديد من السياقات. لكنه في نهاية المطاف يعكس فكرة التنوع والتكامل والتوازن، ويحمل في طياته إيحاءات إيجابية حول أهمية الإصلاح.


الكاتب سعيد محتال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *