التوزيع الشعري من المفردة الى اللاشيء الى السياق للكاتب حيدر الأديب

كيف يفخخ الشاعر كلماته ويسميها هدايا / جواد الشلال انت متهم بالجمال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في مختبره الشعري يشاكسنا جواد الشلال في اكتشافاته الشعرية أو ما يدلك عليه من نباته الشعري أو ما يهبك جملة خام ويترك ظله فيها لتكون شاعرها انت أو ضحيتها

هذه التنقلات من شعرية الحالة الى شعرية الموقف الى شعرية الرؤية الى شعرية المفاتيح الى شعرية اللاشيء في الجملة هي تنقلات هي أشرس من نعومة السهل الممتنع لأنك تجدها من السهل المتاح لكنك تربح فيها مغانم إيجاد ذاتك فلا تخرج مهما حاولت الا بنسخة تكتبك ولا تكبتها مهما حاولت رغم انها شائعة التعاطي في تمظهراتها في كلمات أرحب نسبا في متاح الذات أكثر منها في المتاح الشعري

أن سبب هذا يعود الى التوزيع الشعري الذي يهتم بمحرك المشهد الذي يتنوع الى (المفردة) أو(اللاشيء) أو (السياق)

ان المحرك هنا هو ما يحدد ما يحتاجه المشهد من كم شعري ليظهر كتاريخ في الذات وكينونة مؤجلة في وعود اللغة وهذا ما يفسر حاجتنا لقول الشعر فالشعر غير مطلوب لذاته انما هو الصيغة الفريدة والوحيدة لاحتجاج الوجود على الوجود وهذا الاحتجاج هو حر في طرائق المباغتة وتمثلات التواجد

ماهي شعرية اللاشيء

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

شعرية اللاشيء لا تعني غياب الشعر، بل تعني حضورًا خفيًا ومكثفًا للمعاني. هي لحظات الفجوات، الصمت، الفراغ، والتكرار، وهي التي تمنح النصوص أبعادًا جديدة غير متوقعة. اللاشيء يفسح المجال لتفاعل القارئ مع النص، ويحول الفراغ إلى مساحة لاستكشاف الوجود والذات. إنه شعرية تحتفي بالصمت مثلما تحتفي بالكلمات، وتدعو إلى التأمل في ما هو غير موجود بقدر ما تدعو إلى استكشاف الموجود.

يتجلى التوزيع الشعري في النص، من خلال المفردة، أو غيابها، أو التوتر الناتج عن المفارقة، أو حتى السياق الذي قد يكون مشبعًا بالصمت أو اللاشيء. سأحاول أن أتعمق أكثر في التحليل وألتقط مواطن الاشتغال الشعري المتوزع في النصوص:

أقف عند النقطة صفر، واحلم بما أشاء:

المقطع المتوهج هنا هو “أقف عند النقطة صفر”، لأنه يمثل لحظة البداية المطلقة التي تشعل الخيال والإمكانية.

الاشتعال الشعري هنا ليس في “النقطة صفر” فقط، بل في التوتر بين الوقوف والحلم. الوقوف عند “النقطة صفر” هو بحد ذاته تموضع في الفراغ، في اللاحتمية، في المكان الذي يحمل كل الإمكانيات. الحلم بما أشاء ينطلق من هذه الحالة الصفرية ليخلق احتمالات غير محدودة، وهذا التناقض أو التقابل هو ما يشعل النص شعريًا.

ظلام شعرك يتنبأ بشروق الشمس:

التوهج يكمن في الفعل “يتنبأ”، لأنه يعبر عن استشراف المستقبل والربط بين ظلام الشعر والشروق.

الاشتعال هنا في الفعل “يتنبأ” لكن ليس بمعناه المباشر، بل في التوتر بين الظلام والشروق. النص يحمل مفارقة تجمع بين ضدين؛ ظلام الشعر الذي عادة ما يرتبط بالغموض أو الليل، وشروق الشمس الذي يرمز للوضوح والنور. التنبؤ هنا ليس مجرد فعل معرفة مسبقة، بل هو خلق لشعرية قائمة على الانتقال من الغموض إلى الأمل، من الظلمة إلى النور، مما يمنح النص وهجًا داخليًا.

اللحظة التي عرفتك بها هي اللحظة ذاتها التي عرف آدم ربه:

المفردة المتوهجة هنا هي “اللحظة”، لأنها تعبر عن الفورية والحدث الحاسم الذي يحمل دلالة كبرى.

الاشتعال الشعري في هذا المقطع ليس في مفردة “اللحظة” وحدها، بل في الثنائية المقدسة/العادية. المقارنة بين “معرفتك” و”معرفة آدم لربه” تخلق اشتعالًا شعريًا يتجاوز العلاقة الشخصية بين المتكلم والمخاطب، إلى علاقة كونية، مقدسة. اللحظة هنا ليست مجرد لحظة زمنية بل نقطة تحوّل وجوديّ بين الأرضي والسماوي، بين الحسيّ والروحيّ، وهي ما يضفي على النص توهجه.

أتعرفين ما القسوة؟ أن أشرب قهوتي بدونك:

المفردة المتوهجة هي “القسوة”، لأنها تحدد الإحساس المؤلم بالفقدان والبعد.

الاشتعال هنا يكمن في الجمع بين البسيط (شرب القهوة) والمفجع (القسوة). النص يبني قسوته على اللاشيء، على فعل يومي عادي لا يحمل في ذاته أي معنى مؤلم، لكن غياب الآخر يجعل من القهوة اليومية فعلًا مشبعًا بالقسوة. هنا نرى الشعرية تتفجر من خلال تقابل البسيط والعميق، العادي والمفجع.

أزرع الليل ذهاباً وإياباً حتى يستيقظ الألم:

في هذا المقطع لا يوجد توهج واضح، ربما يكون الغموض والتكرار هو ما يميز النص، لكنه لا يعتمد على مفردة أو مقطع متوهج بوضوح. هنا ما اسميه اللاشيء والذي يعني تحييد الشاعر لذاته تاركا ظله يقودك في رسم ذاتك وفق تحركات الظل

الاشتعال هنا في غياب الفاعلية، في الصمت، في اللاشيء الذي يحدث في الليل. النص لا يوحي بوجود حدث محدد، بل بزراعة للليل، وكأن الألم مرهون بوقت أو بحركة لا تتوقف. الاشتغال الشعري في هذا المقطع ينبع من العبثية؛ الحركة المتكررة، الذهاب والإياب، والتي تنبثق منها الألم كأنه شيء كان نائمًا في الليل وينتظر اليقظة. هنا نرى الشعرية تتشكل من الفراغ نفسه.

رغبتي كبيرة بأن يصيح الكورال ميلاداً سعيداً:

في هذا المقطع أيضًا، يبدو أن النص يميل إلى البساطة ولكن الاشتعال هنا في التوتر بين الرغبة والصوت الجماعي. النص يوحي برغبة داخلية عميقة، فردية، لكنها تتمنى أن تتحقق من خلال صوت جماعي (الكورال). الاشتغال الشعري يأتي من هذا التناقض بين ما هو شخصي حميمي (الرغبة) وما هو جماعي معلن (صوت الكورال)، ويبرز من خلال الصورة التي تجمعهما.

اتركي فيروز معي؛ إن قائمة الوجع طويلة:

المقطع المتوهج هنا هو المقطع برمته، لأنه يحمل دلالة قوية من خلال ارتباط فيروز (رمز للراحة أو الحنين) بالوجع.

الاشتعال الشعري هنا في المقطع كله، لأنه يوحي بحالة من العزاء والشجن. فيروز، بصوتها وما تمثله من حنين ووجع، تصبح عنصرًا ضروريًا للبقاء في مواجهة قائمة الألم الطويلة. النص مشبع بحساسية تعتمد على الإشارة الثقافية (فيروز) وتوظيفها كوسيلة للهروب أو ربما التعايش مع الوجع. هذا يجعل النص مشحونًا بالمعاني العميقة.

الطرق التي أسلكها لا تناسب مقاس قدميّ:

هنا التوهج يكمن في “المفارقة” بين الطرق والمقاس، مما يعبر عن عدم التلاؤم بين الطريق والمتطلبات الشخصية. الاشتعال هنا في المفارقة، بين الطرق التي عادة ما تكون مفتوحة ومناسبة للجميع، وبين قدم المتكلم التي لا تناسبها هذه الطرق. هذه المفارقة تخلق اشتعالًا شعريًا يتمثل في عدم التوافق بين الذات والعالم، بين الرغبة في السير وبين عدم ملاءمة المسار، وهي تعكس حالة من الضياع أو الشعور بعدم الانتماء.

الكاتب حيدر الأديب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *