هزّت عملية طوفان الأقصى أركان الكيان المؤقت ما استدعى تدخلاً أمريكياً سريعاً وشاملاً لإبقاء القيادة الإسرائيلية قادرة على الوقوف في وجه الطوفان الكبير، فسرعان ما بدأت الوفود الأمريكية الرسمية من رأس هرم الإدارة الأمريكية “بايدن”، بالتوافد إلى الكيان في محاولات كانت واضحة أهدافها في ظل التخبط الإسرائيلي الكبير. وبدأ الدعم العسكري الأمريكي تدريجياً بالتزايد مع تطور مجريات الحرب والتصعيد الذي انتقل إلى مختلف الجبهات التي هدفت إلى إسناد جبهة غزة. لكن هذا الدعم الأمريكي الكبير أظهر النوايا الحقيقية منه، فالدعم السياسي والعسكري والاقتصادي كان في مقابلهم هيمنة أمريكية على الموقف الإسرائيلي في مختلف المحطات، لا لتعارض المصالح أو لخلاف بل هي هيمنة في سبيل تحقيق المصلحة الأمريكية العليا، والتي تتضمن المصلحة الإسرائيلية وبخطوات تراها الإدارة الأمريكية هي الأنسب لتحقيق هذه المصالح، وبالتالي أمست الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مُدارة من قبل الإدارة الأمريكية.
امريكا تغطي وتحتضن الارهاب الصهيوني :
يرتكب العدو الإسرائيلي كل يوم مجزرة في قطاع غزة، بالإضافة إلى منهج الإبادة الذي ينتهجه من خلال تدمير البنى التحتية كافة حتى أصبح القطاع منطقة غير قابلة للحياة، وللتغطية على هذه الجرائم وتحقيقاً للأهداف المشتركة في القضاء على حماس، دعمت الإدارة الأمريكية المسار السياسي والعسكري وفي الإعلام والخطابات الرسمية، التي تؤمّن سير العمل الحربي بالحرية اللازمة والمساعدة على تحقيق الأهداف الاستراتيجي، لكن الإجراء الأبرز من قبل الإدارة العمليات التي قامت بها في كل من العراق واليمن وسوريا في محاولة منها لردع هذه الدول عن استكمال عمليات إسنادها لقطاع غزة نظراً إلى أن الكيان بمفرده غير قادر على مواجهة متعددة الجبهات، وبذلك تكون الإدارة الأمريكية قد عملت على تأمين غطاء استراتيجي للكيان منعاً لأي معوقات قد تحصل.
لقد ساهمت القوات الأمريكية بشكل كبير في العمليات التي تخوضها القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، وأبرزها تلك المتعلقة بالرصد وجمع المعلومات، إذ سخّرت الإدارة الأمريكية جميع قدراتها الاستخباراتية في سبيل تأمين المعلومات والمواد الاستخبارية من خلال الطيران الحربي والمسير والأجهزة المتصلة بالأقمار الصناعية. أما على صعيد الإقليم وحمايةً للكيان وردعاً لفصائل المقاومة المنتشرة في مختلف دول المحور، قام الأمريكي بالعديد من العمليات المُستهدفة للفصائل، هذه الأعمال تعد تدخلاً عسكرياً واضحاً ويظهر حجم القلق الأمريكي من أعمال المحور وتأثيرها على الكيان المؤقت.
المشاركة ورعاية المفاوضات
بمعزل عما يجري على أرض الواقع، تظهر التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين في الإدارة الأمريكية مدى المشاركة الأمريكية في عملية التفاوض القائمة للوصول إلى صيغة نهائية لوقف الحرب، لكن هذا الأسلوب في المشاركة ليس هدفه إيقاف الحرب من أجل إيقاف الدمار أو لأن الأمريكي يسعى إلى عدم حصول حرب بين الكيان والفلسطينيين، بل إنه يسعى من خلالها إلى إخراج الكيان من المأزق منتصراً. ويصب التركيز الأمريكي دائماً في عملية التفاوض على موضوع الأسرى الإسرائيليين ومنع حماس من أن تكون في المشهد الفلسطيني في غزة بعد الحرب، وتظهر هذه الأهداف الموقف الأميركي المنحاز للكيان وسبب الاهتمام الكبير في إدارة عملية التفاوض
من ترومان إلى بايدن الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان المجرم
بوفاة روزفلت وتولّي الرئيس ترومان، تغيرت السياسة الأمريكية تجاه الدولة الجديدة، وفي عام 1948 كان ترومان أول رئيس في العالم يعترف (بالدولة الإسرائيلية) بعد لحظات فقط من إعلانها قيامها، لتبدأ سلسلة من المساعدات الأمريكية لتثبيت أقدام إسرائيل في المنطقة. تلعب الأسلحة والمساعدات الأمريكية لإسرائيل دوراً كبيراً في القتل والتدمير الذي يشهده قطاع غزة، منذ الرد الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ومع دخول الحرب شهرها الخامس ووصول عدد الشهداء إلى أكثر من 30ألفاً أكثرهم من الأطفال والنساء، قصفت فيها إسرائيل المشافي والمباني السكنية على رؤوس ساكنيها متسببة بـ”كارثة إنسانية” حسب الأمم المتحدة، طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن الكونغرس بحزمة مساعدات تصل إلى 14 مليار دولار، استثنائية، لإسرائيل.
ويأتي تزويد إدارة بايدن لإسرائيل بالمعدات العسكرية متسقاً مع تاريخ طويل من المساعدات الأمريكية لها، بدأ في عام 1948 وتضمن منحها نحو 158.6 مليار دولار، أغلبها لضمان تفوُّقها العسكري النوعي واستدامة أمنها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط.ودعمت الولايات المتحدة وعد بلفور عام 1917 وإنشاء “وطن قومي لليهود”، لكنها لم تتدخل فعلياً في الصراع، وأكّد الرئيس فرانكلين روزفلت للعرب في عام 1945 على أن الولايات المتحدة لن تتدخل من دون استشارة كل من اليهود والعرب في فلسطين
وتحول الدعم الأمريكي من احتضان واحتواء للدولة الناشئة إلى دعم مادي وعسكري التزمته الولايات المتحدة، وفي مارس/آذار 1949 تأسست العلاقات الدبلوماسية بينهما عندما قدّم السفير الأمريكي جيمس غروفر ماكدونالد أوراق اعتماده لإسرائيل.
الكاتب والباحث كرم فواز الجباعي