***
الحرب أبشع فعل يقدم عليه البشر، فهي تدمر كل شيء، وتقتل كل أشكال الحياة، وبما أن الفلسطيني يعاني منها منذ أكثر من مائة عام، حينما جاء الاستعمار الإنجليزي وفعل فعلته بخلق هذا الكيان الدموي والعنصري، فهذا الواقع فرض ذاته على الحالة الفلسطينية، وجعلها تدوّن وتكتب عن الحرب، من هنا نجد العديد من الروايات الفلسطينية تناولت الحرب، وهنا نذكر برواية “سنوات العذاب” للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، حيث كانت من أوائل الروايات التي تحدثت عن الحرب.
رواية “أخبار نصف جيدة” من الألف إلى الياء تتحدث عن الحرب، وبما أن عدونا متوحّش ويتعامل بعقلية يوشع بن نون “لا تبق فيها نسمة حياة” فكان لا بد للسارد أن يتحدث عن هول الحرب وما تحدثه من تدمير وخراب وقتل وموت: “إن أقبح ما يفعله الإنسان هو الحرب. إنها نار تلتهم الأخضر واليابس، وتورّث الإحن والبغضاء، وتشحن النفوس بالسمّ، وتلوّث الصدور والكلمات والحياة” هذا القول متماثل تماما مع ما قاله “سيمنوف” في رواية “رحى الحرب” وهذا يؤكد حجم الخراب الذي تحدثه في الناس.
هذا على صعدة النظرة العامة للحرب، لكن على صعيد الواقع، نجد هذا المشهد: “يومٌ محترقٌ بكل أنواع القنابل والصواريخ التي تسقط على كل شبر في الحارات والأزقة، تحطّم الجدران المتهالكة، وتمحو معالم الأشياء بلا رحمة. أصوات الانفجارات لا تتوقف، ولا تترك مجالا لالتقاط الأنفاس، وصراخ الأطفال وعويل النساء لا يمكن أن تخفيه محرّكات الطائرات وزعيق الإسعاف”. الصورة مؤلمة، فالآلة الحربية تدمر البيوت والمباني وتقتل الناس، وصوتها يدوي، حتى أن الأطفال والنساء (شاركوا) الآلات من خلال الصراخ والعويل.
يدخلنا السارد إلى الحرب أكثر من خلال ما تفعله الحرب في الناس: “والناس يبحثون في جثث الموتى، لعلهم يتعرّفون على أحبّتهم، يقلّبون الجثامين! الأم تبحث عن شَامة على صدر ابنتها..قصف لا يتوقف، وشهداء يرتقون، أشلاء مقطّعة، وقتلى بالعشرات…وعند مدخل المشفى الآلاف يتجمّعون ويهرعون، يحاولون المساعدة.” هذه هي الحرب، وهذه أفعال العدو، فهذا المشهد لوحده كافٍ لإيصال جحيم الحرب ووحشية العدو الذي لا ينفك عن فعل الجرائم بحق كل ما هو الفلسطيني: “وثمّة مئات في ممرات المستشفى، وهناك عدد ملقى بين شهيد وجريح، الأطفال الباكون لا يعرفون أمّهاتهم، والأُمّهات الزائغات لا يجدن أطفالهن..
الغريب أن لا أحد بكي أو تفجّع أو لطم ساعة الدفن! كأن حلّ مشكلة دفنهم ذهبت بكل مشاعر الأسى وأحاسيس الفقدان.” أعتقد أن هذه الصورة لوحدها تكفي لإيصال ما تخلفه الحرب، وما يفعله العدو بنا.
***
إذا ما توقفنا عند أحداث الرواية سنجد أن هناك تركيزا على الأطفال، فهم أكثر المتضررين في الحرب، وهناك أكثر من مشهد يتحدث عنهم، الطفل الذي تم اغتصابه من قل جنود الاحتلال ومن ثم قتله، وصورة الطفل الجائع، من هنا رأى السارد من الأفضل جعل الطفل يتحدث بنفسه، وهذا ما فعله في هذا المشهد: “الصحفي الذي سأل طفلاً: ماذا تحبّ أن تكون عندما تكبر؟ فأجاب الصغير: نحن لا نكبر، إنهم يقتلوننا!” فهنا يختزل الطفل الحالة الفلسطينية، ويبين حجم الوحشية التي يستخدمها العدو تجاهه، فرغم أن المشهد مصور وبث على الفضاء المفتوح، إلا أن تدوينه أدبيا لا يقل أهمية، كما انه يسهم في رفع جمال وفنية الرواية.
***
الحرب موجعة ومؤلمة ومدمرة، ليس للأبنية فحسب، بل للناس أيضا، فتجعلهم أما محطمين وإما قساة، وبما أن المرأة رقيقة وناعمة وتتأثر أكثر من الرجل، فيفترض أن يكون وقع الحرب عليها أكثر هولا، لكن أن تتجاوز وقع الحرب وتتقدم لتتألق وتبدع فهذا أمر لا يقدر عليه إلا من هو خارق.
يقدم لنا السارد مشهدين متشابهين، أحدهما لامرأة في غزة والأخرى في الضفة، حيث تقوم كل منهما بجذب جنود الاحتلال للمنزل، من خلال طلب المساعدة، ثم تقوم بتفجير المنزل المفخخ: “رحم الله اُمّي، لقد رأت الجنود قادمين، فطلبت من الشباب المقاومين أن يُفخّخوا بيتها، ويتركوها..
جاء الجنود يشهرون أسلحتهم، فراحت تولول: إلحقوني، لقد احتلّ المسلّحون بيتي.. وتصيح..تقدم منها الضابط وأمرها أن تتقدّمه مع الجنود، الذين انتشروا يحاصرون البيت، وما أن عبروا حتى انفجر البيت بمَن فيه وبمن حوله.” المثير في هذا المشهد تماثل حال الفعل بين الحالتين، حالة غزة والضفة، فهناك جامع وموحد بينهما، وهذا يخدم فكرة وحدة المقاومة الفلسطينية، وبما أن هناك مقاومة ومواجهة مع العدو ورده خائبا منكسرا، وهذا يسعد المتلقي الذي ينتشي بفعل البطولة، ومن ثم، سيتابع تتمة الرواية لمعرفة المزيد عن هذه الأحداث والبطولات.
***
الحرب تكشف الخائب من الصائب، وفي حالتنا الفلسطينية نحن بأمس الحاجة إلى الالتزام الوطني، ورفع مصلحة الوطن فوق كل مصلحة، وبما أننا في حرب، فنجد السارد يقدم لنا ما يؤكد أننا في حرب وجود، ولا خيار أمامنا إلى خوض الحرب وانتزاع حقوقنا من عدونا: “وجد الفلسطينيّ نفسَه بين شفرتين ذابحتين؛ إما أن يُقاتل فيدفع أثمانا لا تُطاق، أو يستسلم فتضيع حقوقه ويصير عَبداً” فلا خيار أمامنا إلا المواجهة والانتصار، وبهذا يرد السارد على كل من يقول بإمكانية الحصول على حقوقنا بغير طريق الحرب.
وبما أننا نخوض حربا دامية، فلا بد من الاستشهاد بنماذج على التزام الفلسطيني أخلاقيا ووطنيا، وهنا يحدثنا السارد عن شخصية “أبي زهدي” الذي هُجّر من أرضه مكرها، وكيف أنه حرم على نفسه أكل البرتقال ما دام بعيدا عن بيارته في يافا، وكيف أنه عندما (خدع) وشرب عصير برتقال فارق الحياة: ” وأبو زهدي الذي كان يملك بحراً من بيارات يافا الممتدة حتى أراضي اللد والرّملة…هاجر إلى بلدتنا وافتتح حسبتَه، وحرّم على نفسه أكل البرتقال أو شرب عصيره ما دامت البلاد تحت دياجير الاحتلال… وكالعادة، مشى أبو زهدي إلى إبريقه، ووضعه على فمه، وكرع جرعةً، ثم ألقى بالإبريق بعيداً، فتهشّم! نزلت جرعةُ البرتقال إلى أمعاء أبي زهدي كأنها سمٌّ زعاف، فتلوَّى، فحملوه إلى المستشفى، فضاقت أنفاسه، ولم يلبث يومين حتى مات!” اللافت في هذه القصة أنه تؤكد التزام الفلسطيني بتعهده، حتى لو كان هذا التعهد فيه مشقة وحرمان من فاكهة البرتقال الشهية، فالسارد من خلال هذه القصة يدعونا نحن المتلقي للالتزام بتعهدنا الأخلاقي والوطني تجاه فلسطين، خاصة أننا نخوض حربا مصيرية ولا مجال فيها للتراخي أو للتراجع
***
من المشاهد الأخرى التي ترفع المعنويات، وتثبت الفلسطيني في المعركة، صورة الشهداء الذين يرتقوا دفاعا عن الوطن: “ومرّ أسبوع آخر حتى انسحب الجنود، فهرع الناس إلى الدار ليستطلعوا ما جرى، فوجدوا جثث الشبّان غضّة سليمة، ودماؤها يانعة خضراء متدفّقة ساخنة، كأنهم ارتقوا قبل لحظات! ولم يمسسها كلب أو طير أو غارب! وحينما حملوا جثث الشهداء، وخرجوا بها من بين الأنقاض، رأوا الكلب الأبيض يقف بعيداً، ثم أدار ظهره لهم.. ومضى.” ما يحسب لهذا المشهد أنه يقدمنا من الشهداء ويقربنا لنتماثل معهم في الاستشهاد، فهذا المشهد يرفع مكانة الشهيد ويؤكد حصول فعل الشهادة، وما بقاء الجثة كما هي، إلا صورة عن وجود شهداء.
***
بعد أن تم رفع معنوياتنا بالمشاهد السابقة، لا بد من تقديم صوة عدوّنا وكيف ينظر ويتعامل معنا، حتى نكون أمام الحقيقة كما هي: “اليوم،إحنا في حرب وجود، وأنتَ محرّض كبير! ملفّك مليء بالتقارير، وبصراحة لازم نطلق عليك الرصاص
إذا ما بترفعوا الراية البيضا سنمسح غزة عن الوجود ونرتاح منها، ثم سنرتاح منكم في الضفة… مش بس في الضفة وكمان العرب الإرهابيين اللي موجودين في القدس ويافا وحيفا والرملة والنقب، ما رح نخلّي حدا منكم. مفهوم؟” بهذه العقلية المتعالية/الفوقية يتعامل معنا العدو، فكيف لنا أن نتصرف ونرد عليه؟
فهو يعرف حقيقة الصراع، لهذا يريد حسم المعركة لصالحه، فلا مجال أمامه للهزيمة أو للتراجع، هذا الموقف يدفعنا نحن المتلقين لنكون حاسمين مع عدوّنا، كما هو حاسم، ونرى نظرته للفلسطيني، فهو يريدنا منكسرين/مهزومين، رافعين الراية البيضاء، وهذا يدفعنا لنكون كما نريد نحن، لا كما يريد عدونا.
الصهيوني يرى نفسه صاحب حضارة، هذا ما جاء في خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي، إن دولته الحضارية تخوض صراع مع البربرية، المحقق يخاطب السارد بهذه النظرة الصهيونية بقوله: “باغتني بجملة نهائية مفادها أنهم أهل النور والحضارة والتقدّم والمدنيّة، و”أنتم” الفلسطينيون والعرب والمسلمون ظلاميّون متخلّفون” إذن نحن أمام صراع حضاري/ثقافي، وعلينا أن ننتصر ثقافيا وحضاريا، وننتصر عسكريا وفي الميدان.
وعن العقلية الصهيونية وكيف تنظر للفلسطينيين والعرب، ينقل السارد قول لأحد الحاخامات الصهاينة الذين يتفاخرون بعنصريتهم: “هل الحاخام العسكري إيال كريم منّا؟ ألم يعلن صراحةً، ودعا جنودكم إلى اغتصاب النساء في غزة؟ ألم ترى الجندي الإسرائيلي وهو يبول على راية “لا اله إلا الله” وعلى عَلم فلسطين! والمصوِّر يشجعه. وما رأيك في هذا الاعتراف: مجنّدة إسرائيلية تقف أمام دبّابة وترفع لافتة مكتوب عليها “أنا أقتل الأطفال”! عداك عن توقيع ألف طبيب إسرائيلي طالبوا بقصف المشافي، باعتبارها معاقل ل”الإرهابيين… ضابط في جيش الاحتلال يسجّل فيديو على هاتفه المحمول، وهو يفجّر بيتاً في غزة؟ ويقول: أهدي ابنتي تفجير هذا المنزل في عيد ميلادها الحادي عشر! … صحيح أنني قتلت الكثير، وقنصتُ طفلةً تبلغ اثنتي عشرة سنة، لكنني كنتُ أبحث عن رُضّع وأطفال لقتلهم”، ويقهقه!؟ألم يرفع المستوطنون في الضفة شعار “لنحرق قراهم”؟” هذا هو الفكر والسلوك الصهيوني، وعلينا نحن في فلسطين أن نحارب على هذا النهج والتفكير وننتصر عليه، فنحن من نمتلك ثقافة وأخلاق دينية وإنسانية، تجعلنا نتفوق على عدونا.
ومن المشاهد الأخرى التي تتحدث عن وحشية الجنود الصهاينة التي تؤكد أنهم قادمون من العصور الحجرية، ينقل لنا السارد مشاهد عن تلك الوحشية والبربرية: “جندياً فَقَد عقله فحمل سلاحه واتجه نحو السجناء المقيّدين في الساحة ورشّهم جميعا وهو يشتم ويكفر. يعني قتل أكثر من ثلاثين. معقول؟!” قد يقول قائل، إن هذا التصرف والذي سبقه تصرف فردي، ومتعلق بجندي واحد، وجندي فقد عقلة واتزانه النفسي، فأقدم على القتل، يرد السارد على هذا القائل من خلال هذا المشهد: “بعد أن دهمت قوات الجيش عمارتهم، وحجزوا الشباب وأجبروهم على خلع ملابسهم وأطلقوا النار عليهم قدّامها وأعدموهم، منهم زوجها ووالدها وإخوانها، ثم حجزوها في غرفة وأطلقوا القذائف تجاه الباقين! كان في العمارة العديد من العائلات، وعددهم قرابة السبعين سيدة وطفل” إذن قتل المدنيين والأطفال والنساء نهج صهيوني لا لبس فيه، وهنا يرد السارد على المحقق الصهيوني الذي يدعي الحضارة والمدنية، فهو وجنوده وجيشه ودولته ومن أوجدهم مجرمين، قتلة، ويجب أن ينتهوا ويكون في خبر كان.
قال السارد في بداية الحديث “إن تناقضنا الأساسي مع الكيان الصهيوني” من هنا كان الحوار الأطول والأشمل معه المحقق: “هل تعلم أن إزالة كمية الركام الهائلة التي تشمل ذخائر لم تنفجر، خلَّفتموها في قطاع غزة ،قد تستغرق نحو 14 عامًا! وأن عدوانكم خلَّف ما يقدر بنحو 37 مليون طن من الركام في المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية؟!” اللافت في هذا القول انه يشير إلى استمرار العدوان، حتى لو انتهت الحرب، فهناك زمن طويل يحتاجه الفلسطيني ليعيد الأرض لما كانت عليه قبل العدوان، كما أن عدد الشهداء هائل ولا يحتمله أي شعب، فكيف لأبناء وأمهات وآباء الشهداء أن ينسوا!؟
يتقدم السارد أكثر من جرائم العدو من خلال هذا المشهد: “ويقول رجلٌ آخر: تتذكّرون بأن النازية، إبان غزوها بطرسبرغ، لم تقصف ولم تمسّ المتاحف وعلى رأسها المتحف الأكبر “الأرميتاج”، ولم تقصف دور الأوبرا أو الجامعات…لكنها في غزة تقصف الصلاة والدفتر وتستهدف الإله.” إذن تم تأكيد همجية وبربرية العدو الذي يستهدف كل ما هو فلسطيني، الإنسان، الأرض، دور العبادة، مراكز الثقافة، الملاعب، دور المسنين، المشافي..
بعد هذه المشاهد يقودنا السارد إلى معسكرات الاعتقال، ليضعنا أمام مقارنة بين ما فعلته النازية في “أوشفيتز” وبين ما فعله العدو في “سدنة تيمان”.
“قلت: ارسلني إلى “سديه تيمان”!فهناك تقطّعون أطراف السجناء بسبب بقاء القيود الحديدية المشدودة على أيديهم وأرجلهم لأشهر، وهناك يتغوّط المعتقلون على أنفسهم بشكل مهين…وقد تم توثيق 112 حالة اغتصاب بالمواقعة داخل سجون الاحتلال لأسيرات من غزة، ثلاث حالات منها وقعت لفتيات قاصرات وكان الاغتصاب جماعيا، وإحدى هذه الحالات نقلت بإشراف دولي إلى مكان سرّي وهي حامل الآن، وقوات الاحتلال أعدمت داخل معتقلاتها بإطلاق الرصاص مباشرة من مسدسات في الرأس على عشرات المعتقلين وألقت الجثامين في مناطق مختلفة من شوارع غزة.” إذا عدنا إلى المعسكرات الاعتقال النازية لن نجد مثل هذه الجرائم، فما فعله الصهاينة بالفلسطينيين يفوق بآلاف المرات ما فعله النازيون باليهود، وهنا يكون السارد قد اكد همجية وبربرية العدو.
ولم تقتصر جرائم العدو على القتل والاغتصاب، بل طالت أيضا المتاجرة بأعضاء الأسرى: “وأن الجنود اختطفوا مئات المواطنين، من الأطفال والنساء والشباب، وبعد أحد عشر يوماً أعادتهم جثثا في أكياس سوداء! وبعد الكشف تبيّن أنهم دون أعضاء بشرية! ولم يستطع أحد التعرّف عليهم!” وإذا علمنا أن المختطفين الفلسطينيين يساقون إلى معسكرات الاعتقال، نعرف حقيقة هذه المعسكرات، ونعرف وما يجري فيها، فهي أماكن خارج الأرض، وهي الجحيم بعينه، والقائمين عليها هم الشياطين أنفسهم، هذا هو الجيش (الأخلاقي) الذي يتفاخر به قادة العدو، فيا له من جيش!
***
من يتابع الأدب الفلسطيني يجده أدب موضوعي، يتحدث عن اليهود بصورة (واقعية) لا يزيد عليها ولا ينقص منها، حتى أن أدب المعتقلات تحدث عن بعض السجانين بصورة إيجابية، وهذا يحسب للأدب الفلسطيني، الذي التزم بالموضوعية في تناول عدوه، في رواية “أخبار نصف جيد” يؤكد السارد هذه الموضوعية: “جدعون ليفي:”ليس هناك برهان يدلّ على أننا ضللنا الطريق أكبر من المحاولات الدنيئة لإذلال الفلسطينيين على مرأى من الجميع. وليس ثمة دليل على الخور الأخلاقي أعظم من إهانتهم وهم مهزومون “حتى يستسلموا” نقل هذا القول وجعله جزءا من نص أدبي في الرواية، يؤكد ان الفلسطيني يتعامل مع عدو بإنسانية، فكما يتحدث عن جرائم ووحشية المحتل، يتحدث عن الأصوات الإنسانية التي تحارب وتعادي الصهيونية.
وهذا يقودنا إلى أن الفلسطيني لا يتعامل أو ينظر إلى اليهود بعنصرية كحال الصهاينة، وبهذا يؤكد السارد تفوقه الأخلاقي على المحقق، على عدوه، فهو لم ينجر ولاء الانفعال، وقال كلاما جميل بحق الصحفي اليهودي، فهل هناك صهيوني يتحدث بإيجابية عن الفلسطيني؟
*** في كل الحروب هناك من يتاجر بقوت الناس وأرواحهم، وهؤلاء هم حثالة الشعب، يخونون ذاتهم وإنسانيتهم قبل أن يخونوا شعبهم وأهلهم، وبما أنهم يتناسلون ويتكاثرون، ويخربون ويهدمون المجتمع ويجوّعون الناس، فكان لا بد من كشفهم والحديث عن خيانتهم: “عصابات الطابور الخامس التي تستولي على شاحنات المساعدات وتقوم بسرقة مخازن التموين… ظاهرة الاستيلاء على شاحنات المساعدات، لم تأت عشوائياً! هي جريمة منظّمة تسير بشكل متوازٍ مع القصف للتنكيل بالشعب المسحوق المنهك”.
بهذا يكون السارد قد تناول كل ما هو متعلق بالعدوان على أهلنا في غزة، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وذكرها، وهذا يؤكد أن السارد يعيش في “بيت لاهيا” وليس في أي مكان أخر.
الرواية من منشورات طباق للنشر والتوزيع، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2024
الكاتب والناقد رائد الحواري