الحلنجس: ل د. أحمد مصطفى

كنت قد سمعت عن بعض المفردات المخترعة، التي لم يرد ذكرها في معاجم اللغة، وإنما هي كلمات متنافرة الحروف، ربما جاءت على ألسنة العامة من باب الغرابة أو الظرافة او الطرافة، كقولهم: خشنفري، حلنجس…وقولهم خشنقري له قصة طريفة كنا نتبارى في حكايتها صغارا؛ ذلك أن رجلا من مدعي العلم كلما سئل عن شيء اخترع اجابة، فكان لا يُسأل إلا أجاب، وفي إجاباته نظر، فلم يقل مرة لاأدري؛ مما أثأر حافظة طلابه، فجمعوا أول حروف أسمائهم (خالد-شريف-نادر-فارس-رامي-ياسر) وكونوا كلمة (خشنفري) وسألوه عن معناها؛ فقال: هو نبات صحراوي ينمو في وسط الجبال والأماكن الحارة؛ فعرفوا جهله. والكلمة مع غرابتها لم تكن سوى فخ محكم للإيقاع بهذا المدعي في العلم فلسفة، ولهذه الغرابة تستخدم في الذم ؛ فيقولون: (فلان خشنفري) أما الحلنجس، فقد اشتهر أمره في بلدتنا وأجاورها في العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين، وهذه الوجبة الثقيلة الدسمة عبارة عن حبات الذرة اللينة، تأخذها سيدات القرية، ثم تفرمها فرما في (الهون) مع البهارات والملح والثوم، والبصل والبقدونس والشبت، ثم فرم الخليط، ثم تشكيله على هيئة أصابع أو كرات، يتم قليها في طاسة بها الزيت على النار؛ لتصبح أصابع كفتة يمكن طبخها مع صلصة طماطم مطبوخة.

واليوم بعد ثلاثة عقود تطالعنا نجلاء الشرشابي في برنامجها (على قد الأيد) بقناة (سي بي سفرة) بأكلة أطلقت عليها (كفتة الذرة) ووضعت المقادير: (ذرة بيضاء- زيت- دقيق ذرة- لحم مفروم- كزبرة خضراء- بصل مبشور-بهارات- بقدونس- ملح- فلفل أسود-عصير طماطم- ثوم- شبت)، فقلت: إنها تطبخ (الحلنجس) بطريقة حديثة، ليست بعيدة عن طريقتنا قديما في طبخها…

وما أشبه الليلة بالبارحة، مع بعض التجديدات، فالدقيق بدل الذرة، والكبة بدل الهون.

لقد كنت واحدًا ممن أكل الحلنجس، وما أدراكم ما الحلنجس،وجبة تأكلها، فتهب عليك أعاصير المنغصات، تجعلك تتخذ شرابا من دونها لم تَأْلهُا خَبَالَا؛ فتبدو البطن ممتلئة، والأفواه مكتظة، وما تخفي المعدة أكبر، فإذا انتهيت، وسلمت الأمر للقضاء، وأردت دون إرادة أن تفرغ خَبَثَأك لغير ما سبب معلن أو مفهوم، يطول بك الانتظار، وكأن الحلنجس حال بينك وبين ما تشتهي…رحم الله أياما اشتقنا إليها..

د. أحمد مصطفى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *