الدنيا رائحة والانف مُخْبِر سِرّيّ للكاتبة الصحفية غادة علي كلش

لم تخْلُ النّصوص الأدبيّة والفنيّة والجماليّة، على مرّ الزّمن الادبيّ، من المؤثِّرات المتنوِّعة للرائحة. فالأنف له نصيب وافر من الفنون، ودور حانٍ وقاسٍ في تحديد الأحكام وتعبير الكلام. فأيّ سرّ للروائح النّافِذة إلى مسامات الأنف، الصاعدة إلى “دهاليز” الدِّماغ، النّازلة إلى ممرّات الفؤاد، والمنتشرة في سائر الأعضاء والحواسّ؟ أيّ فرح سِريّ كامِن بين العشّاق في بهجة العناق، وأيّ عذاب ضمْنيّ سارٍ فيما بينهم عند مرثيّة الفراق، تحت تأثير إنسياب كيمياء الرائحة؟ هل يتنبّه المتلقّي إلى مكامن دور الأنف في مُتون الرّوايات والقصائد والدّراسات، وفي عروض الفنّ السابع، بطريقة ما؟

  لا شك في أنّ للأنوف أدواراً كبيرة، تتمحور حول رسم العلاقات القائمة بين النّاس، بشكل عامّ، وبين الأزواج بشكل خاصّ. فكثير من الرّوائح المُعَطّرة، أسهمَ في توليد نسائج الغرام وفي استجلاب المحبيّن. وكثير من الروائح المُنفّرة أسهمَ في انكفاء المحبوبة عن حبيبها، والحبيب عن محبوبته، أمام عتبة هذا الأنف بالذات. فهل الدنيا… رائحة؟

 بدايةً، أرى أنّ الأنف هو عضو غير مُكتفٍ بدوره، في تكريس حاسّة الشمّ وفي ممارسة آليات التنشّق والتنفّس، فحسب، بل هو يتعدّى دوره المخصَّص له، ليقاسم الدّماغ عبر اتّصاله القنواتيّ الماديّ والمهنيّ به، خاصيّةَ عملِه، فيتشارك وإيّاه بذْلَ إشارة الإرادة الرّافضة أو العاشقة لمصدر الرائحة وأثرها ولغتها – إنْ صحّت الإستعارة – بحيث يصبح الانف ههنا عضواً مفكّراً /مجازيًّا/ يتّخذ قراره في عالم الهوى العلائقيّ، كما إنه يشارك الفؤاد إنجذاباته الحسيّة، في إطار التعلّق بخصائص المحبوب، من خلال نسيج الأريج الذي يشتمّانه سويّاً، فيتبادل وإيّاه بالمجاز ذائقة الغرام، ويشارك العين رؤيتها لصاحب الشذى الآسِر، فيحفظ بحاسّته صورة الحبيب المتشكّلة في ظلال العبير، كنموذج رؤيويّ غير مرئيّ. من هنا، يبرز دور الأمزجة في تحديد شكل العلاقة بين المُحبّين. فالمزاج العاطفيّ السّعيد، لا يبلغ ذروته ولا يفيض، إلاّ بعطارة الروائح وأطيابها. وإنّ لألسنة الشّعراء والأدباء أحاديثَ ونصوصًا كثيرة، سرى الكلام فيها عن طيب الأرائج وأسرارها وأضواعها. سواء عند المرأة (المعشوقة) أم عند الرجل (العاشق) أم المكان (المَنْزِل) أم الأزهار (الياسمين) أم الموادّ (الكبريت) أم الطّعام (الشّواء) أم الشّراب (القهوة). فالأمزجة أسرار، ولطالما طبعت الأسرار طويّة الفرد وحميميّته، ولطالما استمدّت الأمزجة تركيبتَها أو “شخصويّتَها” من عصارة الروائح ومؤثّراتها كافّة.

   أبحاث علمية مركّزة، تناولت أعصاب الحسّ والتذوّق، وكشفت بدورها عن حقيقة علمية مُؤدّاها /”أنّ اللّسان لا يستطيع أن يميّز سوى بضعة أحاسيس، مثل الحلاوة والحموضة، والمرارة والمُلوحة. في حين أنّ الإحساس بآلاف الأنواع من نكهات الأطعمة وشذى الأشياء، يعود إلى عمل الأنف. وقد برهنت الأبحاث أنّ البشر باستطاعتهم التّمييز بين آلاف الرّوائح. فالرّائحة هي عامل أساسي في جميع أنواع الاتّصال البشريّ، خاصّة في الاتصالات الأكثر حميمية” من كتاب”فخ الجسد” للدكتورة منى فياض/.

كتابات وكتب أدبية وشعرية قديمة وحديثة، حفِلتْ بالأنف وبدوره السِّريّ السّاري في النّصوص وفي النّفوس. وقد كان لسيرة الشذى نصيب كبير في شتّى ضروب التّعبير. فللشّوق رائحة، وللمدينة رائحة، وللحبيب رائحة، وللبيت رائحة، وللكراهية رائحة، وللذكرى رائحة. لكلٍّ أثره الروائحيّ الأخفى والأمضى معًا.

الرّائحة والشِّعر

 نقرأ عن روائح الشوق للمدن، قصيدة لأبي الوحش السبعيّ بن خلف الأسديّ يقول فيها:

“سقى دمشق الشام غيث ممرّع في مستهلّ ديمة دفاقُها

مدينة ليس يضاهي حُسنها في سائر الدّنيا ولا آفاقها

 تودّ زوراء العراق أنّها تُعزى إليها لا إلى عراقها

 فأرضها السماء بهجةً وزهرها كالزهر في إشراقها

 قد ربَعَ الربيعُ في ربوعها وسيقت الدّنيا إلى أسواقها

 لا تسأم العيون والأنوف من رؤيتها يوماً ولا انتشاقها

 هذا قصيد شرقيّ الهوى عن هيام الأنوف. وثمّة قصيد غربي الهوى يقارب مسرى الروائح، نجده في ديوان شارل بودلير”أزهار الشّر” وفيه يقول الشاعر الفرنسي:

“ويحملني شذاك إلى آفاق ساحرة

 فكأني بمرفأ يحفل بالقلوع والصّواري

 وهي لمّا تزل منهكة من عراك اللّجج

 وهذا أريج شجر التّمر الهنديّ متضوّعًا في الفضاء

 يُفعِمُ حسيّ ويمزج أغاني الملّاحين في نفسي”

 ويقول أيضاً في قصيدة أخرى:

إلى نافحة للطيب الزّكيّ تتضوّع في معهد الهوى العذريّ

 إلى مجمرة متروكة يتصاعد منها البخّور خفية تحت جنح الديجور”.

 وهنا نقع على رقائق الشِّعر ونسائمه المعمّمة في هواء الرّائحة، لنستذكر أبيات الشاعر جوزف

 صايغ، وفيها يقول:

 “هل درى من بعد ما أشْبَعني ضمًّا وشمّا

هل درى أنّي له صرتُ كهمّ الحسن همّا؟

منذ ما قطف من ثغري وبإسمي الحُسن سمّى

 ذلك الشاعر لم يعلم ولا الشِّعر ألمّا

 أنه في قامتي كلّ جمال الأرض ضمّا”

 ونقتطف من شعر بدر شاكر السيّاب، وتحديدًا من قصيدته “حدائق وفيقة”:

 “ووفيقة تتمطّى في سرير من شعاع القمر

 زنبقيّ أخضر في شحوب دامس فيه إبتسام

مثل أفق من ضياء وظلام وخيال وحقيقة

 أيّ عطر من عطور الثلج وإن صعدته الشّفتان في أفياء الحديقة يا وفيقة”.

 سريّة الرائحة

 إنّ سريّة الرائحة، بخريطتها، أو عبق الشذى، “بجينتِه” يشكّلان جوهر الغرام، ويعْبُران مسالكَ الانجذاب إلى الآخر. كأنّ الأنف يختصر الإنسان في لعبة الهوى، أو في مرثيّته وبهجته. إذْ ثمّة قاطع عريض بين النّفور من الرّيح الكريه كالعفن، وبين السّرور بالريح الطيّب كالعنبر. علمًا أنّ الرّائحة التي تنفذ إلى أرجاء النّفس، لا يمكن للأنف الهروب منها، كهروب العين من صورة، وهروب الذاكرة من حدث. لذلك إعتنى القدماء والمعاصرون من أهل القلم بموضوعة الرّائحة، واهتموا برصد مناخات الرّوائح وعناصرها المختلفة الأنواع والأشكال والأسماء. وفي هذا السياق، نذكر كتاب “كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار” لمؤلّفه عز الدين بن غانم المقدسيّ المتوفّى (سنة 678 للهجرة) وفيه إستدلالات واسعة عن أبجدية الرّموز والرّوائح. ولعزّ الدين عبارة جميلة يقول فيها: إنتهيت إلى روضة رقّ أديمها، وراق نسَمُها، وتمّ طيبها، ونما خصب رطيبها، وغنّى عندليبها، وتحركت عيدانها، وتضوّعت أزهارها”. كما وله أبيات هسيسة التأثير يقول فيها: ” ألم ترَ أنّ نسيمَ الصِبا له نَفَس نشرُه صاعد/ فطوْرًا يفوح وطوْرًا ينوح كما يفعل الفاقد الواجد؟” إبن حزم الأندلسي كتب بدوره عن التعطّر عند العشّاق، ومن أقواله: “ما رأيتُ قَط مُتعاشقيْن إلا وهُما يتهاديان خصلَ الشعر مُبخّرةً بالعنبر، مرشوشة بماء الورد، وقد جُمِعت في أصلها بالمصطكي، وبالشّمع الأبيض المصفّى”.

عند هذا المفصل، ذهبت الكتابات الحديثة أيضًا إلى سبر أغوار الرّائحة. وقد أسقط العديد من الكتّاب والشعراء، عنصر الرّائحة على عوالم حسيّة وتصويريّة وماديّة متنوّعة. نضرب مثالاً على ذلك ما كتبته

 غادة السمّان في كتابها “عاشقة في محبرة” إذ كتبت تقول – ص 107 -: هل ركضتُ خلف رائحتك في الليل، كالكلاب البوليسية، وتلصصّتُ على سيارتك وهواتفك ونسائك، ورصدتُ أنفاسك، كمؤسسة مخابرات محنّكة، تصيرها العاشقة؟”. ومثلما استعارت السمّان في كلماتها هذه، خاصيّة شمّ التجسس، استعارت أيضًا خاصيّة الغربة المُشتمّة بألم. وفي ذلك نقرأ لها: “تعبتُ من رائحة شمّ الصّراصير في المصاعد الخشبيّة العريضة، الضيّقة كالتوابيت. تعبتُ من السّجاد العفن الفاخر في البيوت المُصفرّة كأسنان المُحتضرين. وروائح النفتالين تفوح من نوافذ بلا شمس. تعبتُ من رائحة “ماء جافيل” في ملاءات فندق الغربة”.

  وفي عمل روائي للكاتبة هدى بركات “حارث المياه” نقع على روائح الشوق إلى شيّ الطعام، وعنبر الجلد وأثر الجسد. ومنه نقتطع هذه العبارات – ص 92 -: “تمددّتُ بين زهوري وورودي، آكُلُ خَسّةً، تهيّأ لي أنّ طعمها السكّري ممزوج فعلاً بمسحوق السكّر الأبيض. رحتُ أفكّر برائحة الشّواء التي سأشتمّها قريبًا. رحتُ أتخيّل إلتصاق جلد السّمك المشويّ على التنك، وذوبان الدهن البطيء من إلْية العصافير السّمينة، وسيلان الدّم من أفخاذ الضفادع التي سأصطادها من البِركة القريبة من ساحة البرلمان، والفرقعة الخفيفة التي سترسلها شحوم زيت الزّيتون، حين سأقلي الفطر الأبيض الشهيّ الذي لا بدّ ازدهر في زوايا سوق الصّاغة، بعد الشتوة الأخيرة”.

العطر

لقد استلْهمتْ الأعمال الأدبية والشعرية العطرَ من رياحين الأزهار وشذاها وأنواعها وتأثيراتها في آن. حتى الدّراسات العلميّة وكُتب الطبّ الشعبيّ، خصصّت فصولاً عن فوائد عديدة لنفائح الطّيب من الأزهار، وتأثيرها الإيجابي على الصّحة والمزاج/الكيف/. منها رائحة الياسمين التي تملأ الأنف باعثة الشّعور بالدفء إلى كامل الجسم، فزهرة الياسمين تفيد – من منظور الطبّ الشعبيّ – في تخفيف آلام الكبد الناجمة عن التهابه، وفي علاج التقيّحات الجلديّة والحروق وآلام المعدة والامعاء وصداع الرأس. كما أنّ عجينة الياسمينة وزيتها العطريّ، يخفّف من الكآبة ويسهم في فتح الممرّات العاطفية وفي تعزيز فرص النّوم العميق. قِس على ذلك،عشرات الأزهار التي تتمتع بفوائد كثيرة ومؤثّرات حسيّة ومزاجيّة رائعة، كالفلّ والقرنفل والبنفسج والبيلسان، وسواها.

  الأنف إذًا، هو نافذة النّفس إلى رائحة الدّنيا، في كل ميادينها وضروبها وفنونها. حتّى الفنّ السّابع لم يُعصَ عليه دخوله. وقد دخله من البوابة الواسعة عبر فيلم “عطر” عن رواية الكاتب الألماني باتريك زوسكيند، الصّادرة في العام 1985 تحت عنوان “العطر – قصّة قاتل”، إذْ تمكّن المخرج الألماني الفذّ توم تويكر من تحويلها إلى عمل سينمائي باهر وضخم، عبر الاشتغال على البعد الحسيّ والوجوديّ لدور الأنف في معايشة الرّائحة، من خلال الشّغف بعالم العطور وطبخ كيميائياته. كما استطاع تويكر توليف هذا العمل الرّوائيّ في رصد تأثير الأنف على سلوكيّات المرء إزاء الذّات والآخر والوجود والحب والعنف والقتل وحتى الساديّة. كأنّ الانف بوصلة للحواس الخارجيّة والداخليّة ومرآة للنّسيم الخفيّ في منظومات الرّوائح. “تنتقل الكاميرا المرهفة والأنيقة للمخرج “تويكر” إلى الخبايا العميقة لطفل يتيم، موعود بأكاليل المجد المنتظر، فهناك، ومن داخل الظلمات الجارفة لدار الأيتام، وتحت معيّة “مدام غايار” المشرفة على الدّار، تفتّحت المواهب الحسّيّة النّادرة لأنف “غرنوي” الصّغير، هذا – الخيميائيّ بالفطرة – الذي لم يعش براءة الطّفولة ولا لذّتها إلاّ من أجل اكتساب المعرفة “الشَمّية”، وامتصاص العالم كله، من خلال أنفه الضئيل. هذا الأنف الشّرِه والجائع لكل الانبعاثات الخفيّة، ولكل البصمات الوراثيّة والكيميائيّة التي انغرست في الكائنات الحيّة والجوامد الميتة، وفي كل عناصر الطبيعة، التي صنّفها الخيال الضخم لغرنوي فتحوّلت إلى مكتبة ذهنيّة هائلة، إحتوت على أبجديّة الرّائحة من ألفها إلى يائها، وذلك في سبيل الوصول إلى “حلم شخصيّ وطموح ذاتيّ، لن يقف أمامه أيّ حاجز، ألا وهو الوصول إلى صيغة خرافيّة من التراكيب السّريّة لاختراع العطر ذي الرّائحة المستحيلة، الذي يمكن أن يحمل ألقابا أخرى مثل: عطر الجنّة، عطر الفراعنة، ويوتوبيا الرّوائح”.

الذاكرة الرّوائحيّة

بالمقابل، ليس غريبًا أنْ تكثر قضايا الطّلاق بسبب كراهة الرّائحة.  فقد تمكّن الكثيرون من الحصول على حريّتهم من شركاء حياتهم، حيث برهن الطبّ النفسيّ أنّ الرائحة تساهم كثيرًا في التقارب أو التباعد، وذلك بحسب نوعها. وهنا يلعب الانف الدّور الرئيسيّ بالطبع. وفي هذا الصّدد، وضعَ معهد ألماني يهتمّ بالعلاقات الزوجيّة ومشاكلها، دراسة تحمل عنوان: “الانف هو الطريق إلى علاقة زوجيّة ناجحة” قال فيها “إنّ الانف يلعب دورا مهمًّا في الحياة الزوجيّة، لأن الجسم له رائحة مميزة أشبه بالبصمة، رائحة لها آثار على العلاقة الجنسية. “وكما “كيمياء الانسان” فأنف الانسان يلعب أيضا دورًا أساسيًّا في تمتين أيّ علاقة، وخصوصًا

العلاقة الزوجيّة، فاذا شمَّ أحد الزّوجين رائحة غير مريحة، فقد يعزف عن الاقبال عليه. وهذا ما يؤكّد أهميّة الرّائحة الجميلة والعطرة في لعب دور كبير في تمتين أواصر العلاقات العاطفيّة السّعيدة. وهو ما يُثبت لنا أنّ الأنف مفتاح من مفاتيح العلاقات الزوجيّة، فإمّا أنْ تكون عامرة، وإمّا لا تكون. وممّا لا شك فيه أنّ أولويّة الكلام والتلامس وإظهار المشاعر،  لا تتخطّى أولويّة الانف الذي يبادر إلى تغيير كلّ المزاج، إنْ لم تعجبه رائحة نابعة من الشّريك أو من المكان المحيط”.

 إنّ لحاسة الشم علاقة قويّة جدًّا بالذّاكرة، وإنّ للروائح قدرة على تنشيط الذّاكرة، والمساعدة في تذكُّر أشياء قد مضى عليها زمن بعيد. والجدير بالذكر ههنا أنّه في إحدى التجارب تمَّ إطلاق رائحة في غرفة يذاكر فيها بعض الطلاّب، وخلال الامتحان تمّ إطلاق الرّائحة نفسها، فكانت الإجابات مرتفعة بشكل ملحوظ . كذلك جرى تحديد أنّ الذين يتعرّضون لأذى في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة في الدّماغ، لا يستطيعون تمييز الرّوائح. بالإضافة إلى أنّ الذاكرة الشَمّية هي أوّل أنواع الذاكرة الحسيّة التي تضعف مع تقدّم العمر.  وثمّة نوع من العلاج المعتمد على الرّوائح يكون للأنف فيه والجلد والدماغ الدور الأساس، وهو ” فنّ قديم تُستخدم فيه العطور أو الزّيوت الأساسيّة والمطلقة، وغيرها من المواد لتحقيق فوائد بدنيّة ونفسيّة، ولكلّ رائحة أو زيت قوّته العلاجيّة الخاصّة، مثل تخفيف التوتّر ومقاومة العدوى الميكروبيّة وزيادة الإنتاجيّة، وقد استخدمت الحضارات القديمة العلاج بالرّوائح، ويُعتقد أنَّ عمره ستة آلاف عام”. وقد أكّدت الكثير من التّجارب صِحّة هذا العلاج، فمن خلال استخدام تقنيّة التّخطيط الموجيّ للدّماغ، أمكن تحديد فعاليّة الكثير من الرّوائح والعطور على تغيّر “الكيف”، حيث قُسّمت الرّوائح تبعًا لهذه الدراسة، إلى روائح مهدّئة وروائح مستفزّة. وجرى تبعًا للنتائج تحديد كيمياءات العطور العاملة على تهدئة الأعصاب وتكييف المزاج.

على صعيد آخر، إستطاع العلماء مؤخّرًا، أن يخترعوا آلة أطلقوا عليها إسم الأنف الإلكترونيّ E-Nose، تحاكي في عملها الأنف، ويعمل العلماء على تطويرها، وهي تتألف من مُتحسِّسات دقيقة جدًّا، تشكّل بمجموعها حجمًا صغيرًا، يعادل حجم أنف الإنسان، وترتبط بجهاز حاسوب لتحليل البيانات الواردة إليه من هذه المتحسِّسات. ويضع العلماء أملًا على هذا الأنف الجديد في الكثير من المشاريع، فهم يأملون استعماله لتحديد الرّوائح في الفضاء، ولمساعدة المرضى الفاقدين لحاسّة الشمّ، وللإنذار المبكر عند حدوث تسرّب في الغاز أو وجود دخان، ولتطوير صناعة العطور، وللمساعدة في التعرّف على بعض المواد الكيميائيّة خلال التّجارب العلميّة، ولمراقبة التلوّث الحاصل في بيئة المعامل وإعطاء تحذير في حالة حصول أيّ تسرُّب لمواد كيميائيّة.

الجاه

  وللأنف، كذلك، دليل الجاه: “فله مكانة مهمّة في تحديد ملامح الوجه، خاصّة أنهّ يُشكِّل مقدَّمته. ويعتقد أصحاب الفراسة أنه يحدّد مكانة المرء الاجتماعيّة . فقد كانت تماثيل الملوك في مصر القديمة تتمتّع بأنوف بارزة، بينما صُوِّرتْ أنوف تماثيل الرعيّة صغيرة، كأنّما يدلّ عظم الأنف على الرّفعة والمكانة العالية، وفي علم الفراسة يدلّ الأنف الكبير على عدوانيّة الاشخاص، بينما يشير الأنف الصغير إلى الهدوء، ويكون صاحب الأنف العريض مهملاً، بينما يدلّ الأنف الطويل إلى أنّ صاحبه من الاشخاص القلقين، ويشير الأنف المدبَّب إلى الفضول.

  إنّه الأنف، بل إنه العضو الواضح، الغامض، الهامشيّ، الأساسيّ، الآنِف، المُحِبّ، الكارِه، المستحسِن، المشمئِزّ. فاحذروه، وادركوا جيّدًا عالمه السريّ الذي قد يؤدّي بصاحبه إلى مهالك الإدمان على تنشّق المخدّرات، أو قد يصحبه إلى جنائن العطور فوق سحب الروائح الزكيّة ومكامن الخيالات الزهيّة وتذكارات اللقاءات العاطفية، وذلك كأجمل ما يكون اللّقاء.

الكاتبة الصحفية غادة علي كلش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *