الاتجاه الديني في (الأدب) الشعر في عصر صدر الإسلام
الدين والتراث والدولة
بحث
كتبت تغريد بو مرعي
لبنان/ البرازيل
الاتجاه الديني في (الأدب) الشعر في عصر صدر الإسلام
يعود الاتجاه الديني في الشعر إلى فترة مبكرة من تاريخ الشعر، خاصة بعد نزول القرآن الكريم، حيث كان يستخدم كوسيلة للتعبير عن الإيمان والتقوى. ومنذ ذلك الحين، تطور هذا الاتجاه وتنامى بفضل جهود عدد من الشعراء المؤمنين.
في بداية التاريخ، كانت المواضيع الدينية في الشعر تتمحور حول قصص الأنبياء والأحاديث النبوية، وكان يستخدم هذا الشكل من الشعر لإظهار التقدير للأديان المختلفة. وفي فترة ما بعد ذلك، ازدهر هذا الاتجاه في عصر الإنحدار والعصور المتتابعة والعصر العثماني بسبب تشجيع الدولة العثمانية.
في عصور أخرى، أصبح استخدام الموضوعات الدينية في الشعر أكثر انتشارًا، خاصةً في فترة التغيرات التاريخية والسياسية. فقد استخدم الشعراء المسلمون في العصور الوسطى شكلاً من أشكال التصوف في شعرهم، وكانت هذه الموضوعات تتناول الإيمان والتقوى والزهد والمدح النبوي ، إضافة إلى المناجاة والوعظ والدعاء والجدل المذهبي.
بشكل عام، يمكن القول إن استخدام الموضوعات الدينية في الشعر يستمد قوته من قدرة هذه الموضوعات على إظهار التقدير للإيمان والتقوى. كما أن استخدام هذا الاتجاه يساعد على تحسين فهم المجتمع لأساسيات الديانة، كما يساهم في نشر رسائل إيجابية حول التآزر بين جميع أصحاب المذاهب.
أ – شعر التصوف:
التصوف هو فلسفة دينية تركز على البحث عن الحقيقة الروحية والتواصل مع الله. يعتبر التصوف جزءًا من الإسلام والمسيحية واليهودية، ولكنه يختلف عن التعاليم الدينية التقليدية في تركيزه على الجانب الروحي للإيمان.
ويُعد الأدب الصوفي أدبًا رمزيًا يعنى بالبحث عن الحقيقة والوصول الى جوهر الأشياء وكشف ما وراء الطبيعة كأداة لتحقيق وتعزيز حالة من التأمل والاتصال بالروحانية. والتجربة الصوفية تجربة باطنية تمثل التجربة الـشعرية, ولذلك بدا الأدب الصوفي يتميز بالغموض الشفاف و العمق و الإيحاء ومخاطبة الوجدان وترك مخاطبة العقل.
أما بالنسبة للشعر، فإنه يستخدم في التصوف كطريقة لإظهار المشاعر والأفكار المتعلقة بالروحانية والعباداتِ المستمرّةَ والإقبال على التوبة والتخلّي عن العلائق المادّيّة والرياضات الشاقّة،. يستخدم شعراء التصوف أساليب شعرية مثل المجاز والتشبيه والمعاني الدقيقة والغموض والصور المعبرة وغيرها لإظهار مفاهيم التصوف.
أحد أشهر شعراء التصوف في العالم العربي هو الشاعر الصوفي المولوي، اسمه: «جلالالدين محمد، واشتهر بالمولوي وبـمولانا جلالالدين الرومي نسبة إلی بلاد الروم، حيث قضی أكثر حياته في قونيّه، الذي كتب قصائد عن التصوف والحب والروحانية. يستخدم المولوي في شعره رموزًا مثل الحب والخمر والطير والناي والماء والضوء لإظهار مفاهيم التصوف، من خلال التعبير الرمزي الذي يأخذ شكل الحديث الغزلي المرمز.
وقد سجل الصوفيون مشاعرهم ومواقفهم الدينية من خلال الشعر، واستخدم المتصوفة الأدب لنشر عقائدهم وقد جاء أدبهم معبرًا عن الرياضة الروحية، الإطلال على عالم القداسة الغيبي، وعرض آرائهم وإيضاحها خوفًا من التفسير الخاطئ، فكان لبعض الشعراء الصوفيين طرائق في التعبير المباشر الذي يعرض العقائد من غير إشارة واضحة أو رمز ، خوفًا من الطعم بعقيدتهم ومهاجتمهم ، بينما لجأ آخرون إلى التعبير الرمزي الذي يأخذ شكل الحديث الغزلي المرمز، كاستعارة حديث (الخمر والغزل) الذي يفيض بالوجد والتعلق بالمحبوب للتعبير عن تعلقهم بالذات الإلهية جاعلين من الخمرة الشعرية طريقًا للشعور بالنشوة وغياب الوعي والإستغراق الروحي.
ب – شعر المدح النبوي:
المديح النبوي هو ذلك الشعر الذي ينصب على مدح النبي صلى الله عليه وسلم بتعداد صفاته الخلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياته ، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية وذكر سيرته العطرة شعرًا والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديرًا وتعظيمًا، والإشادة بصحبه الكرام وطلب الشفاعة منه يوم القيامة. وغالبًا ما يتداخل المديح النبوي مع قصائد التصوف وقصائد المولد النبوي التي تسمى بالمولديات.
وقد سمي هذا الفن مديحًا لا رثاءً ، لأن الرسول حي نفوس المسلمين برسالته وسنته ومبادئه التي بُعث من أجلها. نشأ المديح النبوي في صدر الإسلام، واستمر النظم فيه في العصرين: الأموي والعباسي.
ويتسم هذا المديح بالصدق والمحبة والوفاء والإخلاص والتضحية والانغماس في التجربة العرفانية والعشق الروحاني اللدني، لأنه مدح خاص بأفضل خلق الله ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وتعرف المدائح النبوية كما يقول الدكتور زكي مبارك بأنها فن:”من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”.
، وهناك اختلاف بين الباحثين حول نشأة المديح النبوي، فهناك من يقول بأنه إبداع شعري قديم ظهر في المشرق العربي مع الدعوة النبوية والفتوحات الإسلامية مع حسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة. وهناك من يذهب إلى أنه فن مستحدث لم يظهر إلا في القرن السابع الهجري مع البوصيري وابن دقيق العيد.
ج – شعر مدح آل البيت ورثائهم:
الذي أصبح غرضًا من أغراض هذا الشعر حيث ظل قسمًا من شعراء هـذا العصر يمدح عليًا وأبناءه رض الله عنهم ً جميعًا حيث يشيدون بالأحياء منهم، ويبكون من مات منهم على أنهم أضحوا رموزًا دينية عربية افتقد فيهم العرب تأثيرهم في الحياة.
د – شعر التشوق للمقدسات:
حيث أصبح هذا الغرض فنًا شعريًا يتنفس فيه الشعراء إجادة وعرضًا لصدق المشاعر حيث مزجوا بين المرابع الحجازية ومواطنهم وبدت أبيات التشوق للمقدسات في مطالع المدائح النبوية وقصائد التصوف وقصائد الحنين وقصائد المدائح التقليدية، قد نجد في أبيات
الشوق للمقدسات ذكرًا لنساء ليس لهن ملامح من عصر الشعراء جاء ذكرهن لبث الـشاعر شوقه ووجده تعبيرًا عن غزل رمزي كان عند المتصوفين موجهًا للذات الإلهية، وعند غيرهم تعبيرًا عن عواطف نبيلة ومشاعر روحية.
هـ – الدعاء والمناجاة:
الدعاء تعبير للعبد عن مشاعر شوق ومحبة وحاجة الله تعالى في لحظة صفاء, وانتظامه في الشعر يقربه من الناس ويضمن انتشاره، وهو عبارة خالصة يلجأ إليها الناس في العسر واليسر، تمثل الحديث الداخلي مع الخالق يتّسم بالصدق والحرارة والإخلاص.
وقد أصبح هذا الغرض فنًا أ دبيًا خالصًا على مر العصور وتأكد كثيرًا في العصر العثماني تنافس الشعراء في إتقانه وإبداع أساليبه حتى غدت نصوص الأدعية من أرق فنون الأدب، وقد نظم الشعراء القصائد الطوال
في ذلك خالصة في الدعاء لا يخالطها موضوع آخر.
و – الزهد: اهتم شعراء العصر العثماني بشعر الزهد بسبب اتساع الشقّة بين الغنى والفقر في عصرهم
وعدم قدرة الكثير من الناس على تحقيق حاجاتهم الدنيوية مما جعلهم يتأسون بسيرة بعض الصحابة في التقليل من شأن الدنيا والإقبال على الآخرة ضمن سلوك إسلامي صـحيح, وقد حملت دعوة الشعراء إلى الزهد في هذا العصر خطر الانزلاق إلى (التواكل) الذي يسيطر على نفوس الكثير من أهل هذا العصر فقبلوا الظلم ولم يتصدوا له، بل ركنوا إليه وتعايشوا معه.
ز – شعر المواعظ:
ازدادت ظواهرالخروج عن الدين ومخالفته في عصر كثر فيه الخطأ والغلط, فاضطر الشعراء إلى سلوك سبل النصح والوعظ شعرًا معتبرين أن معاناة الناس في ظلمهـم وفقرهم وبلائهم هي عقوبات عاجلة لمجتمع كثرت فيه الفواحش وجهر فيه بمخالفة الشريعة. كثر شعر الوعظ ولاقى قبولًا عند الناس، وقد نُظمت في الوعظ والنصائح الكثير من القصائد الخالصة تحث العامة من الناس على التزام أوامر الدين ونواهيه وضرورة التحلي بالأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن وإصلاح ذات البين والتنبيه على العفة.
ح – شعر الجدل الديني:
وهو الحجج والبراهين التي ساقها أصحاب كل مذهب لترويج مذهبهم وإبطال ما سواه مما حدا بالناس أن يلتزموا بمذاهبهم في جو أقرت فيه الدولة العثمانية أصحاب كل عقيدة على عقيدتهم ولو بعدت عن روح الإسلام وجوهره، ولم يقف الحكام العثمانيون في وجه الانحراف العقيدي كما أنهم لم يحاربوا ظهور فرق دينية جديدة، وقد ظهر هذا الخلاف المذهبي على ألسنة
الشعراء فخاض فيه شعراء ونهى عنه آخرون وبينوا خطره على الرغم من أن هذا الخلاف المذهبي العقائدي قد شقّ صف الناس وأضعفهم وألهاهم عن التصدي لأعدائهم.
الكاتبة تغريد بومرعي