الرعي…..!! للكاتب عبد السلام العابد


من الصور البهيجة التي ما زالت تتنسم في الذاكرة، تلك الأيام التي كنت أخرج فيها إلى أرضنا الجبلية ، بمرافقة مجموعة صغيرة من الماعز والضأن التي كنت أرعاها.
وكم كنت سعيدا، وأنا أراها أمام عينيّ، تلتهم الحشائش، وهي في غاية من الانسجام والاطمئنان، فيما كانت الجديان الصغيرة، تبرطع حول أمهاتها سعيدة مسرورة. وكم كنت أحزن، حينما تكبر ويحين موعد بيعها لتاجر الحلال..!! وكم كانت هي وأمهاتها يصرخن ويبكين على الفراق..!!! .
أجل….كنت وأنا فتى أرعى أغنام أهلي، وكان يرافقني دائما صديقان حميمان عزيزان وهما: الكتاب والمذياع.
كنت أسوق شياهي، حتى أصل أرضنا المحاطة بالسلاسل الحجرية، والصبر ذي الأشواك ، وأتركها تلتهم ما يطيب لها من الأعشاب، مع مراقبتها، بين الحين والآخر؛ لئلا تعتدي على أشجار الزيتون، فيماكنت أشغل نفسي بالاستماع إلى الأخبار والأغاني و البرامج الثقافية المتنوعة التي تبثها الإذاعات.
وكانت لهذه البرامج آثارٌ إيجابيةٌ في نفسي، تمثلت في رفع المستوى المعرفي والجمالي والثقافي لديّ، والاطلاع على آخر الأخبار، وتحليلها، وزيادة الثروة اللغوية، وإدراك أهمية الأصوات الإذاعية الجميلة والمعبّرة عن المعاني، والحرص على سلامة اللغة، وحسن الأداء، وعدم الوقوع في الأخطاء اللغوية والنحوية.
أما الكتب التي كانت ترافقني أثناء قيامي برعي أغنامنا فكانت نوعيْن: الأول: الكتب المدرسية. والثاني: الكتب الثقافية ( اللامنهجية ).
لم تكن دراستنا تتم في البيت فحسب، بل إن البرّ كان مسرحا مناسبا لي لقراءة دروسي وفهمها، وما زلت أتذكر المسرب الترابيّ الذي كنت أمشي فيه ذهابا وإيابا، إلى جانب أشجار الزيتون، وأنا أقرأ بصوت عالٍ كتب اللغة العربية أو الإنجليزية، والدين والعلوم والاجتماعيات ….. وعندما يخِفّ كابوس الامتحانات المدرسية عن كاهلي، كان يرافقني كتابٌ في الشعر أو الرواية أو القصة، فأقرأ فيه، وأنا مستمتع غاية الاستمتاع.
وكنت أختار موقعا مناسبا في ظل شجرة ، و أسوّي التراب، وأبعد الصّرار، وأثبّت حجرا كبيرا مسطحا، وأتكيء بظهري عليه، فأقرأ وأطلق بصري على المدى الوسيع، والوادي العميق، والجبال الشاهقة، والروابي الخضراء التي تلونها الأزاهير والورود المتنوعة بأبهى صورة بديعة.


الكاتب عبد السلام العابد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *