السمات الفنية للشعر عند مدرسة الإبداع



من المسلمات التي يجب أن نعترف بها وخاصة في نقد الشعر، أن لكل عصر أدواته ومفرداته الأدبية ولا يمكن الخلط بين القديم والحديث والحكم عليهما بمعيار واحد لا يراعي فرق التوقيت ولا اختلاف البيئة وما استجد من مفردات عصرية وأفكار لها رؤى ومشارب مختلفة ، بل يجب أن نفحص ما ورد إلينا من إسهامات القدماء التي أسهمت في وضع اللبنات الأولي في نقد الشعر بطريقة منهجية منذ فجر الإسلام، ومحاولة فلترة تلك الإتجاهات لبناء نظرية نقدية حديثة تستطيع بأدوات تجمع بين الأصالة والمعاصرة الحكم على جودة الشعر ( العمودي، التفعيلة، النثر) والتفرقة بينه وبين الألوان الأدبية الأخرى التى تكتب باللغة العربية الفصحى أو باللهجات العامية.
يعرف ( محمد ضباشه 2023 ) الشعر بأنه كلام عاطفي يكتب باستعمالات جديدة للألفاظ يؤلفه الطبع وتتقنه الصنعة، يمزج الواقع بالخيال، يدندن على إيقاع وجرس موسيقي داخلي أو خارجي أو كلاهما معا ويؤدي وظيفة إجتماعية ترتقي بالذوق العام.


السمات الفنية للشعر:-


1- الاستعمالات الجديدة للكلمات:-
يعرف الإبداع بأنه خلق شئ جديد لم يكن موجودا من قبل ويتميز هذا الخلق بالاستمرارية وقوة الأثر، ولهذا نجد أن مدرسة الإبداع في الشعر تبتعد عن الكلام التقليدي الشائع والموروثات القديمة في الشعر وتري أنه لابد ان ينسج هذا الكائن الحي من تعبيرات ومعاني جديدة للكلمات تمزج الواقع بالخيال حتى يتحقق شرط الإبداع في قصيدة الشعر.
وتؤكد مدرسة أبولو في الشعر 1932
أن استعمال اللغة استعمالاً جديداً في دلالات الألفاظ والصور بما تدل عليه من إيحاء (كالعطر القمري – الأريج الناعم- الشفق الباكي – أغاني الكوخ – الأنفاس المحترقة – وراء الغمام – شاطئ الأعراف – الجنة الضائعة) .


2- الطبع والصنعة:- الطبع يعني الموهبة التي منحها الله سبحانه وتعالى لبعض الناس ليكونوا شعراء بالفطرة وتأتي الصنعة لتهذيب واتقان ما يكتب من شعر حتى يصل إلى حد الجودة، والصنعة لها أدوات كثيرة يجب على الشاعر تعلمها وهي التمكن من اللغة العربية وتعلم علم العروض وبحور الشعر والقوافي بالاضافة إلى علم البديع وغيره من العلوم المرتبطة باللغة العربية، وترى مدرسة الإبداع في الشعر أن الطبع وحده لا يكفي لإنتاج قصيدة تتميز بالإتقان والإبداع ولذلك يجب على كل من يهتم بكتابة الشعر أن يعود للدراسة والإلمام بكل ما ذكرته سابقا من أدوات، وعليه أن يفرق بين صنوف الشعر (الشعر العمودى- شعر التفعيلة- شعر النثر) لأن لكل صنف سمات تميزه عن غيره من أصناف الشعر الأخري.


3- الواقع والخيال والعاطفة:- فكرة القصيدة يجب أن تكون واقع ملموس ومحسوس لعامة الناس أو تعبير عن تجارب ذاتية للشاعر حتى تعبر بصدق عن التناقضات الموجودة في العالم المحيط بنا، وعند كتابة القصيدة لابد من مزج هذا الواقع بخيال الشاعر وعاطفته الجياشة حتى لا تكون القصيدة مجرد كوبي من الواقع وبعيدة عن لغة الشعر الذي يطرز الأبيات بالرمز والخيال والمحسنات الجمالية حتى تخرج القصيدة كعروس في يوم زفافها تخطف الأبصار من فرط جمالها، أما العاطفة تعنى إحساس الشاعر بالفكرة التي يكتب عنها وعاطفته تجاهها سواء بالمدح والذم أو القبول والرفض او بالتحفظ دون إبداء الرأي.


4- الإيقاع والجرس الموسيقي:-
أ-
في الشعر العمودي يرى ابن طباطبا الإيقاع في قوله: “إنّ للشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه”، فارتبط الإيقاع عند ابن طباطبا باعتدال الوزن وصواب المعنى، وعادة يرى أنصار هذا الإتجاه أن الوزن لا يتحقق ولا يكون له إيقاع إلا بالكتابة على أي بحر من بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي، وبحر المتدارك الذي أضافه تلميذه الأخفش، وقد امتد ذلك إلى شعر التفعيلة الذي إستبدل إيقاع البحر بإيقاع تفعيلة واحدة يلتزم بها الشاعر في كل أسطر قصيدته حتى يحقق شرط الايقاع.
ونحن نرى أن إيقاع القصيدة يمكن أن يتحقق بالطريقة السابق ذكرها أو بأي ايقاع يرى الشاعر أنه يحقق الوزن في كل أبيات القصيدة (الشعر العمودي) أو في الأسطر الشعرية (قصيدة التفعيلة) وكل هذا يعبر عنه بالايقاع الخارجي ثم يأتي دور الجرس الموسيقي الذي تحدثه الموسيقى الداخلية للألفاظ التي يتم انتقاؤها بعناية لإحداث هذا الجرس الموسيقي الذي يطرب الأذن عند سماعه.


5- الوظيفة الاجتماعية للشعر:- الشعر ديوان العرب وذاكرة الأمة وأحد الأعين الرقابية على الأداء في كافة مناحي الحياة ولهذا كان له وظيفة ودور هام يقوم به اجتماعيا وثقافيا وأدبيا، ويرى ت.س
.إليوت أن الشعر له وظيفة اجتماعية تكمن في بناء الوعي بكل تفاصيله الفنية والادبية والفكرية عموما وفي مقدمة كتابه الشعر والشعراء 1956 يحدد الوظائف العامة للشعر وستكون اولى وظائف الشعر عنده (المتعة) المتحققة من وجود الشعر ابداعا وإلقاء، ويلاحظ هنا مدى ارتباط الشعر كغرض بالدين وكذلك استخدام الشعر بشكل مباشر في التراتيل والأناشيد الدينية وكذلك لدى العرب بشكل خاص في المديح والهجاء تكسبا او استهدافا لسياسة، ومن وظائفه الاجتماعية السمو باللغة لتكون أداة للتعبير عن الشعور والوجدان والصدق والعفوية والجمال وهي أعراض واضحة وصريحة، ويضيف إليوت الوظيفة التعليمية والأخلاقية وغير ذلك من وظائف اجتماعية كثيرة للشعر العربي.
وفي النهاية تفتح مدرسة الإبداع في الشعر الباب على مصراعيه لانتقاء ألفاظ جديدة وتراكيب لغوية ابداعية تحلق في سماء الخيال وتهبط إلى الواقع بموضوعات لها علاقة بجمهور المتلقين
كما يرفض هذا التوجه التقليد الأعمى وتكرار ما سبق تكراره من ألفاظ وموضوعات قتلت بحثا للخروج من عنق الزجاجة إلى آفاق الإبداع في الشعر.


الكاتب د.محمد ضباشة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *