الطيور تعود إلى أعشاشها، مجموعة قصصية للأديب الفلسطيني: وجيه ضاهر من الناصرة، صدرت عن دار الفارابي _ بيروت، وتقع المجموعة في 165 صفحة من القطع المتوسط، وتحتوي على 21 قصة قصيرة تتحدث عن الفلسطيني الذي يواجه المحتل يومياً.
اعتمد الكاتب أسلوباً مختلفاً وغير مبسوق للكتابة، يؤثر في فكر ووجدان القارئ، استخدم فيه شخصيات وأحداث حسب وصفه ورؤيته، في زمن وإن حدده وجود الاحتلال، فللكاتب تفصيلاته الزمنية الخاصة، الشخصيات إن بدت للقارئ أنها مألوفة فهي تلبس قلم الكاتب يجردها في مخيلته ويضيف من خياله، استطاع الكاتب من خلالها أن يظهر عمق مأساة هذا الشعب الذي تكررت قصصه، واختلفت بتعدد روايتها، حسب وقعها على من عاشها.
أما عنوان المجموعة “الطيور تعود إلى أعشاشها” الذي قد يوحي بالتفاؤل، وهي الجملة الوحيدة التي قد توحي بالتفاؤل في المجموعة، فالمعنى بعيد عن الطيور وبعيد عن الحرية التي ترمز لها الطيور، الطيور تعود إلى أوطانها، وما وطن الإنسان سوى التراب، وأي تفاؤل ننشدُ في وطنٍ حزين احتل لعقود من الزمن، وعاش أهله مرارة الاحتلال وألم الفقد وسوء الأسر، استطاع الكاتب من خلال هذه المجموعة تحريك الضمير الإنساني، والتأثير على القارئ، شعرت أنني أمام عالم نفس وليس أستاذ رياضيات، يدخل في الصميم ويخاطب الوعي ويكرر الأحداث بصور أكثر وقعاً، ليتمكن من القارئ، ويأتي عليه بكله.
يختفي عنصر التشويق من المجموعة القصصية، لكن ما يجذبك لتكملها تلك الزوبعة من الأفكار التي تعصف بعقلك، حيث استطاع الكاتب خلق طقس مختلف مغاير لكتابة منعكسة باطنها عميق وظاهرها غير اعتيادي، تستدرج القارئ وتجبره على الغوص في أعماقها، وتجعل من الخيال مسرحاً لأفكاره.
فها هو السطيح يمتد وينبت متخيلاً بين الحقيقة والخيال، واليقظة والسبات، ويتعدى قصة مروية لحقيقة محكية، قد تشعر أنه ممدد إلى جانبك، وتجزم أنك رأيته ذات يوم يشبه “زريف الطول” لكن برؤية سوداوية جعلت من الظريف سطيح، في كلا الشخصيتين هو محارب شرس، هما فكرة .. بطلان أسطوريان.. في كل بطل أو محارب منهما نفس، وإن ظنه الناس حديث كتب.
وضوء القمر الذي يرسل أشعته اللطيفة على البيوت والأشجار يختلف حين يدخل غرفة السجن، فهو يكشف بقع الدم الناشفة، التي توحي بالموت، فأي أسير مرّ من هنا وسفكت دماءه، وبردت وجفت، والتصقت بالأرضية والجدران، وحين شعرت بأسير آخر دبت فيها الحياة وتسلقت إلى جسده، هي دماء لروح رحلت باكراً ولم تنل قسطاً وافياً من حياتها.
“حمودة صفحة 51”
الكاتب يرفض أن يُبقي أبطاله في سرداب الموت، لكنها الطريق الوحيدة للوصول، أوقفني السرداب وما زلت عالقة فيه، أسئلة كثيرة تعيق المسير في ذلك السرداب، نجح الكاتب في وضع القارئ في حالة فكرية متداخلة، نوع من الصراع الدائر في المخيلة، الأبطال يجمعهم الفقر، والعوز، والأبطال أيضاً يترجلون عن صهوة الأحصنة الأصيلة، ويخسرون.. فأي صراع هذا!
حمودة الشاب البسيط كل همة البحث عن عمل، وتخبره أمه بضرورة أن يبني مستقبله بساعده فلا أمل له غير ذلك، وبائع الهريسة يكسب نقوده بجدّه، وبين بحثه عن قوت يومه وبحثه عن ابنه باسم تختبره الأيام، فلا تعود هريسته تحمل ذات المذاق ولا يجد ضالته بالعثور على ابنه، وكأن هذا الشعب محتّم عليه الخسارة .. الحرمان.. الفقد… والفقر.
يذكر أن الأديب: وجيه ضاهر، من مواليد الناصرة – فلسطين. أستاذ دكتور في العلوم التربوية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس وهذا هو الإصدار الثالث بعد أصوات المدينة (رواية)التي صدرت في رام الله، 2008، دوائر التيه (مجموعة قصصية) صدرت في كفر كنا.
الكاتبة إسراء عبوشي