العنكبوت للكاتبة رانيا الصباغ

 

جلسَتْ في سَوادها تتلقى العزاء في زوجها المُتوفى.
عيناها تفيضان بالدمع السخيّ، وجسدُها منهكٌ كأنّه بناءٌ آيلٌ للسقوط.
احتضنها ابنها مواسياً :

  • لا تبكِ يا أمي، لقد أرهقه المرض كثيراً وأنت أيضاً تعبتِ معه. سنتان وأنتِ تعتنين به بمفردك وهو طريحُ الفراش.
    لقد صبرتِ وحملتِ ما ينوءُ عن حمله الأشداء . جزاك الله عنه ما أنتِ أهلٌ له من خيرٍ وعطاء.
    لم تمضِ إلا أعوامٌ قليلةٌ حتّى سقطَتْ الأرملة في قبضة المرض الذي ألزمها الفراش.
    سارع ابنها في نقلها إلى منزله ليتولى وزوجته العناية بها. كيف لا؛ وهو وحيدها.
    كانت الزوجة تعتني بها أثناء غياب زوجها فتناولها الطعام والشراب والدواء دون تقصيرٍ أو إهمالٍ، غير أنّها كانت تتمتم بكلماتٍ لم تستطع العجوز سماعها بوضوحٍ.
    ذات يومٍ رفعَت صوتها قليلاً فتناهى إلى سمعها ما تقول:
    “متى تموتين فنستريحُ منكِ؟”.
    ارتعدَت ثمّ تسمرَت نظراتُها وكأنّ الماضي يَمثُلُ أمامها. استجمعَت شجاعتَها وأجابَت:
    بعد سنتين سنتين! كيف احتملك لسنتين؟ ثم ما أدراك؟
    _هذا السّمُ يقتلُ في سنتين. صدّقيني فأنا الأَخبَرُ به.
    رفعَت الطعام وهي تنظرُ إليها وتبتسمُ بمكرٍ. فقد وجدَتْ ضالّتها بعد يأسٍ.
    لم تعشْ العجوز بعدها إلا ثمانيةَ أشهرٍ .ربّما كانت الجرعة اليوميّة التّي حَظِيَتْ بسماعها أكبر

 

الكاتبة رانيا الصباغ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *