الفصل الأخير..



في السّرير الذي جمعنا عقودا، ثمّة أنّات وآهات وجع تصدرها رفيقتي بين الحين والآخر، وأنا أتعمّد أن لا أسألها السّبب، الوسادة كانت تنقل لي مشاعر الحزن والقلق تجاه ما سيكون بعد أسبوع، وتنقل خوفها وتترجم عصبيّتها تجاه أيّ حركة أو كلمة أو صمت، صرّحت لنفسي متعجّب من أمر وسادتينا.. كانت وسادتها توشوش وسادتي، تزوّدها بتفاصيل ألم الرفيقة، وأنا أبكي حزنا عليها، تأمرني بأن لا أبيّن عواطفي.. وأن أتجرد من إبداء رغبتي بالتّحدث إليها، وأن لا أشاركها دمعا بدا كغيمة حزن ماطرة على وسادتي، تغسل تجاعيد خدّي ولا ترأف بحالي.


الليل المهووس بغرس الألم فيها، يدقّ مسامير الوهن في جسدها ويقض مضجعي.. صاحت: آه.. آه.. يا الله.. مسحت وجهي من الدمع وأدارته نحوها بسرعة وقلت: لا بأس يا حبيبتي..يبدو أن مفعول الدواء قد انتهى بسرعة هذه الليلة، أرجوك سامحيني.. لا أستطيع أن أعطيك قرصا إضافيا إلا بعد ساعتين.. قالت وقد مدّت يدها إليّ: إقرأ لي المعوّذات.. وهاتَ لي مرهما يُخدّر ألمها.. ويُخفّف من نارها التي تشتعل في داخلي.


وأخرست لسانها فلم تجرؤ على البوح بقهرها حتى لنفسها، كما يجرؤ قلبي على البوح بكلّ شيء لها الآن، ترى.. هل سمعت ما باحت به نفسي لنفسي؟
يا إلهي..ماذا لو أنها سمعت وغضبت وأفلتت يدها من بين يديّ؟ ماذا لو أبعدتني ثمّ ركلتني، لا.. لن تفعلها.. طيّبة هي.. تصدّق أقوالي وتتباهى بأعمالي.
رفعت رأسها عن صدري وقالت: كم أنا آسفة لأني عكّرت صفو ليلتك ولم تهنأ بنومك، أدرك مدى اهتمامك بمشروعك الجديد، وما يعنيه لقاؤك صباحا مع المهندس..
قلت: لا بأس عليك يا حبيبتي.. لا عليك أخذت يدها وقبّلتها ثانية، فقالت: ناولني مخطوط الرواية من فضلك..
ماذا؟ مخطوط الرواية؟
كم أنا محتاجة للكتابة!
ما الذي يدفعك للكتابة الآن؟
الكتابة متنفّسي.. هي ليست الصّنعة السّهلة بل هي الإلهام الصّعب يا عزيزي وقد جاءني وحيُها.
أخاف أن يزداد ألم يدك إن كتبت فصل روايتك الأخير..
لا أستطيع الكتابة..يدي بترت منذ زمن، ولساني قطعه شيطاني الأخرس..
ماذا ستفعلين إذن؟
سأملي عليك ما ألهمتني به دقّات قلبك لإنهاء فصل روايتي الأخير..
ماذا؟
كانت نبضاتك راعية خيالي، دوائي في حضرة الألم، فاستوحيت من موسيقاها ما أطرب خاطري لأكمل الكتابة.

الكاتبة نزهة الرملاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *