الفضول القاتل أوبنهايمر

بعد أن اكتشف علماء النظرية (الكمومية) القدرة على شطر الذرة؛ وجدوا أن هذا النجاح قد ولّد معضلة جسيمة؛ ألا وهي الاحتمالات التي يتخذها هذا الانشطار بما يجعل النتائج غير مسيطراً عليها. حينها قال البرت اينشتاين قولته الشهيرة: أننا في طريق تدمير العالم. هذه المقولة ونتائجها كانت هي موضوع الفلم المثير للجدل المنتج حديثاً (أوبنهايمر).

الفلم يكاد يكون سيرة لهذا العالم اليهودي الكمومي (اوبنهايمر) الذي يصفونه بـ(أبو القنبلة الذرية الأمريكية). يتوفر الفلم على مشاهد عديدة للقاءات أوبنهايمر مع البرت اينشتاين و الدنماركي نيلز بور صاحب النظرية الكمومية. يتداولون عبر المعادلات الرياضية احتمالات ذلك الانشطار وإلى اين يمكن أن يؤدي. هنا يظهر حدس هذا العالم اللافت وهو يرى أن نتيجة هذا الاكتشاف لن تقود سوى إلى (القنبلة). يصل إلى المخابرات هذا السر العلمي. تضعه في أجندتها. لكنهم يواجهون معضلة؛ كون أوبنهايمر محسوباً على الشيوعيين. ملفه عندهم يقول أنه لصيق بالتنظيمات النقابية الشيوعية وهو حتى يتبرع بالمال إلى الشيوعيين الاسبان في مقاتلتهم للجنرال الفاشي فرانكو. عدا أن زوجته الأولى شيوعية ملتزمة وأخوه شيوعي ملتزم وحتى زوجته الثانية كذلك شيوعية. كيف النفاذ إلى تجنيده وهو بهذا التاريخ..؟

لكنها الحاجة الماسة إلى هذا السلاح الذي أُعلن عنه في تجمع للعلماء. سلاح لا يشبه أي من الأسلحة التي عرفها البشر حتى ذلك الحين، قنبلة قادرة على دمار وإفناء مدن كاملة بكل موجوداتها من بشر وحيوان ونبات وحجر. في النهاية هو السلاح الذي يجعلك تكسب الحروب حتى دون خوضها.

من اللقاءات المثيرة في الفلم لقاء اوبنهايمر مع البرت اينشتاين. يعرض عليه إحدى المعادلات التي اكتشف زميل لاوبنهايمر خطأً فيها. يطالع اينشتاين الأوراق العديدة التي دونت فيها المعادلة، ثم يعيدها إليه. يذكّره: أنت تعرف أنا ضد هذا الشيء، يقصد معادلات الفيزياء الكمومية، أنا أرى الخطأ هنا –يؤشر على موضع في الورقة-.. لكنه مشروعك. اتصل بـ(نيلز بور) هو الوحيد القادر على اكتشاف الخطأ في هذه المعادلة.

ينجح أخيراً اوبنهايمر وفريقه المكون من علماء وضباط مخابرات بتجريب وإنتاج القنبلة وتُستخدم في إخراج اليابان من معادلات كل الحروب وليس تلك الحرب فقط. ليبدأ بعدها ثأر المخابرات الأمريكية مع شيوعية هذا اليهودي الجامح، جندوه ووضعوا بيده أخطر أسرارهم وهم غير واثقين تماماً من احتمالية تسريب السر إلى السوفييت. على الأخص مع ورود شكوك أنهم (السوفييت) قد وصلوا للسر من داخلهم، هم لم يفتقروا لخيرة علماء الفيزياء. هم أما قريبون من الانتاج أو قد انتجوها (القنبلة). لتبدأ من الآن محاكمة اوبنهايمر من قبل لجان خاصة من المخابرات الأمريكية. محاكمة لكل سيرته السابقة، بجريرة أقاربه هذه المرة، بعد أن تأكدوا أن الرجل مخلص لأمريكا ولم يكن منتمياً للحزب الشيوعي الأمريك.

أنها فوبيا الرأسمالية من الشيوعية التي أوصلت العالم إلى ما وصل إليه اليوم، عالم متشظ ومقبل على هلالك نفسه بنفسه.

ومن المفارقات على هذه الفوبيا كتب (غوليانو) في كتابه (أبناء الأيام) وهو يؤرخ الأيام بما حملت:

نيسان/ 1955/ مات البرت اينشتاين.

حتى اليوم، وطوال اثنين وعشرين عاماً، ظل مكتب التحقيقات الفيدرالي، يراقب هاتفه، ويقرأ رسائله ويفحص دلو قمامته. كانوا يتجسسون على اينشتاين لأنه جاسوس، جاسوس لموسكو: هذا ما يقوله ملفه الشرطي كثير الأوراق. ويقول أيضاً أنه اخترع شعاعاً مهلكاً وروبوتاً قادراً على قراءة الذهن البشري. ويقول إن اينشتاين كان عضواً ومشاركاً ومنضوياً إلى أربع وثلاثين جبهة شيوعية ما بين العامين 1937 و1954، وقاد كرئيس شرف أربع منظمات شيوعية، ولا يبدو أنه يمكن لرجل بهذه السوابق أن يتحول إلى مواطن أمريكي مخلص.

حتى الموت لم ينقذه. فقد تواصل التجسس عليه. ولكن ليس من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي هذه المرة، وإنما من زملائه رجال العلم الذين قطعوا دماغه إلى مئتين وأربعين قطعة ودرسوها بحثاً عن تفسير لعبقريته.

هذا بالرغم من أن اينشتاين قد نبّه الجميع:

– الشيء الوحيد غير العادي فيَّ هو فضولي..!

الروائي والقاص كريم كطافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *