1) الموضوع والمعنى:
هذه اللوحة هي “الصرخة” للفنان النرويجي إدوارد مونك Edward Monk، وهي واحدة من أشهر اللوحات في تاريخ الفن التعبيري. الصرخة تعني انفجار بركان من الغضب والألم واللاعدالة التي تجعل الإنسان غريبا وسط مجتمعه، تائها وحائرا وفاقدا لمستقبل يؤمن له حياتا مستقرة. وقد صور الفيلسوف الألماني كارل ماركس Karl Marks هذه الحالة وسماها بالإغتراب alienation.
2) التحليل البصري:
أ) العناصر البصرية:
تمثل اللوحة شخصية مركزية وحيدة تقف على جسر، تمسك رأسها بيديها، وتفتح فمها في صرخة تعبر عن الرعب أو الألم. وجه يشبة الجمجة التي تدل على الفناء والخوف، وقد عزز هذا التصور تلك الخلفية وهي سماء حمراء مشتعلة تعزز الشعور بالاضطراب، مع وجود البحر الأزرق الداكن والجسر الخشبي. والظلال والانحناءات التي تبرز إحساس الحركة والتموج، وكأن العالم كله يهتز مع تلك الصرخة.
ب) الألوان:
مزج غير متدرج بين الألوان كما في الرسم التقليدي؛ بل جعل السماء تبدو وكأنها “ممزقة” بخطوط متداخلة من الأحمر والبرتقالي وهذه الطريقة تعزز الفوضى وتُظهر انعدام الاستقرار العاطفي، كأن الطبيعة نفسها تعكس صرخة الشخصية. اللون الأحمر والبرتقالي يسيطران على السماء، ما يوحي بالعاطفة القوية، الخطر، أو حتى الكارثة. أما الأزرق الداكن والأسود يضيفان إحساسًا بالكآبة والعزلة. الأزرق الداكن يعطي إحساسًا عميقًا بالخوف والانغماس في اللاوعي. وقد برزت خطوطٌ متموجة وغير منتظمة في السماء والمياه، تتناقض مع الخطوط المستقيمة للجسر، مما يخلق تضادًا يعزز التوتر الداخلي في العمل.
3) رموز اللوحة:
وتشمل الشخصية المركزية التي تمثل الإنسانية بشكل عام، أو أي فرد يشعر بالعزلة في مواجهة الكون والتي سميناها الإغتراب. والسماء الحمراء وكأنها نهاية العالم أو اضطراب داخلي يعصف بالشخصية. بينما بدا الجسر كوصل يمثل الرابط بين العالم الواقعي والعالم النفسي الداخلي المضطرب بوجود شخصيات بدت غير مبالية أو غير واعية بما يحدث، مما يعمق شعور العزلة. ويتعمق الألم عندما نصرخ والاخرون يتجاهلون معاناتنا كما بدت في خلفية اللوحة.ٍ
4) التقنية والأسلوب والتأثير الفني:
المهتم بالفن التشكيلي يفهم منذ الوهلة الأولى أن “مونك Monk” أحد رواد الأسلوب التعبيري، حيث يتم تضخيم المشاعر الداخلية من خلال الألوان والخطوط بدلاً من محاكاة الواقع. يركز على الانطباع العاطفي أكثر من التفاصيل الواقعية، مما يجعل اللوحة مؤثرة عالميًا.
الصرخة” لوحة رسمت في عام 1893، في أواخر القرن التاسع عشر. إنها إذن رمز عالمي للحالة الإنسانية، حيث يمكن لأي شخص أن يربط نفسه بهذا الشعور كجزء من اللاوعي الجمعي في تلك الفترة التي سادت فيها الفوضى في الأفكار التي بلورتها النظريات المحتلفة المؤثرة مثل نظريات فرويد وأدلر ونيتشة وماركس وهيكل ونظرية التطور لجارلس دارون وغيرها. ألهمت أجيالًا من الفنانين، خاصة في الحركات التعبيرية والحداثية. ومنهم صرخة الفنان التشكيلي المبدع العراقي “علي عبد الكريم” التي سنشير اليها في وقت لاحق.
ملاحظة: تم بيعها في 2012 بمبلغ 120 مليون دولار تقريبا لرجل الأعمال الأمريكي ليون بلاك، في مزاد سوثبي للفن الانطباعي والحديث.
تحياتي والورد.
الكاتب علي البدر