القراءة النقدية للكاتبة والباحثة وفاء داري ضمن المنهج البنيوي الفائزة بجائزة الإتحاد الثقافي في دورتها السادسة ٢٠٢٤ على المستوى العربي، وحصولها على المركز الأول في فرع النقد الأدبي بمشاركة بعنوان: قراءة تحليلية لقصيدة ” نون وما يسطرون”

المقدّمة


ظهر المنهج البنيوي في المجال النقدي بعد ظهور مدارس واتجاهات متعددة في اللغة واللسانيّات في بدايات القرن العشرين ، وقد كان ذلك في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين مع رائدها “فرديناند دي سوسير” ، من خلال كتابهِ “محاضرات في اللسانيات العامة” ، الذي نُشر في باريس سنة 1916م، وقد أحدثت هذه اللسانيات أبستمولوجيا “معرفية” مع فقه اللغة والفونولوجيا الدياكرونية.
وكان الهدفُ من الدرسِ اللساني هو التعامل مع النص الأدبي من الداخل وتجاوز الخارج المرجعي واعتباره نسقًا لُغويًا في سكونهِ وثباتهِ، وقد حقق هذا المنهج نجاحه في الساحتين اللسانية والأدبية حينما انكب عليه الدارسون بلهفة كبيرة للتسلح به واستعماله منهجًا وتصورًا في التعامل مع الظواهر الأدبية والنصية واللغوية. وأصبح المنهج البنيوي أقرب المناهج إلى الأدب؛ لأنه يجمع بين الإبداع وخاصيته الأولى وهي اللغة في بوتقة ثقافية واحدة، أي يقيس الأدب بآليات اللسانيات بقصدِ تحديدِ بُنيات الأثر الأدبي، وإبراز قواعده، وأبنيته الشكلية، والخطابية.


الاشتقاقات اللُّغويّة لكلمة بنية


تشتقُّ كلمةُ (بنية) من الفعلِ الثلاثيِّ (بنى) وتُعني البناءَ أو الطريقةَ، وكذلك تدلُّ على معنى التشييدِ والعمارةِ والكيفيةِ التي يكون عليها البناءُ، أو الكيفيةُ التي شُيّد عليها ، وفي النحو العربي تتأسسُ ثنائيةُ المعنى والمبنى على الطريقةِ التي تُبنى بها وحدات اللغةِ العربيةِ، والتحولات التي تحدثُ فيها. وفي النحو العربي تتأسسُ ثنائيةُ المعنى والمبنى على الطريقةِ التي تُبنى بها وحدات اللغةِ العربيةِ، والتحولات التي تحدثُ فيها. ولذلك فالزيادةُ في المبنى زيادةٌ في المعنى، فكلُّ تحولٍ في البنيةِ يؤدي إلى تحول في الدلالةِ، والبنيةُ موضوعٌ منتظم، له صورتهُ الخاصةُ ووحدتهُ الذاتيةُ؛ لأنَّ كلمةَ (بنية) في أصلها تحملُ معنى المجموعِ والكلِّ المؤلِّفِ من ظواهرَ متماسكةٍ، يتوقفُ كلٌّ منها على ما عداه، ويتحددُ من خلالِ علاقته بما عداه.


الدلالة الاصطلاحية.


لقد واجه تحديدَ مصطلحِ البنيةِ مجموعةٌ من الاختلافاتِ ناجمةً عن تمظهرِها وتجليها في أشكالٍ متنوعةٍ لا تسمح بتقديمِ قاسمٍ مشتركٍ؛ لذا فإن جان بياجه Jean Piagetارتأى في كتابه (البنيوية) أن إعطاء تعريف موحد للبنية رهينٌ بالتمييز “بين الفكرة المثالية الإيجابية التي تُغطي مفهوم البنية في الصراعات أو في آفاقٍ مختلفةِ أنواعِ البنياتِ، والنيات النقديةِ التي رافقتْ نشوءَ وتطورَ كلِّ واحدةٍ منها مقابلَ التياراتِ القائمةِ في مختلفِ التعاليم” . فجان بياجيه يقدم لنا تعريفًا للبينة باعتبارها نسقًا من التحولات:” يحتوي على قوانينهِ الخاصةِ، علمًا بأنَّ من شأنِ هذا النسقِ أن يظلَّ قائمًا ويزدادَ ثراءً بفضلِ الدور الذي تقومُ به هذه التحولاتُ نفسُها، دون أن يكونَ من شأنِ هذه التحولات أن تخرجَ عن حدودِ ذلك النسقِ أو أن تستعينَ بعناصرَ خارجية، وبإيجاز فالبنيةُ تتألفُ من ثلاثِ خصائصَ: هي الكليةُ والتحولاتُ والضبط الذاتي” . كما نلحظ أنَّ التعريفَ السابقَ يتضمنُ جملةً من السّماتِ المميزةِ فالبنيةُ أولاً نسقٌ من التحولاتِ الخارجيةِ، وثانيًا لا يحتاجُ هذا النسقُ لأي عنصرٍ خارجيِّ، فهو يتطورُ ويتوسعُ من الداخلِ، مما يضمنُ للبنيةِ استقلالاً ويسـمحُ للباحثِ بتعقلِ هذه البنيةِ . وقد أشار بياجيه إلى بعض الخصائص للبنيويّة أنها تنطلقُ في نقدِها للأدبِ من المسلَّمةِ القائلةِ بأنَّ البنيةَ تكتفي بذاتها، فالنصُّ الأدبيُّ مثلاً هو بنيةٌ تتكونُ من عناصرَ، وهذه العناصرُ تخضعُ لقوانين تركيبيةٍ تتعدى دورَها من حيثُ هي روابطُ تراكميةٌ تشدُّ أجزاءَ الكيانِ الأدبيّ بعضَه إلى بعضٍ، فهي تُضفي على الكلِّ خصائصَ مغايرةً لخصائصِ العناصرِ التي يتألف منها البعض . وتأكيدًا لذلك ترى البنيويةُ أنَّ كلَّ نصٍّ يحتوي ضمنيًا على نشاطِ داخلي، يجعل من كلِّ عنصرٍ فيه عُنصرًا بانيًا لغيرهِ ومبنيَّاً في الوقت ذاته، ولهذا فقد أخذت البنيويةُ هذه السمةَ بعينِ الاعتبارِ لتُحاصرَ تحوّلَ البنيةِ وما قد يعتريها من بعض التغيير . كما إن هذه السمةَ تُعبِّرُ عن حقيقةٍ هامةٍ في البنيويةِ، وهي أنَّ البنيةَ لا يمكن أن تظلَّ في حالةِ سكونٍ مطلق، بل هي دائمًا تقبلُ من التغيّراتِ ما يتضمنُ مع الحاجاتِ المحددةِ من قِبل علاقاتِ النسقِ أو تعارضه، فالأفكارُ التي يحتويها النصُ الأدبيُ مثلاً تُصبح بموجبِ هذا التحولِ سببًا لبزوغِ أفكارٍ جديدة .

ويرى كلود ليفي شتراوس، أن المنهج البنياني (اللسانيات، أو الالسنة)، يقوم على تعيين أشكال ثابتة في صلب مضامين مختلفة، أما التحليل البنياني، فهو يقوم على البحث عن مضامين متواترة خلف أشكال متبدّلة . أما رومان جاكسبون R.Jakobson فيرى أن البنيويةَ هي ” القيامُ بدراسةِ ظواهرَ مختلفةٍ كالمجتمعاتِ، والعقولِ، واللغاتِ، والأساطيرِ، بوصفِ كلٍّ منها نظامًا تامًا، أو كلاً مترابطًا، أي بوصفِها بنياتٍ، فتتمُ دراستُها من حيثُ أنساقُ ترابِطها الداخليةُ، لا من حيثُ هي مجموعات من الوحداتِ أو العناصرِ المنعزلةِ، ولا من حيـثُ تعاقبُها التاريخي” .


إن الروافد التاريخية للبنيوية هي مدرسة الشكليين الروس التي ظهرت في عشرينات وثلاثينات هذا القرن، وما سمي بمدرسة النقد الجديد في أمريكيا. وقد دعت مدرسة الشكليين الروس إلى ضرورة التركيز على العلاقات الداخلية للنص أو ما أسماه R.Jakobson أدبية الأدب، وتتكون الأدبية بشكلٍ عام من الأساليب والأدوات التي تميز الأدب عن غيره، أي الخصائص التي تميز ذلك الأدب . فيرى جاكبسون “إن هدف علم الأدب ليس هو الأدب في عمومية وإنما أدبيتهِ أي تلك العناصر المحددة التي تجعل منه عملاً أدبيًا” ويرى ليفي شتراوس أن “البنيةَ مجردُ طريقةٍ أو منهجٍ يمكن تطبيقُها في أي نوعٍ من الدراسات تمامًا كما هي بالنسبةِ للتحليلِ البنيويِّ المستخدمِ في الدراساتِ والعلومِ الأخرى” .


أدبنا الحديث والنظريّة البنائيّة: أما في أدبِنا العربيّ الحديث نجدُ عددًا من النقاد العرب الذين اهتموا بالبنيوية في دراساتِهم وطبقوا مبادئِها وأسسها على النصوص التي درسوها، ونودُّ أن نُشيرَ في هذا المجال إلى ما كتبه موريس أبو ناصر في كتابهِ “الألسنية والنقد الأدبي في النظرية الممارسة”، وخالدة سعيد في كتابها “حركية الإبداع”)، وكمال أبو ديب في كتابه “جدلية الخفاء والتجلي”، وعبد الله الغذامي في كتابه “الخطيئة والتفكير من البنيوية إلى التشريحية”، الذي طبق فيه فَهمه للبنيويةِ على شعر حمزة شحاتة.


وكان النقاد العرب ـ شأن النقاد البنيويين الغربيين ـ يعدّون النصّ بنيةٌ مغلقةٌ على ذاتِها ولا يسمحون بتغيرٍ يقع خارج علاقاتهِ ونظامه الداخلي . كما عرّفه فائق مصطفى وعبد الرضا على أنه: منهج فكري يقوم على البحثِ عن العلاقات التي تعطي العناصر المتحدة قيمة، ووصفها في مجموع منتظم مما يجعل من الممكن إدراك هذه المجموعات في أوضاعها الدالة . وكما ترى نبيلة إبراهيم أن المنهج البنيوي يعتمد في دراسة الأدب على النظر في العمل الأدبي في حد ذاته بوصفه بناءً متكاملاً بعيدًا عن أية عوامل أخرى أي أن أصحاب هذا المنهج يعكفون من خلال اللغة على استخلاص الوحدات الوظيفية الأساسية التي تحرك العمل الأدبي ويوافق الباحث السعافين أن البنيوية ابنة حضارة معينة تنتمي إليها وتحاور منجزاتها المادية والروحية، إنها ذات صلة وثيقة بحركة الحداثة من جانب، وبالدراسات اللغوية الحديثة ومدرسة النقد الجديد من جانـب آخر.


خلاصة


ونلخص مما سبق أنّ البنيويّة منهج نقدي من ابتكار الروس ظهر في بداية القرن العشرين أسس له “فرديناند دي سوسير”، واشتهر في فرنسا على يد “كلو ليفي شتراوس” في ستينات القرن نفسه. وترجع الجذور التاريخيّة للمنهج البنيوي إلى المدرسة الشكلانيّة الروس، وقد ظلّ المنهج البنيوي غامضا حتى عند الغرب أنفسهم، لأنّه يعدّ خليطا متداخلا من مناهج نقديّة متعددة.


والبنيوية في معناها الواسع تعني بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات والعقول واللغات، ولكنها في معناها الضيّق تعني محاولة إيجاد نموذج لكل من بنية هذه الظواهر وبنيتها على غرار النموذج البنيوي للغة.
إنّ البنيوية منهج يدرس النصوص في ذاته بعيدا عما يدور خارجه، باعتباره بنية مستقلة، وفيه تعدد الألفاظ لأنّ كل مؤلف يقدم تصوره الخاص عن البنية. والمنهج البنيوي يتعامل مع اللغة، وينفي وجود أي واقع غيرها. وقد ظهر البنيوية في العالم العربي في أواخر السبعينيات. ويرجع سبب انتشار البنيوية في العالم العربي يرجع إلى ترجمة كتب ومؤلفات الثقافة الغربية التي تعني بالبنيوية، وقد طبّق البنيويون المنهج البنيوي في النقد بداية في النصوص على النصوص الأدبية.


ووفقا لهذه النظريّة سنقوم بتحليل قصيدة للشاعر الفلسطيني “محمد حمزة غنايم” وقصيدته تحت عنوان “نون. وما يسطرون”. ولماذا تم اختيار هذه القصيدة. ومن هو الشاعر محمد حمزة غنايم.. كل هذه الأسئلة سيتم الإجابة عليها من خلال طرح نبذة عن حياته، وما خطه الادباء عن أثر وانجازات هذا الشاعر. وفي ملخص النهاية.

نص القصيدة للشاعر محمد حمزة غنايم
“نون” وما يسطرون

(1)
نون. لغتك البتول. وجه مدن طريدة/ يطفو
يخطّ أوّل العمر
يخطر في كتاب الليل
يدعوك إلى حلم
ويذرو رملّ وقتك البكر
(2)
نون. لحنُ الوتر المشدود في قرارة الروح
وخفقُ الحبّ إذ يجتاح غارب العصر
(3)
بداية السؤال
نشوة الصادي إذا صار إلى النبع
عذوبة الموّال
(4)
نون. قصيدة تغفو
على سواعد البلد
حرّيّة الولد.
(5)
أغنية الحادي مع الفجر
ترتاد غورَ الجلجلة
تعتق قيد المسألة.
(6)
نون. حنين الوطن الصغير للأهل
وطفلة
أقرب من نفسي إلى نفسي.

نبذة عن حياة الشاعر


وُلد الشاعر والمترجم والمحرر محمد حمزة غنايم في قرية باقة الغربيّة،1953م، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في قريتهِ، ثم التحق بجامعة (تل الربيع) في فرعي الأدب العربي والأدب العبري. يكتب الشاعر محمد حمزة غنايم باللغتين، العربيّة والعبرّية. عمل في الصحافة العربية “الاتحاد، الجديد والشعب” حرّر وشاركَ في تحرير مجلات أدبيّة عديدة، منها “الشرق” 1977-1984م، “الصحوة” 1978م، “الأنباء الثقافية” 1982-1984م، وحرر المجلة الأدبية الفصلية “لقاء”. ترجم محمد حمزة غنايم نتاجات الشاعر محمود درويش. توفي الشاعر محمد حمزة غنايم في 25/5/2004م بعد صراع شديد مع المرض.


من مؤلفاتهِ: وثائق من كراسة الدم، طولكرم، المطبعة الأهلية، 1975م. ألف لام ميم، عكا، منشورات الأسوار،1979، شعر. المائدة وأحوال السكين، شفا عمرو، المشرق، 1984م، شعر. العاشق، أ.ب يهو شواع، إصدار جامعة تل أبيب، دار المشرق ومعهد ترجمة الأدب العربي، 1984م، رواية. ثلاثة أصوات، شعر. الغرائبي، شعر. نون وما يسطرون، قصائد، 1988م. نكتبك يا وطن القصيدة، ترجمة، 2000م.

تمهيد:


لقد بات استخدام الشعراء المحدثين للرمز في شعرنا المعاصر أمراً ضرورياً، وذلك لِما تحمله هذه الآلية من أبعاد دلالية وفنية، تَرقى بالشعر إلى مستويات عظيمة وتجعله قريبا إلى نفس المتلقي، إذا وُظفت على الوجه الصحيح، بعيداً عن الإغراق والتعميم، فالشعراء لم يلتفتوا إلى الأشياء المادية التي ترمز إليها أو إلى ما تملكه تلك الأشياء من ألوان وظلال وروائح، وإنما سَعَوا إلى ما تعكسه تلك الأشياء في نفس المتلقي من حالات شعورية ذات أبعاد مبنى القصيدة تتكوّن القصيدة من ست مقطوعات:

المقطوعة الأولى: مكوّنة من 5 أبيات: المقطوعة الثانية: مكوّنة من بيتين. المقطوعات الثالثة والرابعة والخامسة: كل واحدة من 3 أبيات. ولكن إذا قسّمنا القصيدة بناء على كل مقطع يبدأه الشاعر بكلمة “نون”، فعلى هذا الأساس يمكن تقسيم القصيدة حسب هذه الوحدة الموضوعية سيكون هناك أربع مقطوعات وهي كالتالي:

1) نون. لغتك البتول…….وقتك البكر. (5 أبيات)
2) نون. لحن الوتر المشدود…. عذوبة الموّال. (5 أبيات)
3) نون. قصيدة تغفو…تعتق قيد المسألة. (6 أبيات)
4) نون. حنين الوطن…إلى نفسي. (3 أبيات).

تَحْليل مضموني لقَصيدَة “نون. وما يسطرون”


المقطع الأوّل
: يبدأه الشاعر بكلمة “نون.” وهي اللازمة التي تتكرّر في سياق القصيدة، ومن الواضح أن لهذه الكلمة دور أساسي للتعبير عن خلجات الشاعر غنايم، وكأنّه يقول: هذه دواتي التي أكتب منها، وهذه لغتي التي أعبّر بها عما في داخلي الذي صار يظهر على السطح للجميع، وهو الذي يرسم بدايات العمر، هذه اللغة التي تدور في الخاطر في سكنات الليل، وهي التي تدعو إلى حلم بعيد، وهي التي قد ترتّب وقتك في صباح كل يوم.

المقطع الثاني: ثم يكرر الشاعر لازمة “نون” أيضا هنا وهو يستمرّ في التعبير عمّا في داخله وكأنه يخاطب نفسه، لغتك هذه هي اللحن الذي يتحرّك في أعماق الروح، وفي نبض القلب للحب، وهو الذي يجتاح كل الأوقات في حياتك.

المقطع الثالث: وهو استمرار للمعنى في المقطع السابق، بأن هذا اللحن للوتر يثير تساؤلات كثيرة في ذهن الشاهر وهو متلهّف لمعرفتها كما هو العطشان الظمآن الذي يبحث عن النبع لينهل منه يروي عطشه.

المقطع الرابع: تتكرر هذا “نون” أي هذه اللغة التي أخاطبك بها ما هي إلا قصيدة أعبر بها عن نفسي تقف على أعتاب الوطن تخاطبهم، وهي التي تبحث عن حرية الولد ربما يقصد الوطن الفلسطيني والولد لفلسطيني الذي يبحث عن حريته.

المقطع الخامس: وهي لغتي وكلماتي التي أرددها مع كلّ فجر، هي التي تخترق أعماق النفس، وهي التي تحرر النفس من قيود التساؤلات لها تكشف أمورا كثيرة.

المقطع السادس: هذه لغتي أخاطب بها وطني الصغير وهي تعبّر عن حنين الأهل المشردين لهذا الوطن الصغير الذي مُنعوا أن يأتوا إليه لأنّهم هًجروا منه، يحنون إليه كما تحن طفلتي إليّ وهي الأقرب من نفسي إلى نفسي. ويمكن أجمال تكرار لازمة “نون”. اعطت القصيدة موسيقى جمالية وإيقاعا متميزا، فصارت جزءا من هوية النص لأنها كانت المفتاح الذي يخاطب بها الشاعر نفسه والناس، فيستشعر المتلقي بهذه النغمة فتزيد القصيدة جمالا.

ساهمت في بنائية معينة للقصيدة، فكانت بمثابة الرابط الذي يربط بما سبقه من معنى، وهي الكلمة التي تنقل

المتلقي من معنى إلى معنى ومن فكرة إلى أخرى، فتجعل النص متناسقا ومنسجما ومتفاعلا مع مشاعر الشاعر.

قراءة في عنوان ومبنى القصيدة ” نون. وما يسطرون” وِفْقَ المدرسة البنائِيَّة:


أ ـ على مستوى الدلالة المعنويّة:
من الجدير ذكره أن عنوان أي نص سواء قصيدة أو رواية أو قصّة له أهمية كبيرة في كثير من الأحيان في تحديد هويّة النص الأدبيّ، لأنّه المدخل الأوّلي لقراءة النصّ يمكن أن يدخل منه القارئ.، وقد يحمل العنوان دلالات كثيرة يمكن أن نستشف منه معاني النص ورموزه في بعض الأحيان. ولا شكّ أن في عنوان القصيدة “نون. وما يسطرون” تناصّا قرآنيا لما ورد في سورة القلم الآيات “نون والقلم وما يسطرون” ، و”نون” هو من فواتح الحروف المقطّعة في القرآن، وقد ذكر أغلب المفسرين تعريف هذه الحروف على أنها (الله أعلم مرادها). وقد ذكر بعض المفسرين لهذه البداية “النون” تعني “الدواة”. وفي الحديث: عن أبي هريرة: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق “النون” وهي: الدواة. ثم قال له: اكتب. قال وما أكتب؟ قال: اكتب ما يكون – أو: ما هو كائن – من عمل، أو رزق، أو أثر، أو أجل. فكتب ذلك إلى يوم القيامة، فذلك قوله:”ان والقلم وما يسطرون” ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل وقال: “وعزتي لأكملنك فيمن أحببت، ولأنقصنك ممن أبغضت”.
وإذا صحّ المعنى أن “نون” هو الدواة، كما ورد في الحديث، وكأنّ الشاعر يبدأ قصيدته قائلا: هذه دواتي أكتب لكم مكنونات نفسي، وما يسطره الآخرون من أقوال. وربما أراد الشاعر أن يترك القارئ في إبهام ليتفّكر هو نفسه فيما يجري من أحداث أو كي يحلل أعماق الشاعر ومكنوناته من خلال هذه القصيدة. وفي رأيي أن هذا العنوان لم يضعه الشاعر عشوائيا وإنما فيه من المعاني الكثيرة، وقد تكون رسالة خفية مبهمة للشاعر على القارئ أن يكتشف سرّها.

ب- على مستوى الشكل


من خلال فحص شكل القصيدة وتحليل ترتيب الحروف التي تم استعملها الشاعر في القصيدة جاء الترتيب على هذا النحو الهرمي:

الحرف و الكلمة


التاء: لغتك/ البتول/ كتاب/ وقتك/ الوتر/ يجتاح/ قرارة: قصيدة/ بداية/ طريدة/ تغفو/ ترتاد/ تعتق/ المسألة/ أغنية/ الجلجة/ وطفلة
الحاء: لحنُ/ الحبّ/ يجتاح/ حرّيّة/ الحادي/ حنين
الصاد: الصادي/ صار/ قصيدة/ العصر/ الصغير
الفاء: يطفو/ يغفو / وخفقُ/ الفجر
السين: السؤال/ سواعد/ نفسي
الخاء: يخطّ/ يخطر/ وخفقُ
الكاف:كتاب/ البكر
الشين:المشدود/ نشوة
الهاء: وجه/ للأهل

هذا الشكل الهرمي من القاعدة التي تبدأ من الأعلى إلى الرأس في الأسفل ربما أراد الشاعر أن يبين الحالة النفسية التي يتحدّث عنها وهي أن حياته تبدأ في الاتساع، وأن حال الشاعر كان على ما يرام، ثم تبدأ بالضيق، بحيث ينتهي الرأس بحرف “الهاء” وكأنها زفرة أو تنهيدة يخرجها الشاعر من أعماقه ليبث من خلالها حزنه وشكواه وآلامه.

ج ـ على المستوى اللغويّ ـ أهمية الزمن ودلالة مجيئه في الفعل:


يعتبر الزمن أهم أركان الفعل أضف إليه ما يقع فيع من حدث، ولذلك “شكل الزمن أهم دعامتين في هيكل الفعل إلى جانب الحدث الذي يجري ويبسط فيه، فلا يكاد الفعل يأتي في الجملة إلا والزمن جزءه ومعناه…فهو موجود في وضع الفعل مدلول عليه بلفظه… ومعنى مجيئه في الفعل، أن الحدث الذي يتضمنه يسري في أحد الأوقات، ولا نستطيع غالبا، أن نتصوّر حدثا بلا زمن”. وقد لاحظنا أنّ الأفعال المضارعة في القصيدة هي الطاغية وهي:
يسطرون/ يطفو/ يخطّ/ يخطر/ يدعوك/ يذرو/ يجتاح/ تغفو/ ترتاد/ تعتق.
ويعدّ استخدام الأفعال في خدمة معنى النص وتذوقه، ويدلّ الفعل المضارع على الاستمرار والتجدد في موضوع النص. وللفعل المضارع وظائف عديدة مثل الحركية، الحيوية، اكتساب الحياة للحدث. دوام حالة صاحب الفعل، التوضيح، الشرح، الوصف، فاستعمال الفعل المضارع في التراكيب اللّغويّة، ومنها الشعريّة، يكتسب دلالات زمنيّة غير الدلالات الأصلية التي وُضِعت له، من أهمّ النتائج التي يمكن أن نتوصّل إليها في تحليلنا لهذه القصيدة أنّ محمد حمزة غنايم كان يرتدُّ إلى الماضي ويستحضره من خلال استعماله للفعل المضارع هرباً من حاضره. وقد استطاع الشاعر محمد حمزة غنايم التعبير بلغة بسيطة وظفها بطريقة تعبر عن الواقع وتحمل دلالات وإيحاءات عميقة تعكس عمق مشاعره ومن بين الظواهر اللغوية في القصيدة تكرار كلمة “نون” وهي ـ حسب رأيي ـ أضفت جمالية على هذا النصّ الشعريّ، وتركت أثرا جميلا في نفسية القارئ.

المستوى المعجميّ وتعمل هذه المؤشرات على توثيق المضامين في أرض الواقع مع دلالاتها الرّمزيّة.

١– المؤشّرات الزمانيّة: العمر/ اللّيل/ حلم/وقتك/البكر/العصر/الفجر.

٢- المؤشّرات المكانيّة: مدن/ قرارة/ النبع/ البلد/ الجلجلة/الوطن
المستوى التّركيبيّ


أ ـ التّركيب البلاغيّ:
الاستعارة: الاستعارة هي نوع من أنواع المجاز اللغوي، وهذا يعتبر بمثابة قنطرة أو مشابهة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي، وهي حذف طرفي التشبيه. وتتكون الاستعارة من كل من:
-المستعار -المستعار منه – المستعار له – القرينة. وتكثر الاستعارات في قصيدة “نون. وما يسطرون” منها:
ـ لغتك البتول وجه مدن طريدة: جعل اللغة كأنّ لها وجه، والمدن لها وجه. ـ يذرو يذرو رمل وقتك البكر: وكأنّ الوقت كالإنسان يذرو الرمال بيديه.
ـ الوتر المشدود في قرارة الروح: جسد الوتر المشدود وكأنه جزء من الروح وفي داخله.
أغنية الحادي ترتاد الجلجلة: شبّه أغنية الحادي كأنّه تسير.
أغنية الحادي تعتق قيد المسألة: أو أنها إنسان يحرر من القيود.
قصيدة تغفو على سواعد البلد: جعل القصيدة كأنها كائن حيّ يغفو وينام.
حنين الوطن للأهل: جعل الوطن يحنّ كالإنسان لأهله.

الجناس: الجناس لغةً: هو الضّرب من كلّ شيءٍ، ويُقال هذا يُجانس هذا: أي يُشاكله ويُطابقه في الجنس، وجنس الشيء: أصله الذي اشتقّ منه وتفرّع عنه، واصطلاحًا: هو تشابه اللفظين في النطق واختلافهما في المعنى، وذلك على نحو قولهم: حيّهم ما دمْتَ في حيّهم، فإنّ “حيّهم” الأولى بمعنى “ألقِ التحيّة عليهم”، وأمّا الثانية فهي بمعنى “مكان سكنهم”، وقد سُمّي الجناس بهذا الاسم لأنّ تركيب حروف ألفاظه من جنسٍ واحد.
ـ السؤال ـ الموّال (جناس غير تامّ).
ـ البلد ـ الولد (جناس غير تامّ).

ب. التّركيب النّحويّ:


1ـ الجملة الاسميّة: يبدأ الشاعر بجملة اسميّة، ولكنّه يكرر خبرها في كل المقطع الشعري كقول:
نون لغتك البتول. نون وجه مدن طريدة تغفوـ نون يخطّ اول العمرـ نون يخطر في كتاب الليل ـ نون يدعوك لحلم ـ نون يذرو رمل وقتك..
وهذا يتكرر في المقاطع الأخرى. وقد صرح علماء البلاغة أن الجملة الاسمية تفيد الثبات والاستقرار، وقد تخرج عن هذا الأصل في بعض الحالات، فتدل على الحدوث والتجدد كما إذا كان خبرها جملة فعلية، أو وجدت قرينة على دلالة الحدوث والتجدد، وكان خبرها مفردا أو جملة اسمية. وقد تفيد أيضا في بعض الحالات الدوام والاستمرار.

2 ـ الجملة الفعلية: جاءت الجمل الفعلية في سياق الخبر للمبدأ في الجمل الاسمية وهي كثيرة، منها:
يخطّ أول العمر/يخطر في كتاب الليل/ يدعوك إلى حلم/يذرو رمل وقتك/ يجتاح غارب العصر/ صار إلى النبع/ ترتاد غور الجلجلة/ تعتق قيد المسألة.
وتشير الجمل الفعليّة على التّوضيح، الوصف الحركية والاستمراريّة.

3 ـ شبه الجملة:
تُعرف شبه الجملة بأنها الظرف بنوعيه الزماني والمكاني، وحرف الجر الأصلي مع مجروره، ولم يرد مصطلح شبه الجملة عند النحاة القدامى.
في كتاب الليل/ إلى حلم/ في قرارة الروح/ إلى النبع/ على سواعد البلد/ مع الفجر/ للأهل/من نفسي إلى نفسي.
تؤدي شبه الجملة وظائف في السياق الذي ترد فيه، فتؤثر في ترتيب الكلمات في الجملة، وتفصل بين الأجزاء المتلازمة في الجملة، وتكون سببا حذف بعض مكونات الجملة.
وتساهم وظائف شبه الجملة السياقية في دلالات جمالية بلاغية بحسب السياق الذي وردت فيه متضافرة مع سائر عناصر السياق التركيبية، وهذه الدلالات البلاغية لا يمكن تعميمها على سائر الحالات المماثلة، لأن لكل جملة خصوصيتها التي لا يمكن أن تنطبق على ما سواها، وهكذا البلاغة العربية ليست قوالب وقواعد جاهزة تعمم على النظام التركيبي الذي يحكم الجملة العربية، إذ البلاغة استعمال جمالي للغة تحكمه ظروف معينة تختلف عن غيره من الاستعمالات المختلفة.

المستوى الصوتي


إنّ توظيف هذه النغمات الصّوتيّة في قصيدة “نون. وما يسطرون”، لم يكن عشوائيا ـ حسب رأيي ـ بل ساهمت هذه الأصوات وهذه المعاني وخدمت الجانب الإبداعيّ المقصود للإيقاع عند الشّاعر، كما ساعدت في توضيح الصّورة للقارئ بشكل أفضل.
المقطوعة الأولى: المكوّنة من خمسة أسطر، وهي أطول مقاطع القصيدة، تنوّع المقاطع الطويلة والقصيرة. نرى هنا في هذا المقطع الانتقال من مقطع طويل إلى قصير وتنوعها خلال هذه المقطوعة، فنجد المقاطع الطويلة من “الواو” و”الياء” وكذلك مع الحركات المتتالية، ومع السكون. وهذا إن دلّ على شيء يدلّ على الاضطراب الذي في أعماق الشاعر والتي تعكس شيئا من حياته ما بين التفاؤل والحزن والأسى.
المقطوعة الثانية: مكوّنة من سطرين وهي أقصر المقاطع إذا افترضنا أنها مستقل عن الأولى، أيضا تتنوّع فيه المقاطع منها الطويلة مع الألف ومنا مع الواو ومن السريعة.

من الملاحظ في هذه المقطوعة أيضا اختلاط المقاطع القصيدة والطويلة مع حركات المدّ والحركات القصيرة، وكأن الشاعر ما زال في اضطراب، فالواو والألف هي حروف مجهورة ترتبط بالقصيدة ككل وما يجمعها الألم والأسى، لكن مع كل ذلك فيها التفاؤل والحركة السريعة.

المقطوعة الثالثة: المقطوعة الثالثة تتكوّن من ثلاثة أسطر وهذا العدد يستمر حتى نهاية القصيدة، وتكثر فيها المقاطع الطويلة. هنا نلحظ عكس المقاطع السابقة حيث تكثر فيها المقاطع الطويلة مع الألف بالأساس حيث تعكس الأمل الذي يرنو إليه الشاعر، كما يتفاءل العطشان بوجود النبع ليرتوي منه، وكما صاحب العلم الباحث عن أجوبة لأسئلته فهو يتأمّل في إيجاد حلول لها، وكل ذلك رغم التحدّيات والعراقيل التي تواجه الشاعر في طريقه.

المقطوعة الرابعة: المقطوعة الرابعة تكثر فيها المقاطع الطويلة في هذه المقطوعة نجد كثرة المقاطع الطويلة مع الواو والياء لكنّ الجزء الثاني تكثر فيه الحركات القصية المتتالية، وكأن الشاعر يثور هنا على ما هو قائم ويدعو إلى حرية البلد وحرية الولد، رغم ما يجثم على هذه البلد من أحزان، وكأّنه يدعوها لتنتفض لحريتها.

المقطوعة الخامسة: المقطوعة الخامسة مكوّنة من ثلاثة أسطر، كذلك تتنوع فيها المقاطع طويل وقصيرة، وهي مع الحركات السريعة أكثر منها إلى الطويلة. في هذه المقطوعة نجد الميل أكثر إلى المقاطع مع حركات سريعة قصيرة، لكنها لا تخلو من مقاطع طويل مثل: الحادي، ترتاد، غور، وكأن الشاعر يستمر في اضطرابه الذي كان على مدار القصيدة مع وتيرة أقل من السابق.

المقطوعة السادسة: المقطوعة السادسة أيضا مكوّنة من ثلاثة أسطر، ويميل الشاعر فيها إلى المقاطع الطويلة. في هذه المقطوعة نجد مقاطع طويلة مع الياء، ونهي المقطع فيها “نفسي” ويكررها مرتين، وكأنها زفرة ألم وحسرة على ما كان وسيكون للشاعر.

استنتاج


وجدنا على مدار القصيدة من خلال المقاطع المختلفة التنويع في المقاطع الصوتية منها الطويلة مع مد الألف، ومنا مع مد الواو ومنها مع مد الياء، وكذلك المقاطع مع الحركات القصيرة في نفس الوقت، وهذا يدل على الاضطراب الذي يعيشه الشاعر سواء الداخلي أو الخارجي، ففيه التفاؤل واليأس، وفيه الحزن والحيوية، فنجد عنده أحيان اليأس وأحيانا أخرى العزيمة في الاستمرار وينعكس ذلك من خلال الأصوات في المقاطع في لقصيدة.

البحر والقافية والروي:


أـ البحر
: ليس للقصيدة بحر متكامل موحّد، فهي من الشعر الحرّ، الذي لا يتقيّد بقفية أو تفعيلات محددة، وقد عمل الشاعر على استعمل اللّعب في تفعيلات البحر، حسب احتياج السّطر الشّعريّ والّتي جاءت موزّعة حسب السّطور الشّعريّة. التفعيلات جاءت متنوّعة وموزعة لكل البحور فنجد تفعيلة في البحر الطويل وأخرى للبحر الكامل وأخرى لبحر الرمل وهكذا مما يشير إلى أنّ الشاعر لم يتلزم بتفعيلة أو بحر معين.

ب ـ القافية والروي


تعتبر القافية عنصرا رئيسيّا مهمّا في القصيدة. وتحرير القصيدة من الوزن والقافية يعني عدم الالتزام بموضوع معيّن ترد فيه. وقد أتاح ذلك للشاعر فرصة صياغة قصيدته بما يتلاءم مع أحاسيسه ومشاعره أو الموضوعات التي يريد طرحها في قصيدته.
وقصيدة “نون. وما يسطرون” دون التزام بقافية واحدة أو بقافية محوريّة في كل مقطع، فقد يشتمل مقطع على قافيتين في المقطع الواحد، ومنها ما لا يشتمل على قافية متناسقة، وإنما يتم بدون انتظام محدد.
ففي المقطع الأول: نجد تكرار حرف الـ “ر” في سطرين مختلفين (العمر/البكر).
في المقطع الثاني: دون انتظام.
في المقطع الثالث: تكرار حرف الـ “ل” في سطرين مختلفين (السؤال/الموّال).
في المقطع الرابع: تكرار حرف الـ”د” في سطرين متتاليين (الولد/ البلد).
في المقطع الخامس: تكرار الـ”ة” في سطرين متتاليين (الجلجلة/المسألة).
في المقطع السادس: دون انتظام.
وفي هذا التوزيع في القافية يكسب القصيدة إيقاعات مختلفة، ويلاحظ أكثر استخدامها في القصائد الدرامية، مما يتيح اليُسر في التعبير عن المواقف الدراميّة. وهذا التغيير الذي نلحظ في القافية للقصيدة “نون. وما يسطرون” يفيد الشاعر منه في التعبير عن تجربته وعن أحاسيسه بشكل ملائم. كما لم يلتزم بقافية معينة، بل سار متحررا من كل ذلك كما هو الشعر الحر.

الرؤية الفكرية


تكشف لنا قصيدة “نون. وما يسطرون” للشاعر محمد حمزة غنايم نقاطا مهمّ يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • برز في القصيدة عنوان القصيدة “نون. وما يسطرون” وهو تناص قرآني لها دلالات مختلفة منها ما هو ديني، ومنها ما هو رمزي، فالديني وبناء على التفسيرات للآية التي اقتبسها الشاعر، ا، النون هو الدواة التي يكتب من حبرها الشاعر لما يجول في خاطرها، وما يمكن أن يعبره الشاعر عما يقولوه أو يفعله الآخرون.

أما الرمزية فـ”نون” هو من الكلمات المبهمة، فتحتمل تفسيرات وتأويلات كثيرة أراد لنا الشاعر أن نستنتجها، أو نستشفها من خلال سطور القصيدة وأصواتها وهذا يثري العمل الأدبي للقصيدة وتحليلها، فكما المرسل المبدع له رموز فكذلك المستقبِل المتلقي، تكاثر الرموز يهدف إلى الإقناع. أما الرمز فيتكون من دال ومدلول، وهذا ما أشار ديسوسير مؤسّس البنيوية إليه أن الكلمات ليست رموزًا تتجاوب مع ما تشير إليه. بل هي علامات مركبة من طرفين متصلين، فالطرف الأول هو إشارة مكتوبة أو منطوقة “الدالّ”) والطرف الثاني “المدلول” أو المفهوم الذي نعقله من تلك الإشارة.

  • يتضح لنا أنّ الشاعر نهج على نسق القصيدة الحديثة دون التقيّد في القافية والوزن، فتنوعت القافية، مع بعد الاتفاق وتكرراها في بعض مقاطع القصيدة. وهذا الشكل من القصيدة يسمح للشاعر أن ينتقل من موضوع إلى آخر مع الالتزام بالمعنى العام للقصيدة والمضمون، ثم لاحظنا كثر استعمال الحروف “يرمولون” على مدار القصيدة كلها، واستعمال هذ ثم لاحظنا كثر استعمال الحروف “يرمولون” على مدار القصيدة كلها، واستعمال هذه الحروف يدل على أن هناك حزنا أو ألما أو فراق أو تحسّر على وضع معين، قد يكون على المستوى الشخصي، أو مستوى شعبه، أو مستوى وطنه.

ملخص:


تم قراءة وتحليل النص الشعري للقصيدة بقراءة نقدية لما حملته من مفاهيم ومستويات النظرية البنائية من احتواء لكل اساسيات الأدب البنيوي اعتمادا على النظرية البنيوية/البنائية. بداية من العنوان مرورا بمستوى الشكل واللغة ثم عروجا على المستوى اللغوي. من ثم المستوى الصوتي وختمت بمستوى البحر والقافية، والروي، والتركيب البلاغي، والنحوي. تمنى ان أكون وفقت بتقريب وتبسيط مفهوم المذهب البنيوي للباحثين والدارسين والمهتمين، وبنمذجة المذهب الفلسفي النقدي البنيوي مع التطبيق من خلال قراءة تحليلية نقدية للقصيدة (نون وما يسطرون.

الكاتبة والباحثة وفاء داري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *