وبقيت عزّة في الصف الأول!
الأسئلة الصغيرة التي ملأت رأس عزّة عندما فتحت عينيها صباحا في مدرستها؛ مدرسة “الحياة-أ”، كانت كثيرة: فلماذا هي في المدرسة والعطلة بعد لم تنته؟ ومن أتى بها ومتى؟ ولماذا أتى الكبار إلى المدرسة، فالمدرسة للصغار!؟
لم تطلب إجابات على أسئلتها الصغيرة وقد تاهت بها الكثرة.
كانت عاشت أيّامًا شوقًا في انتظار العودة إلى الصفّ الأوّل، بعد أن كانت قد انهت الروضة فيها. ولكن ما أعادها إلى مدرستها بقي في أسئلتها الصغيرة ولم يشغلها ذلك أكثر. هي تعرف أنّها كانت قد أغمضت عينيها في بيتهم الصغير على أطراف قريتها “خزاعة”، فكيف فتحتهما في المدرسة لم تعرف، ولم تطلب المعرفة، أو غلب حبُّ المدرسة حبَّ المعرفة.
خطر على بالها الصغير أن ربّما الحرب هي من أغمضتهما في مكان وفتحتهما في مكان، لكن لم يكن هذا، على ما بدا، شاغلها المهمّ.
عندما شقّت باب الغرفة المزدحمة امتلأت عيناها، بعد أن غلبتا ضوء الشمس اللّاهبة، بكثرة الناس في الساحة وأمام أبواب الغرف. كانت ساحة المدرسة تعجّ بالصغار والكبار، وكان ضجيج الأطفال يملأ الأجواء لعبًا، ولم تذهب إليهم رغم حبّها اللعب، ما كان يشغلها غير ما يشغلهم على ما يبدو.
كمن يعرف جغرافيا المكان، لم يصعب عليها اختيار الاتّجاه إلى الجناح الذي انتظرت الوصول إليه بشغف، وها قد جاء إليها المكان وقبل الأوان، وراحت تحثّ الخطى.
وقفت عزّة أمام باب غرفة كتب عليه “غرفة الصف الأول أ”، وهي الغرفة التي انتظرتها أيّاما بشوق، ولم تترد فشقّت الباب. كانت الغرفة تعجّ تمامًا كما الغرفة التي استيقظت فيها. ظلّت قبضتها الصغيرة تمسك “سُكَّرَة” الباب وقد تشابكت نظراتها المستغربة والنظرات الكثيرة التي حطّت عليها.
قبل أن تنطق النظرات التي امتلأت بالأسئلة، دوّى انفجار. وبقيت عزّة في الصف الأوّل الذي أحبّت، وقد بقي معها هناك حلمُها أن تصير ممرضة.
الأديب سعيد نفّاع