القضية الفلسطينية مابعد الطوفان

عَباءةُ النِّضالِ الفِلَسطينيِّ التي طالما وُضِعَت على الرُّفوف، وأعادت الوَهجَ للقضيَّة التي فَقَدَت التأييدَ الدُّوَليَّ بحقِّها المشروعةِ في قيامِ دولةٍ فِلَسطينيَّةٍ ديموقراطيَّةٍ على أرضِها التَّاريخيَّة.

لِهذا الشَّعبِ الحقُّ في تقريرِ المصيرِ على أرضِه.

تَعالَت الأصواتُ لِتجريمِ هذا الفعلِ المُقاوِمِ البَطَلِ، الذي كَشَفَ عُرْيَ العالمِ وادِّعاءَهُ الإنسانيَّةَ، من خلالِ ما يُبَثُّ على شاشاتِ التِّلفازِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ على حدٍّ سواء.

إنَّ مشاهدَ القتلِ والإجرامِ لم تُحَرِّك ضمائرَ أصحابِ القرارِ والسُّلطةِ للتَّحرُّكِ لمُساندةِ أهلِ غزَّة، كونَهم يُواجِهونَ لوحدِهم، وبِلَحمِهم الحَيِّ، آلةَ القتلِ والإجرامِ الصُّهيونيَّةِ التي أصبحت مكشوفةً للعِيانِ بِوحشيَّتِها ونَزْعتِها الدَّمويَّةِ ورغبتِها في سياسةِ التَّهجيرِ المُتعمَّد.

إنَّ هذا الشَّعبَ، في هذه المرحلةِ السَّوداويَّةِ والضَّبابيَّةِ، لا يُدرِك أنَّه يقومُ بِحربٍ لا يشهدُ لها التَّاريخُ مثيلاً: حربِ تحريرٍ.

على الرَّغمِ من قساوتِها وضَراوةِ القتالِ والظُّروفِ القاسيةِ، إلَّا أنَّها أثبتت بما لا يَدَعُ مجالًا للشَّكِّ قدرةَ الشَّعبِ ونسيجَهُ الاجتماعيَّ القويَّ، الذي لم يَستَطِعِ المُحتَلُّ تفكيكَه.

بَل على العكسِ، أصبحَ الشَّعبُ واعيًا بما يَحدُث، ومُدرِكًا لِمآلاتِ الحربِ، ولن يَقبَلَ إلَّا بِصفقةٍ مُشرِّفةٍ تُعيدُ له الحقوقَ، وتُخرِجُ المُحتَلَّ من غزَّة، وتكونُ نَواةً لِدولةٍ فِلَسطينيَّةٍ، مُقدِّمةً لِتحريرِ كاملِ التُّراب.

إنَّ هذا الفعلَ المُقاوِمَ زادَ من حدَّةِ المفاوضاتِ، وضغطَ على الوفدِ المُفاوِضِ، وحمَّلَهُ مسؤوليَّةَ الدِّماءِ التي أُريقَت، والأرضِ التي تَهَدَّمَت، والبنيةِ التَّحتيَّةِ التي دُمِّرَت.

لا يَستوي الأمرُ إلَّا بِتحقيقِ الشُّروطِ المطلوبةِ: إعادةِ الإعمارِ، وعودةِ الأسرى، وفَتحِ المعابرِ، وخُروجِ المُحتَلِّ، والتَّوقيعِ على صفقةٍ بِموجبِها يَتوقَّفُ المُحتَلُّ عن استهدافِ ميناءِ غزَّة، وعدمِ التَّعرُّضِ للمدنيِّين، مع توقيعِ الدُّوَلِ الرَّاعيةِ على اتِّفاقٍ يَضمنُ الحقَّ الفِلَسطينيَّ في الانتخاب.

إنَّ ذلك يُمثِّلُ وجهةَ نظرٍ دون إملاءاتٍ مُسبَقة، وقد آنَ الأوانُ لِهذا الشَّعبِ أن يَستريحَ ويُحقِّقَ جُزءًا من تطلُّعاتِه.

فهو، مُنذُ ما يُقارِبُ ٦٥٠ يومًا، يَكتُبُ بِالدَّمِ دُستورَ الدَّولةِ الفِلَسطينيَّةِ، ويَرسُمُ حدودَها: السَّماءَ، والأرضَ المُرتويةَ بِدماءِ الشُّهداءِ.

الكاتبُ والباحثُ: محمود النَّادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *