“الكتابة بأصابع مبتورة” بين حرب سابقة وحرب قائمة للدكتور: وائل محيي الدين للأديبة إسراء عبوشي

الكتابة بأصابع مبتورة نصوص للأديب الدكتور: وائل محيي الدين، تقع في 2015 صفحة من القطع المتوسط، تحتوي 87 نصا صدرت عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع عام 2020.
في البداية يتحدث الكاتب عن الكتابة، يصف الحروف بالجمرات وانها قدر المبدعين، و رسالة عظيمة.


على الكاتب أن تتلون يده بدمه، وأحزانه وأحزان الآخرين، الكتابة نزيف يومي دون عناية مركزة، يبحث الكاتب عن الحروف الملتهبة ويمسك جمرتها وهي تشتعل، ينسج كفنه بقلمه، لتعبر عن مآسي المقهورين، ويخيط جراح المحرومين، على الكتابة أن تقلقل عروش، هكذا تكون الكتابة مباركة
هذا النوع من الكتابة الذي يجسد الواقع الفلسطيني، هو وجع مكثف لا تستطيع أن تتصفحه وتخلد إلى النوم، الأصابع المبتورة ستخدش أحلامك.


استطاع الكاتب بأسلوبه المتمكن، والسرد المتماسك، أن ينقل للقارئ كمية هائلة من الألم خلال النصوص المكثفة، التي تحمل الهم الوطني وتجعل القارئ يعيش ذلك الهم، ويحمله مسؤولية وطنية تغيره وتجعل منه إنسان آخر غير الذي كان قبل قراءة الكتاب، فهو يخاطب الوعي العام ويرتكز على الوعي السياسي والحالة الوطنية التي تؤثر بصلب حياتنا الاجتماعية والثقافية، يظهر ذلك جليا في نص “معضلة النصف”
وقد خدمت الصور المرفقة النصوص وصنعت ذلك التغير، بين العبارات القوية والصور المختارة بحرفية يكتمل مراد الكاتب، الصور تتكرر وكأنها التقطت في حرب غزة ” طوفان الأقصى” وليست في الحروب السابقة
قرأت “الكتابة بأصابع مبتورة” قبل حرب ” طوفان الأقصى” وعدت- من جديد- لأقرأها، كنت أقرأ إلى أن امتلأ ألما، فاغلق الكتاب على ألمي، فلم أعد أحتمل قراءة المزيد، فتهمس لي نصوصه بالعودة فأعود للقراءة بعد فترة، وأكمل من حيث توقفت، وذلك يحسب للكاتب الذي يجيد تصوير النصوص وسرد القصص، وتشويق القارئ ونبش ذاكرته وفكره معا، هو يقدم رسالة إنسانية تستحق القراءة والإحساس بها، وتحبس الشعور في ثناياها، لأنها صادقة وتنطلق من هم إنساني عميق، تعمل على تشظي الروح، هي نصوص مشحونة بالحزن، يسرح الفكر في فضاء النص حائرا في قدرة الكاتب على إنطاق الكلمات، وكيف أنه يجعل للأشخاص أجسادا وللمواقف نبضات
عندما قرأتها قبل الحرب كانت أكثر ألما، وأشد قسوة، عشنا مع هذه الحرب أسوأ من يمكن تصوره، لم يعد يفزعنا ما كان يفزعنا سابقا، الحرب المصيبة الكبرى التي صغرت أمامها كل المصائب، البتر تكرر والهدم تكررالمجازر تكررت، أصبحت غزة الخيمة الكبيرة التي لا يعظم في عيوننا شيء إلا وضمته في خيمتها مرات ومرات، الحرب فجيعتنا الكبرى…
بعد اشتعال الحرب وَقع القراءة كان أقل وطئا على نفسي وروحي، مع أن عدد كبير من النصوص تتناول الحروب السابقة حيث يفرد مساحة كبيرة لأوجاع غزة، هذه الأحداث التي يقف القلم عاجزا عن الكتابة عنها كما يصفها الكاتب “احياننا الصمت فيه ألف حكاية”
الأحداث تتكرر وقد توالت الحروب على غزة، والمشاهد ذاتها، أطفال تمزقهم آلة الحرب لأشلاء.
وغزيون يواجهون البرد وغزيون بالعراء، يشعر الكاتب أننا مسؤولون عن كل ذلك، يتساءل: ماذا سنقول لأمهات نزفن أعمارهن وجعا وصدمة، وخيبة، ومهانة؟
في دلاله على اتقاد الضمير لديه…
وتأتي الأعياد خجولة ويصف الكاتب شعورنا بالعيد السابق حيث خجلنا من معايدة الآخرين بالعيد، وكم هي الأعياد التي فتحت الجراح، وأشعلت الحنين للراحلين والأسرى.
يعطي الكاتب أنموذجا للكاتب الحر، حيث يكتب عن باسل الأعرج، المثقف المشتبك، الذي يستحق أن يتتلمذ على يديه كل كاتب وثائر، فهو أمير الثائرين، وأيضا الفدائي نشأت ملحم الذي كشف جبن العدو، وهشاشة جيش الاحتلال…
ويفرد مساحة في نصوصه للأسير الفلسطيني، ومعاناة أسرته بانتظاره، أفراح مؤجلة وطقوس خاصة، بوابات السجن أطلالهم الحزينة، ويساوي بين خيمة السجن وخيام النزوح، واصفا إياها بمخيمات الموت، ويساوي الحزن والموت كلاهما لهما سكرات.
ويذكر عدداً من الأسرى من ضمنهم الشيخ رائد السعدي الذي أمضى ربع قرن في سجون الاحتلال ويزيد.
ولينا الجربوني واصفاً إياها بالنخلة المعجونة من طهر وصلابة.
وكيف يتلقى الأسير خبر وفاة أقرب الناس إليه، حيث تلقى الأسير طارق قعدان وشقيقته الأسيرة منى قعدان خبر وفاة الوالدة أم محمود _ رحمها الله_
الكاتب المحمل بهموم الوطن، ويجند قلمه لحريته، لن ييأس و يجد طوق نجاة وأمل
ما دام هناك يوم آخر، يتجدد الأمل مع كل صباح:
أشتاقك أيها الفجر
يا بلسم الروح المتعبة
والقلوب المتيمة
وإصرار الفلسطيني على الحياة أمل ونجاة ” سيظل الفلسطيني يحمل حقه فوق وجعه”
وفي نص “يخرج من تحت القصف عصياً”
حيث يقول:
يخرج من تحت الأنقاض عصياً ويقاتل
ويظل برغم القصف الدمويّ يقاتل
ويكللّ كل جباه الأم بالغار
هذا الكتاب غير مسبوق، دليلي على ذلك قدرته على جمع ومزج المشاعر معاً، والتخاطر مع العواطف انظر إلى المعنى العميق في هذه العبارات ” سأواصل الكتابة لأمي، وفي ظلالها تستريح الحياة على أمل العبور إلى الآخرة.
“سأكتب لزينب التي فتحت لي في جدارالعمر نافذةً تطلّ على الحياة، وأخذت بأحلامي إلى حيث يهوى القلب ويشتهي”
وبين الأم والحبيبة ظل ونور مهوى القلب ونجاة للروح.


الأديبة إسراء عبوشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *