المكان العلائقي في القص الموجز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن تعريف المكان العلائقي بأنه الزمن المشخص بحدث خارجي او تاريخي او نفسي يقوم ببناءه سياق العلاقات في فضاء سردي فيتحول السرد الى شخصية او حبكة تقوم بتبديل مواقع الموجهات
المفهوم الوارد هنا يطرح فكرة معقدة تجمع بين الزمن، الحدث، والعلاقات في إطار سردي. وفقًا لما ورد، يمكن فهم “المكان العلائقي” على أنه ليس مجرد موقع جغرافي أو زمن عابر، بل هو فضاء يتشكل من خلال علاقات معينة تربط بين الشخصيات أو الأحداث في سياق قصة أو رواية. في هذا السياق، يصبح الزمن ملموسًا من خلال هذه العلاقات ويتحول إلى عنصر أساسي في السرد.
عند تحليل هذا المفهوم، نجد أنه يتجاوز التعريفات التقليدية للمكان في السرد. فهو يعكس تقاطع الزمن مع العلاقات والحدث ليصبح عنصرًا متفاعلًا، ليس فقط ثابتًا أو خلفية للأحداث. على سبيل المثال، إذا كان المكان عادةً يُنظر إليه على أنه حيز فيزيائي، فإن “المكان العلائقي” يُرى كشبكة من التفاعلات الديناميكية بين العناصر المختلفة، مما يجعل المكان نفسه جزءًا من تطور السرد أو الحبكة.
إحدى النقاط المهمة في هذا التحليل هي أن “المكان العلائقي” يعمل كدور حيوي في السرد مثل الشخصيات أو الحبكة. هذا التحول في الرؤية يجعل المكان عنصرًا تفاعليًا وليس سلبيًا، فهو يتأثر بالعلاقات القائمة بين الشخصيات أو الحدث ويؤثر فيها في نفس الوقت.
من منظور أعمق، يمكن القول أن “المكان العلائقي” يمثل نوعًا من الواقعية النفسية أو الاجتماعية، حيث يتم تحويل الفضاء الفيزيائي والزمني إلى رمزية داخل السرد، ليعكس مشاعر الشخصيات أو تطور الأحداث. بمعنى آخر، هذا المفهوم قد يضيف بعدًا فلسفيًا للسرد، حيث يتم دمج الواقع النفسي مع البنية الزمنية والمكانية بطريقة تُظهر تعقيد العلاقات البشرية وتأثيرها المتبادل مع العالم الخارجي.
اذن هو قوة متشابكة مع السياق السردي، تُعيد تشكيل الشخصيات، الحبكة، وحتى الفضاء نفسه.
المكان العلائقي في المستوى التطبيقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء في قصة فنون للقاص الدكتور محمد ياسين صبيح
حاول رسم نفسه في المدنية..
ظهر كأرنب يفر من الزقاق..
كسر ريشته.. وأختبأ في اللوحة الفارغة
لتحليل هذا النص القصير وتطبيق مفهوم “المكان العلائقي” عليه، سننظر إلى كيفية تفاعل العناصر المختلفة—الزمن، الحدث، والمكان—مع العلاقات المتشابكة بين الشخصية والسياق السردي.
“حاول رسم نفسه في المدنية”:
هنا يظهر الصراع الداخلي للشخصية، حيث يحاول بطل القصة أن يجد مكانًا لنفسه في المدينة، ولكن “الرسم” هو أكثر من مجرد محاولة فعلية. إنه رمز لمحاولة البطل فهم هويته أو وجوده في هذا المكان الحضري المعقد. المدينة قد لا تكون مجرد خلفية ثابتة، بل هي جزء من التفاعل بين الشخصية ومحيطها، فهي تُجسد بشكل علائقي كيانًا يحاول البطل الانتماء إليه أو التكيف معه.
“ظهر كأرنب يفر من الزقاق”:
هذا الجزء يصور الهروب، وهنا نرى أن الزقاق ليس مجرد فضاء جغرافي. في “المكان العلائقي”، الزقاق يمثل حالة نفسية تعكس الخوف أو الشعور بالعجز، حيث يتم تشبيه الشخصية بالأرنب الذي يهرب. الفضاء هنا (الزقاق) ليس مكانًا مستقلاً بل هو مرتبط بالمشاعر والعلاقات الداخلية للشخصية. العلاقة بين البطل والمدينة تصبح علاقة مواجهة وهروب، حيث يُشخصن الزقاق كخطر أو عائق أمامه.
“كسر ريشته”:
الريشة تمثل أداة التعبير الفني للشخصية. كسر الريشة يمكن أن يرمز إلى فقدان القدرة على التعبير عن الذات أو الفشل في العثور على مكان مناسب لنفسه في المدينة. هذا الحدث يؤثر مباشرة على الفضاء السردي؛ الريشة ليست مجرد أداة مادية، بل هي تعبير عن تفاعل الشخصية مع العالم من حولها، وبتحطيمها، يحدث تغيير في ديناميكية السرد نفسه.
“وأختبأ في اللوحة الفارغة”:
اللوحة الفارغة هنا تمثل مساحة جديدة غير محددة، وربما هي الهروب النهائي من العالم الواقعي إلى مساحة ذهنية أو نفسية. “المكان العلائقي” يتحول هنا إلى شيء داخلي بحت؛ الشخصية تختبئ في فضاء غير مكتمل أو غير محدد الهوية. اللوحة الفارغة تمثل عدم القدرة على رسم أو تحديد الذات في العالم الحقيقي، وبالتالي يصبح هذا المكان نفسه متشابكًا مع النفسية المهشمة للشخصية.
العمق التحليلي:
من خلال تطبيق مفهوم “المكان العلائقي” على هذا النص، نرى أن المدينة، الزقاق، الريشة، واللوحة ليست مجرد عناصر منفصلة، بل هي كلها متشابكة في شبكة من العلاقات النفسية التي تتفاعل مع بعضها البعض لتصنع السرد. الشخصية لا ترى المدينة أو الزقاق كمكان فيزيائي محض، بل تتفاعل معه بشكل نفسي عميق. الهروب من الزقاق يعكس هروبًا من الواقع أو مواجهة الذات، وكسر الريشة هو تعبير عن الفشل في هذا التفاعل، في حين أن الاختباء في اللوحة الفارغة يمثل نوعًا من الانسحاب النفسي من العالم الخارجي إلى عالم داخلي غير محدد المعالم.
المكان في هذا النص لا يبقى مكانًا فيزيائيًا، بل هو مكان نفسي وعاطفي يعيد تشكيل الشخصيات ويؤثر في تطورها.
الكاتب حيدر الأديب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يظهر المكان العلائقي كسمة بارزة في مجموعة اراني اعصر حبرا أيضا للقاص عبد الله الميالي وسنعرض له ان شاء الله في بحث مستقبل