عاش أوقاتًا شديدة الإفراط والتعقيد، كان خلالها يعيد زيارة الأطباء مرة تلو الأخرى، ويُجري فحوصات طبية باستمرار لكل عضو في جسده تقريبًا، حتى أصبح لديه ملف ضخم في المستشفى.
داخل عيادة الباطنة، جلس هذه المرة منتظرًا أن يلتفت إليه الطبيب الذي كان منشغلًا في شاشة الحاسوب، وكما في كل المرات السابقة اختفت جميع الأعراض المرضيّة التي كان يشكو منها قبل قليل لدرجة أنها لم تظهر ألبتة عبر الفحص السريري، والفحوصات المخبريَّة، والأشعة أيضًا، وتلك هي مشكلته الدائمة.
أخيرًا التفت الطبيب إليه، وأخبره بصوتٍ لا يخلو من تململ أنّ جسده سليم تمامًا، وأنّ كل الأرقام التي تعبّر عن ذلك في الفحوصات المخبريَّة تشير في الوقت ذاته إلى نجاعة نمط غذائه الصحيّ، وبالتالي سوف يعيش طويلًا عكس ما كان يظن، وهذا بالتحديد ما أخبره به الأطباء في كل زيارة له! غير أنه لا يصدق الأطباء، كما أنهم لا يصدقونه، لذلك ألح هذه المرة على الطبيب أن يُبقيه في المستشفى أقلها عدة أيام؛ ليكون مباشرةً تحت الملاحظة، وليتمكن من إثبات صحة ما يعاني منه.
وبالرغم من أنه واجه مقاومة من الطبيب المعالج كالعادة؛ إلا أنه في النهاية نال الموافقة هذه المرة -على غير العادة-، لكن بعد اضطراره إلى السقوط على الأرض وادعاء الإغماء.
على مر يومين من دخوله المستشفى، كان يستدعي الطبيب المعالج بسرعةٍ فور شعوره بمرض ما في جسده أو بأحد الأعراض المرضيَّة التي كان يقرأ عنها في الإنترنت، وقد أصابت فيما مضى بعض الآخرين من حوله، لكن الطبيب سرعان ما يعود إلى مكتبه ضَجِرًا بعدما ينتهي من الفحوصات اللازمة له، ولا يجد عقبها أثرًا للمرض أو أي من أعراضه أبدًا.
وفي اليوم الثالث له من دخوله المستشفى، وقبل أن يكتب له الطبيب ورقة الخروج إلى المنزل، أصيب حقيقة بما يسمى عدوى المستشفيات البكتيريَّة، وتلك ما لم يقرأ عنها وما لم يُصب بها أحد حوله من قبل، وبسبب تأخر استجابة الطبيب له هذه المرة وعدم نقله إلى غرفة العناية المركزة عاجلًا؛ مات بتلك الطريقة الاستثنائية التي لم يمت بها طوال حياته في خياله.
الكاتب أحمد الجميد