الأعمال الروائية المشتركة تعتبر محدودة في الأدب العربي والعالمي، ويرجع ذلك إلى رغبة الروائي في أن يكون له حضور فردي في تشكيل عالمه الأدبي بعيدًا عن تدخل الآخرين. على الرغم من ذلك، نجد بعض الاستثناءات مثل “عالم بلا خرائط” التي شارك فيها “عبد الرحمن منيف” و”جبرا إبراهيم جبرا”، ورواية “الحب في زمن الكورونا” التي كانت نتاج عمل مشترك بين “محمد عارف مشه”، “كميل أبو حنيش”، و”نفين عياصرة”. وتأتي رواية “النور يأتي من خلف النافذة” لتكون إحدى هذه الاستثناءات التي تستحق الدراسة.
إذاً، نحن أمام رواية استثنائية من حيث التأليف، ولكن على صعيد السرد، لا يجد القارئ أي تباين في اللغة أو في الأحداث. هذا التماسك جعل السرد والأحداث والشخصيات منسجمة وموحدة، الأمر الذي يجعل من الرواية مادة قابلة للقراءة في جلسة واحدة. هذا الانسجام يعود إلى طبيعة الأحداث الناعمة التي تتناول علاقة حب بين “زكريا المصري” و**”إيلياء الفلسطينية”**، والتي تتوج بالزواج رغم اختلاف الدين بينهما. زكريا مسلم وإيلياء مسيحية، وهي نقطة محورية تمنح الرواية بعدها الاجتماعي، حيث ينتصر الحب على الدين، ولا يمكن لأي عائق أن يقف في طريق المحبين.
دقة السرد والمكان
اللافت في الرواية هو دقتها في تناول المكان، فعندما يتحدث “زكريا” عن رحلته إلى فلسطين، ودخوله إلى رام الله والناصرة، يتناول المكان بتفاصيله الدقيقة، وهو ما يضيف قيمة للسرد الروائي، ويعكس معرفة الساردين العميقة بتفاصيل المكان.
من أبرز ميزات الرواية تناولها لموضوع المسرح في فلسطين، حيث يتم ذكر “جوليانو خميس” الذي استشهد أمام مسرح الحرية في مخيم جنين. جاء الإهداء في الرواية إلى “روح جوليانو مير ـ خميس” و**”روح عبد الرحمن عرنوس”، مما يبرز الدور الثقافي الذي لعبه المسرح في تعزيز الهوية الفلسطينية. كما تتناول الرواية دور مسرح عشتار في تعريف الجمهور الفلسطيني بفن المسرح و“المنبر، المضطهدين”**، وهذا يعكس تداخل الأدب والفن في السرد الروائي.
التعقيدات الاجتماعية والإنسانية
الرواية لا تقتصر على تناول الحب كقيمة عاطفية فحسب، بل تتعرض أيضًا لتعقيدات الحياة الاجتماعية تحت الاحتلال. إجراءات الاحتلال، التي تعيق التنقل بين فلسطين ومصر، تمنح أحداث الرواية بعدًا آخر. فكيف لفلسطينية أن تتزوج من مصري وهي بحاجة إلى إجراءات استثنائية للحصول على إقامة قانونية في مصر؟ وكيف يمكن للمصري أن يصل إلى فلسطين في ظل تعقيدات الاحتلال؟ هذه التعقيدات تشكل محورًا مثيرًا في الرواية، حيث الحب ينتصر على المجتمع والأنظمة السياسية.
إحدى اللحظات المثيرة في الرواية هي الحوار بين إيلياء وأمها:
ـ تفضلي يا ست إيلياء هاي آخر ترباتي فيك، تحبي وتتجوزي… قصدي الأستاذ زكريا تبعك، إنت قد العيشة هناك؟
وفي حوار آخر بين زكريا وشقيقته:
ـ عاوز تتجوز من إسرائيل يا زكريا؟ موش كفاية الحملة اللي ضدك بسبب زيارتك لفلسطين؟
الرواية والواقع العربي
ورغم أن الرواية تتمحور حول العلاقة العاطفية بين شخصيات مثقفة، فإنها تعكس الواقع العربي أيضًا. في إحدى اللقاءات، يرحب أبو إلياس بزكريا قائلًا:
“نورت الناصرة وشرفتنا يا حبيبنا يا أبو عبد الناصر الغالي”، في إشارة إلى مكانة عبد الناصر في الذاكرة الفلسطينية. كما تعكس الرواية بشكل غير مباشر تأثيرات الحصار والاحتلال الأمريكي في العراق من خلال شخصية الدكتورة هدى القادمة من بروكسل، التي كانت فاعلة في حركة المسرح العراقي قبل هجرتها إلى الغرب.
النهاية الناعمة
الرواية تقدم نهاية ناعمة، هادئة على صعيد الشخصيات والأحداث والمكان، ففي البداية يلتقي زكريا وإيلياء في شرم الشيخ، ليتنقل اللقاء بعد ذلك إلى رام الله والناصرة، وهي أماكن لا تشتهر بالحروب والقسوة. تتنقل الشخصيات بين هذه الأماكن بشكل يبعث على الأمل في ظل محيط مليء بالتعقيدات والصراعات.
الختام
رواية “النور يأتي من خلف النافذة” هي عمل أدبي يتناول التحديات الاجتماعية، السياسية، والثقافية في سياق معقد، ممزوج بالحس الإنساني والحب. تنجح الرواية في توصيل رسالة السلام والمحبة عبر الشخصيات التي تتحدى العقبات وتجعل من الحب عاملًا أساسيًا في تجاوز الأزمات. كما أن السرد الدقيق والأحداث المترابطة تجعل الرواية تجربة فريدة للقراء.
الرواية من منشورات عيون للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى 2023.
الكاتب والناقد رائد الحواري