الوحش المغرور للكاتب والروائي فوزي نجاجرة


في صباح يوم من الأيام ، بينما كنت أقف مصادفة على أحد مفارق الطرق ، واذ بمركبة صغيرة من نوع فيات يقودها سائق متوسط القامة ضعيف ومعه طفليه ، يصدم مركبة شحن كبيرة متوقفة على المفرق أمامه ، صدمها من الخلف . لم يحدث أي ضرر للمركبتين أبدا . هرع الناس الى الموقع على الفور ، كان سائق الشاحنة عملاق ضخم، فما كان منه الا أن هجم على السائق الضعيف وأوسعه ضربا وركلا قبل نزول الأخير من مركبته ، قام جميع من تواجد بمسكه ومنعه من الاعتداء على الرجل الضعيف ، في الوقت نفسه اعتذر سائق مركبة الفيات عن الفعله ، وأبدى استعداده للتعويض مهما كان ، لكن السائق العملاق لم يقتنع ، ولم يتوقف عن التهديد والشتم بالألفاظ السيئة ، وكلما اعتقدنا أن الرجل القوي قد هدأ ، نتفاجئ به بالافلات منا والاسراع الى مهاجمة السائق الأخر بخنجره ، فنمسك به جميعنا ونمنعه بالقوة من الاعتداء على الرجل المسكين وقتله ، الكل كان يعقله ، ويرجوه أن يختصر الشر ودون فائدة .


احترت شخصيا أنا من سلوك هذا الانسان القوي ، ذو القوام ( العملاق ) بكل معنى الكلمة ، فهو في الأربعينات من عمره ، لا يقل طوله عن مترين ، فعلا كان انسان قوي مرعب ، رأسه أصلع ، وجهه أسمر ، أنفه ضخم وكذلك شفتاه ، عيناه جاحظتان واسعتان يتقادح الشرر منهما ، فكلما كنت أحدق فيها ، أرى وكأن شيئا كبيرا يحاول الخروج من داخلهما . لم يهدأ هذا الرجل العملاق ولم يقتنع من أي انسان بأن الحادث بسيط ، وأن مركبته لم تتضرر أبدا ، كان عنده اصرار غريب يدفعه الى قتل السائق الضعيف .


استمرت المشكلة لأكثر من نصف ساعة . تعطلت خلالها حركة السير وحضرت الشرطة ، الكل كان يحاول اقناعه بالهدوء وازاحة مركبته من الشارع لتسليك حركة المرور ، الا أنه كان ينفخ ويشتم ويتبرم ويحاول الافلات ليقتل الرجل الأخر وبدون وجه حق ، مسلحا بغروره وعجرفته وعنجهيته .


على حين غرة استطاع هذا الرجل العملاق الافلات من قبضة الرجال الذين يحتجزونه ، واندفع كالوحش الهائج مغرورا مختالا بقوته نحو الرجل المسكين الضعيف شاهرا خنجره عاليا لينقض عليه ويقتله ، فجأة وقبل وصوله للرجل بخمسة أمتار سقط على الأرض كصخرة كبيرة حطها السيل من على جبل.


التف جميع الحاضرين حوله ، تفحصوه ، حركوه ، حاولوا أن يسعفوه ، لكنه كان قد أسلم روحه لخالقها وفارق الحياة على عجل ، تعجب الجميع وتسائل عن سبب موت هذا الرجل الضخم وبدون أي مسبب ، واتفق الكل على أن الموت كان يعالجه قبل وقوع الحادث ، وأنه كان هو يسعى لموته المحتوم ويحتاج لمسبب ، ولا بد له من الاختفاء عن هذه الحياة .

الكاتب والروائي فوزي نجاجرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *