لست من المغرمين بالقهوة ولا من طالبيها، لكني حتما لا أنكر نكهتها لمن يعشقها ويذوب في مذاقها، وكما حال أي شيء فإن الإدمان مرض وهوس واضطراب، وبعيدا عن الفوائد والمضار فإن المغرم بالشيء لا يبالي بآفاته، يحيى لحظته، لا يبالي بغده إن عاش يومه، فالسرطان حبيب المدخن، والجمال آفة العشاق، وهوى النفوس معضلة الغارمين.
لا تشغلن بالك بعاشق لشيء فحساباته لا تعنيك، ومواعظك لا تعنيه، فالحسابات الفردية لا يعيها غير أصحابها، وسرورهم بمعادلاتهم لا يدخل أبدا ضمن حسابات المنطق، بل ضمن حسابات سرورهم بمعادلاتهم، ولربما فاتتك لحظات سرورهم، ومخمخة أمزجتهم، وهناء قلوبهم بما يرتشفون.
أعتب جدا على من يستسلمون لوساوس هواجسهم، يظنون أنهم مسلوبو الإرادة منزوعو السيطرة، يقهرهم وسواس غير مرئي ولا مسموع ولا حتى له نبر يرى، خوفهم أطواهم إلى ما وراء أحشاءهم فباتت قرقعات مصرانهم تحكم مسير خطواتهم، أنى لهم أن يركزو وصدى عقولهم محتل من وسواس لا وزن له ولا يرى.
في الواقع المعاش تغلب مظاهر أولئك المنهزمين من وساوسهم على أغلب التفسيرات العلمية لأحوالهم، فالتفسيرات العلمية للوسواس القهري لا تعدو وصفا له وتفسيرا لطبيعته، أما هؤلاء فقد استسلمو ليأسهم وخارو لضعفهم وانهزمو أمام فقدان قرارهم.
ما سر أن يعجز أحدهم عن الاستيقاظ إلا إذا شرب قدحا من القهوة، وما سر أن يفقد أحدهم التركيز على نفسه إلا إذا تاه في دوامات تواهانه، ما بين الوسواس القهوي والوسواس القهري حكايات لملايين التائهين البلهاء الحيارى الموسوسين الذين ضاعت بوصلات أنفسهم، فوجدوا البديل في قبول التيه عنوانا، والضياع رمزا وأوطانا، يتحدثون بكل ثقة عن أوضاعهم، ويفقدون تلك الثقة لما يعجزون عن مقاومة مآلاتهم.
برامج عديدة تم اعدادها للاقلاع عن التدخين وعالفاضي، وعشرات الملايبن أنفقت للمساعدة على هجر المخدرات وعالفاضي، وآلاف الندوات تحدثت عن أوصاف لأفعال غير منطقية ولا مقبوله وعالفاضي، فكما أن هناك أطفالا لا يستطيعون التحكم بمثاناتهم، هناك مثلهم من يعجزون عن السيطرة على مداركهم، وأنا أرى أن عجز السيطرة على المثاني أهون بكثير من فقدان السيطرة على الأدراك .
الوسواس القهوي .. الوسواس القهري .
سلم لي على قرارك …. .
د. حسام القاضي