بخاطرك صليلي

على طرف الأريكة السوداء الباهتة كنتِ تجلسين بل كنتِ تبعثرين بريق حضورك في تلك البقعة الباهتة ، كانت جلستك مقترنة بأنوثة العالم أجمع ، وخصلات شعرك الطويل المتدلي على جسد الأريكة يغريني دفؤه فأتوق إلى لحظة يصبح فيها شعرك غطائي في ليالي الصقيع .
نعومة جلستك حنانك المفرط حتى على الجمادات تفاصيل تجعلني أهيم في حبك ،أتأمل أبسط تفاصيلك فأحب كيف تضعين يدك على رأس الأريكة تحتضين حزناً لست أعرفه ! ..
ولكنني أعرف أن حزني في هذه اللحظة سببه تلك الأريكة البغيضة التي تنعم بعناق يدك وأنا أتأملها حاسداً أنتظر لحظة تغادرينها وتأتي نحوي بخطا سريعة كخطا المطر .. بشوق المطر للتراب في أول الشتاء ..وبسرعة طفلة لمحت في يد والدها الحلوى ..
ألم تسمعي صوت ذراعيّ تناديكِ ألا تشعرين بشوقها ؟!
ألا تلمحين قطع الحلوى في راحة شفتيّ ؟! .
حبذا لو تنصاعين لأوامر قلبك وتركضين نحوي بلهفة المطر للتراب وببراءة طفلة كل تفكيرها الحصول على الحلوى .
حبذا لو تتوقف الساعات يتوقف الزمن كله في هذه اللحظة ..
كنت اقرأ لكِ قصيدة مطلعها عيناكِ وختامها عيناكِ .. مهجتها صوتك .. سكرها ثغرك .. وأنت ِتصغين إلي و ترتشفين خجل السنين كلها دفعة واحدة فتتورد وجنتاكِ مما يزيدك فتنة وكطفلة تشيح نظراتها عن وجهي كي لا تذوب خجلاً ..
أنتهي من القصيدة تكافئينني ببراءة ابتسامة شقت طريقها من وجه يشع نوراً وهذا أقل ما يقال عنه .
عندها فقط تصغين لصوت قلبك وتركضين نحوي كطفلة تتوغلين في أحضاني وتلقين برأسك على كتفي ..
فأستيقظ في منتصف الليل وأشعر أن رأسك بات جزءاً من كتفي من شدة التحامه به أشعر بيدك الصغيرة لا زالت عالقة على معطفي تتشبث به كأمانها الوحيد ! .
كم أشعر بالامتنان إلى اللاوعي الذي أتى بكِ لحلمي ممتناً لليل يختزن صورة هالة وجهك في تلافيف ذاكرته كنت أتوهم أن ذاكرتي الوحيدة المصابة بكِ لكن ذاكرة الليل مصابة بكِ أيضاً قد تكونين داء لأية ذاكرة تصادفينها ربما تستلذين باحتلال الذاكرة ! .
ولو كنت مستيقظاً لأتى الليل بطيفك ينسدل من نافذة السماء طيفاً يشع نوراً في حلكة الظلام ..
هيلين كم كان لكِ من اسمك نصيب عشرة آلاف قمر ضوئها لا يعادل ضوء وجهك ! .
اليوم كما كل يوم استيقظ وآثار وجودك تملؤني وظلام الفقد خيم على غرفتي لا أبصر إلا بعضاً من النور تسرب من باب موارب فيصبح المشهد كمشاهد الأبيض والأسود في التلفاز القديم صورة يجتاحها التشويش ومشهد مبعثر كصبري ..
والحزن كدر مزاجي وضجيج الشوق يكاد يمزق طبلتي أذنيّ ما اسوأ اللحظة التي أدرك بها أن وجودك بات وهمياً وأن لا فرصة لعناقك إلا حلماً ! ، كم أمقت الوعي الذي يجعلني أدرك أنكِ لست هنا ولن تعودي ! ، وأمقت صوت قلب يئن كلما همس له الوعي أن ما جعل الفرح يحتل أجزاءه هو حلم ولن يصبح حقيقية !.
فها هو طيفك بأجنحته البلورية كلما حاولت عناقه تلاشى بومضة برق تسرب من بين أصابعي كما تسرب ماء العمر ! ..
أنهض من سرير بات كالمنفى كثمل يتمايل على مساحات الخيبة حتى أصل لكبسة زر ستنير غرفتي ولكن من ينير قلبي ! .
أنظر لساعة جدارية أصابها الشلل منذ رحيلك لا زالت الساعة السادسة مساءً منذ عام والساعة توقفت في السادسة مساءً !
غادرت دوامة قلقي ورحت ألجأ لبضع صبر أرتشفه بحبات بن وبضع أمل أرتشفه في فنجان قهوة ينقصه السكر منذ غياب عينيكِ .
لا بأس فقد تصلح القهوة سوء مزاجي جلست على الأريكة ذاتها أقتفي آثاركِ عليها .. وانتظر من خلف زجاج نافذتي مطلع الفجر
وتمضي ساعات وانتظر شروق الشمس وتمضي الساعات وأنتظر غروبها ولا زلت مكاني مكبلاً بأصفاد التردد
تعود ذاكرتي أدراجها لذلك اليوم المشؤوم منذ عام أذكره بأدق تفاصيله حتى وجوه الغرباء الذين صادفتهم في طريق ذهابي للمقهى أذكرهم وكأن كل ما حدث حدث لتوه !
أتذكر يوم تركت لكِ الطعنة الأخيرة في جسد حب ملأته الندوب ، وأتذكر كيف تعمدت تجاهل كل محاولاتك للبقاء وكل أمنياتك لإكمال العمر معاً لا زال صدى صوتي يعاقبني وكأنني أتحدث إليكِ الآن

لا تراهني على ضعفي في نوبة حنين فلن نعود .
كنا على حافة فراق رحت أستعجل إفلات يدي مسلماً قصتنا لهاوية الغياب ..
لا زلت أذكر تلك الابتسامة التي جزمت لي أن كل سبل إقناعك تنتهي بالتيه ..كانت نبرتك تتحدى طعنتي وتقاوم السقوط تشد على جرحها بأيد راجفة وتكابر حتى الرمق الأخير ..

بلى ستعود كلما اجتاح الحنين البلاد ..لي معك موعد في كل بكاء ( بخاطرك صليلي ) ..
أما موعدنا ستصلي له حشود وسيرفع من أجله ألف دعاء .
وبعدما سقطنا في هاوية الغياب ومر عام وأنا حائر في حل اللغز الأخير .. أنتظر موعداً لا أعرف متى يحين! .. كأسير فلسطيني في سجون الاحتلال سلبوه عمره في أربع مؤبدات ولا زال ينتظر موعده مع الحرية !

هربت من سيف ذكرى تحاول نحري هربت مما أقاسيه في منزل أصبح كالقبر ..
ما إن وضعت قدمي الأولى خارج باب البناء حتى بكت السماء وهطلت الذكريات فوق رأسي المطر الأول هذا الشتاء ..
ووقعت نكبة الحنين بعدما بكت السماء بسخاء بعد ألف صلاة استسقاء
أمست الطرق كلها حنين ! ..اراه مبعثراً في ملامح المارة الغرباء ..الجميع يجوب الطرق شارد الذهن وروحه تجوب طرق الذاكرة لتصل لمحطة لقاء !.. ينصب الكمائن ليسقط الجميع مقيدا به !..
وأنا أيضا تعثرت بحنيني وعاد صوتك ليدفعني لكمين جديد..
كنت أسير دون وجهة محددة إلى أن هزمني الحنين
رحت أهرول لك لأعانقك وتبكي في أحضاننا السماء ..وصلت على عجل إلى المقهى ذاته في الحي العتيق الذي امضينا سنوات حبنا على طاولاته كان المقهى شبه فارغ إلا من بعض العشاق
سرت نحو الطاولة ذاتها جلست وحيداً انتظر معجزة تحملك إلي هل عرفت كرسيا يصفع ؟!
أنا صفعني كرسيكِ الفارغ انتظرت ساعات دونما أمل حتى النادل صديقنا المشترك ذاته همس في أذني بعدما ربت بيديه على كتفي ..
( لن تأتي منذ فراقكم وهي تأتي لهنا بشكل يومي وبالموعد ذاته تنتظرك ..ولكن منذ ما يقارب الشهر جاءت تودعني وأخبرتني أن عمر انتظارها انتهى والأمل تحطم بها وأنها اختارت السفر ولن تعود )
أخبرتك بكل شيء لكنها نسيت أن تخبرك أنني على موعد مع النهاية التي أستحقها .


الكاتبة الإعلامية يارا فريج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *