عادَ إلى البيتِ حاملاً الحلوى التي تُحبّها، تَحملُه أجنحةُ الأشواقِ إليها. استقبلَته كما تستقبلُ الأرضُ العطشى قطراتِ المطرِ ، وقد تزيّنَت له تزيُنَ الأشجارِ للربيع.
قالت بصوتِها الشجيّ:
اغسلْ يديك يا حبيبي وتعال فقد أعددتُ لك طبقاً تحبّه. خَمِنْ ما هو؟ كلّ ما تُعدّينه لذيذ.
فتح صنبور الماء وتراءى له وجه أبيه الهزيل في المرآة. وقف مشدوهاً هنيهة، ثم تراجع إلى الخلف. خرج من الحمام وأتى إلى المطبخ. سألَته ممازحةً، وهي تضعُ الأطباق على المائدة:
هل غسلتَ يديك بهذه السرعة؟ أجابها بغضبٍ وقد انتفخَت أوداجه: لم أغسلها فقد غسلتها في المكتب قبل حضوري.
حسناً كما تريد. طبعاً كما أريد
سحب الكرسي بعصبيّة، وأردف قائلاً:
ما هذا الطعام! من قال لك أنّي أحب المحشي؟ أنت من قال
غير صحيح، ثمّ إني أحبه على طريقة أمي. تذوقه أولاً، ثمّ اعترض.
لن أتذوق شيئاً. قالها ونهض عن المائدة وهو يزمجر: ما هذا البيت، لا شيء يطاق.
أما هي فقد تهاوت تحت كلماته الجارحة، تكتمُ بكاءً يخنقها،
وتبحثُ عن مبرراتٍ تهدئ من روعها.
وضعَت الطعام في الثلاجة، ثم بدأت بإعادة الأطباق إلى الرفوف. غير أن صوتاً تصاعد في داخلها أوقفها عن متابعة العمل. دخلَت إليه وجذبَته بيد رجلٍ من ياقة قميصه، وقالت:
_لن أكون أمي. أتفهم!
الكاتبة رانيا الصباغ