تحليل ل د. صبري زمزم لرواية “القاهرة سبعين بين نعم ولا”للأديب عمر وأنور

 

من خلال عنوان الرواية، الذي يُعد أول عتباتها، يتوقع القارئ قبل الشروع في قراءتها أنها تتناول عقد السبعينيات بأكمله، نظرًا لأهميته في تاريخ مصر. فقد كان هذا العقد حافلًا بالأحداث الجسام التي ما زالت مؤثرة حتى يومنا هذا.

كان من المتوقع أن تبدأ الرواية بحدث مؤلم وهو وفاة الزعيم جمال عبد الناصر عام 1970، ثم تمر بمرحلة انتقال السلطة إلى الرئيس أنور السادات، وما تبع ذلك من صراعات سياسية، حيث حاول رجال عبد الناصر السيطرة على السادات أو التخلص منه، لكنه استطاع بذكائه التغلب عليهم وإقصاءهم، مستميلًا الشعب إلى صفه عبر تصويرهم كـ”مراكز قوى” مسؤولة عن المعتقلات والتعذيب. لكن المؤلف عمر وأنور مر على كل هذه الأحداث مرور الكرام، وبدأ قصته من داخل جامعة القاهرة، مستعرضًا الحياة الطلابية والعلاقات بين الطلبة والأساتذة، دون التعمق في الأحداث السياسية الكبيرة.

وعلى الرغم من أن الرواية طويلة، إذ تمتد لأكثر من 330 صفحة، إلا أنها لم تتسع إلا لنصف العقد فقط، حيث توقفت أحداثها في عام 1976، وهي نهاية المرحلة الأولى من حكم السادات. وكان من الأفضل أن تغطي الرواية المرحلة بأكملها بدلًا من ترك القارئ في انتظار جزء ثانٍ.

ملاحظات نقدية حول الرواية:

  • تناول الأحداث السياسية بشكل سطحي:
    • لم تأخذ وفاة عبد الناصر، والصراع بين السادات ورجال العهد السابق، المساحة الكافية من السرد.
    • لم يتم التعمق في تفاصيل المظاهرات الطلابية التي طالبت بالحرب، حيث اكتفى المؤلف بذكرها دون توضيح آلياتها أو تأثيرها الفعلي، وصوّرها وكأنها كانت بإيعاز من النظام لإعطاء صورة للخارج بأن الشعب يريد الحرب بينما القيادة تبحث عن السلام.
    • لم تتناول الرواية حرب أكتوبر في لحظة وقوعها، بل تم الحديث عنها فقط من خلال الأحداث السابقة لها (المظاهرات المطالبة بالحرب) والآثار التي تبعتها، خاصة فيما يتعلق بالإعداد للاستفتاء على فترة رئاسية جديدة للسادات باعتباره بطل النصر.
    • تطرقت الرواية إلى زيارة السادات لإسرائيل، رغم أن هذه الدعوة جاءت في نوفمبر 1977، بينما انتهت أحداث الرواية في أكتوبر 1976، مما يُعد خطأً زمنيًا في السرد.
  • ضعف رسم الشخصيات:
    • معظم الشخصيات كانت باهتة وغير مرسومة بعناية.
    • لم يتم التطرق إلى الخلفيات العائلية والنفسية لكثير من الأبطال، مما جعلهم غامضين رغم أهمية أدوارهم.
    • شخصية فؤادة كانت تكرر فكرة تأكيد استقلالية المرأة بشكل مبالغ فيه، من خلال “أسرة لا”، التي اقتصرت عضويتها على الطالبات فقط، رغم أن المجتمع وقتها كان أكثر تحررًا ويتبنى فكرة الاختلاط بين الجنسين.
    • شخصية بطل الرواية لم يُبرر الكاتب دوافعه للتجسس على زملائه ثم على عائلته، مما جعله يظهر كشخصية غير مقنعة.
    • لم تأخذ قصة ارتباط البطل بطالبة في الكلية ثم طلاقه منها حقها من السرد، حيث لم يتم توضيح الأسباب أو تفاصيل العلاقة رغم أهميتها.
    • استخدام الكاتب لصيغة التكرار في وصف بعض الشخصيات الثانوية، مثل رئيسة القسم التي لم يذكر اسمها مطلقًا، رغم دورها في إنشاء “أسرة لا”.
    • تركيز الرواية على مصطلح سنة الصباب، الذي استخدمه السادات وأصبح مثار سخرية المعارضين، وخاصة الناصريين.

التقييم العام للرواية:

لقد شدتني أحداث الرواية من أول كلمة إلى آخر كلمة، ولكن كنت أتمنى أن تشمل الرواية عقد السبعينيات بالكامل، وتمتد حتى نهاية عصر السادات ومقتله، مع الكشف عن بعض الأسرار المرتبطة بذلك.

لكن الكاتب وعد بجزء ثانٍ، ونحن في انتظاره منذ الآن. ومع ذلك، آمل أن يكون أكثر تركيزًا وإيجازًا، وأن يهتم بتفاصيل الأحداث من الداخل وليس مجرد المرور عليها من بعيد كما فعل في الجزء الأول.

د. صبري زمزم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *