الأمة التي لا تقبل، أو ترفض، أو تنحاز، أو تتجه، ولا تصارع للأفضل ليست أمة حيّة. وليس للأمم التي لا حياة فيها في هذا الوجود إلا مقابر التاريخ.
والقبول والرفض والانحياز والاتجاه والصراع هو قبول الحق ورفض الباطل والانحياز الى العدل والاتجاه الى المثل العليا والصراع من أجل حياة أفضل.
وكذلك الإنسان – الفرد الذي لا يقبل الحق ويرفض الظلم وينحاز الى العدل ويتجه الى المثال الأعلى ولا يصارع من أجل الأفضل ليس من أبناء الحياة ولا يستحق أن يكون. إنه متراوح، متخبط، مضطرب، ضائع، لا يعرف ماذا يريد ولا يعرف ماذا يرفض لأنه بلا نظرة أصلية الى الوجود والحياة فيتوهم أن العدو صديقًا والصديق عدوًا ولا يميز بين حق وباطل.
والذي ليس له نظرة أصلية الى الوجود والحياة والكون هو فريسة التمزق الفكري، والضياع العقلي، والتلاشي الروحي لأنه ينطلق من خارج ذاته ولا يثق بنفسه ولا يعرف صديقه ويجهل عدوه، ولا يعي دوره ومكانه وواجبه في أمته، وينقصه شمول الرؤيا، وتبقى نظرته ضبابية فيضل طريق الحياة الصحيح بدلاً من أن ينطلق بنظرة شاملة واعية هادفة، ويندفع بقوة حاسمة على دروب النجاح والتقدم والارتقاء والنصر.
أما الذي يقبل العدل ويرفض الظلم وينحاز الى الحق ويتجه الى سحق كل باطل مهما اشتدت الصعوبات وتراكمت قوى الشر فانه هو بالذات صاحب النظرة الاصلية الى الوجود والحياة والرقي لأنه يعرف ما يريد وما لا يريد ويعتمد على نفسه في فرض حقيقته على الوجود، ولا يستسلم أمام الطاغوت والطغيان حتى ولو العالم كله ناصر الطاغوت وخنع للطغيان.
إن أفتك الأمراض ليست التي تصيب الجسد فتقعد المرء وترميه مقعداً بل التي تعبث في النفس فيضيع صاحبها في ضباب الشك والفوض والتخبط والزوغان.
بهذا الفهم القومي الاجتماعي الجديد للانسان- الفرد لم يعد سقوط جسد الفرد موتاً ولم يعد تحركه حياتاً. فالحياة والموت لا يكونان او يقومان الا بوعي الانسان- الفرد وارادته ومواقف عزته او بجهليته وتراوحه في مواقف جبنه وذله.
وبناءً على ما تقدم، فإن ممارسة الحياة العزيزة لا تكون إلا بالمجابهة بالوعي، والتحدي بالبطولة، بالرفض لكل ظلم وبالقبول فقط بالعدل، بالانحياز للخير والاتجاه الى كل ما هو أخير وأعز، بالثورة على كل فساد والصراع لتحقيق كل ما هو أصلح وأجود.
ويبقى الموت حاصل الخوف والاضطراب والتخبط والضياع والجبن والاستسلام واليأس والهروب. وإذا كان العيش بالذل أردأ من الموت، فإن الموت بالعز هو أفضل من العيش. وهيهات أن يتساوى الأعزاء والأذلاء مهما كثرت التبريرات والذرائع. فالإنسان – الفرد بوعيه وإرادته وبطولته يحيا عزيزاً ويموت بعزة أمته. والإنسان – الفرد بضياعه وتخاذله وجبنه يعيش ويموت ذليلاً.
ليست الحياة في سكوت الجبناء ولا هي في ثرثرات الفارغين. إنها في عمل وإنتاج وإبداع الواعين المؤمنين العاملين المقاومين المهاجمين المصارعين المضحين الذين هم وحدهم يصنعون التاريخ المشرّف ووحدهم يغيرون مجراه للأفضل. الأبطال الأحرار في فلسطين ولبنان والشام والعراق هم وحدهم يمارسون البطولات لا خوفاً ولا طمعاً وإنما اقتناعاً وجدانياً مناقبياً أخلاقياً أصيلاً كانوه منذ كانوا ويمارسونه ما حيوا صموداً ومقاومة ومهاجمة وتضحيات وفداءً.
أما الذين يسكتون عن المساويء ويتكيفون مع المفاسد في المجتمع ، ويتنافسون لخدمة اعداء مجتمعنا المتربصين بنا ، فانهم أعداء نهضة المجتمع . انهم مرضى الأنانية والخصوصية والمنفعية بنار أنايتهم يحترقون ، وعلى مذبح خصوصياتهم ينتحرون،وفي جحيم منفعيتهم يخلدون.
فيا أيها المقاومون المهاجمون الفدائيون.أنتم طلائع أجيالنا الصاعدة. أنتم تعيدون اليوم الى انسان أمتنا ثقته بنفسه،وايمانه بجوهره الأصيل اللامتناهي ، وبذاته الانسانية المبدعة المنتصرة ، وتعلنون كفره بالانسان الممسوخ والمشوه الروح والنفس والعقل الذي ارعبته واذلته الآلة العمياء ورمته في ميادين الضلال والباطل .
بوعيكم لقضية وجودكم وحياتكم ومصيركم تتكشف ابعاد كل غد عظيم، وبوهج ايمانكم بأنفسكم واصالة أمتكم تتبسم دروب القمم.
مواقفكم نبيلة وبطولتكم حقة . ايمانكم عظيم وتضحياتكم رائعة .
لقد استيقظت في دمائكم معالم ثورة ألهبت الكون وغيّرت سير الأحداث .
أفعالكم ملاحم خلق جديد ودربكم قمم حرية وتحريروعزة وتعزيز تتصاعد بلا حدود ، وارادتكم هي القضاء والقدر.
لقد عرفتم كيف توقظون وجدان الأمة وتستقطبون ضمائر أحرارها وتبرهنون بكل وضوح ان :
” الحروب المصيرية لا يقودها الوجهاء ومحاسيب الحكم ، بل تلزمها قيادات من نوع عبقري متفوق تعلن صراحة أن دول الاقطاع والوجاهة والترف المؤسسة على الغرور والجهل والمبالغات الجوفاء،والنفسية الاقطاعية البالية ، لا تصلح الا لأسواق النخاسة العالمية “
كما قال المؤرخ الراحل الكبير الأمين أسد الأشقر .
اليكم أيها المقاومون المهاجمون الفدائيون المسجلون بأحرف الدم أبهى وازهى انتصاراتنا ، انتم تشرفون بمواقفكم النبيلة تاريخنا العظيم ، وتملؤن الأرض بعبقريات أمتنا وأمجادها ، وببطولاتكم العظيمة
تحررون نفوس ابناء الأمة من الخمول والاتكالية والتخاذل مقدمة لتحرير كامل ارض فلسطين لتنهار السجون التي وضعها المستعمرون المستبدون للأمة ولأبنائها ليقضوا عليها ويشتتوا أبنائها ويدفنوا تاريخها ويمحوا حضارتها .
لا سبيل الى الانقاذ من الهلاك الا بالمقاومة والمهاجمة والفداء والصراع والاعتماد على البطولة المؤيدة بصحة العقيدة لاحتلال المكان الذي يليق بالأمم الحية التي ترفض الباطل والظلم ولا ترضى الا بالحق والعدل .
الكاتب يوسف المسمار
من كتاب ” نافذة ضوء “