في ٥ / ٦ / ٢٠٢٤ كتب يوسف فارس المراسل التلفزيوني المقيم في غزة ، في صفحته ، القصة الآتية عن الحياة هناك في الحرب :
” كان لا بد أن يقام فرح روان شقيقة زميلنا عبد القادر صباح في وسط الحرب ، فقد مضت ثمانية أشهر على تأجيله للمرة الثانية ، ويتعين على والدها السفر للعلاج ، هنا ، تفرض القيم الاجتماعية نفسها بمعزل عن حدة الظروف ، لقد جهزت العروس للزفاف البسيط في يوم واحد . حجز لها في صالون نسائي . ألبست أبهى ما هو متوفر ، وفي خضم يوم مزدحم بالتفاصيل استشهد زوج شقيقة العروس الكبرى إيمان مع إخوته الخمسة ، وكانت الأخيرة القيمة على تجهيز شقيقتها العروس ، ودخلت العائلة في معركة إخفاء الخبر عن الأختين لكي يتم الزواج . تعلمون أي ملحمة سيعيشها والد العروس الذي يزف في ذات اللحظة ابنته عروسا ويبكي أخرى أرملة ؟
كيف ستصطنع والدة زميلنا وجها يهدي الزغروته ويكتم النحيب ؟
لقد حدث هذا فعلا . ستزهو عروس الحرب بفرحها المؤجل ليوم واحد ، ثم ستلبس نساء البيت جميعهن ثوب الحداد . ابتسامة زاىفة ودمعة خبيئة . حجرتان واحدة للفرح وأخرى للعزاء ، وفي صدور الجميع قلب واحد .. هو قلب إيمان الثكلى ” .
وكان متابعو ما يجري هناك ، بعيدا عن أخبار المعارك ، شاهدوا أشرطة فيديو عديدة عن حالات زواج جرت في معسكرات الإيواء أو في بعض المخيمات ، حيث عبرت عن إرادة الحياة واستمراريتها ، وهذه الحالة عموما ليست غريبة عن الفلسطينيين ، ففي حرب بيروت ١٩٨٢ كان أهل المدينة في ساعات الهدنة يحتفلون بالحياة فيتزوجون ويذهبون إلى البحر يسبحون ، بل وكانوا يشاهدون مباريات كرة القدم ، وهو ما نقرؤه في كتاب محمود درويش ” ذاكرة للنسيان : سيرة يوم . المكان آب . الزمان بيروت ” ولخصه بسطر شعري ورد في إحدى قصائد ” ورد أقل ” ١٩٨٥ ، والسطر هو :
” ونرقص بين شهيدين ” .
ما ورد في القصة التي كتبها يوسف كتب شبيها به الكاتب السوري أديب نحوي في روايته ” عرس فلسطيني ” (١٩٧٠) . يذهب اللاجيء فهد البصاوي – نسبة إلى البصة قرب عكا – في عملية فدائية إلى داخل الأرض المحتلة ، وينتظر والده ليلة عودته سالما ، فيعد لاحتفال العرس ويقيم الموائد وينتظر ، ولكن فهد العريس يستشهد ، وحين يعلم والده بالنبأ يخفيه ويصر على إقامة العرس والاحتفال بليلة عرس ابنه ، ويبقى متماسكا فيخرج زجاجة العرق ويشرب أمام الآخرين وكأن الأمور تسير كما خطط لها ، فالابن سيعود والزفاف سيتم .
أكثر مقطع شعري فلسطيني عبر عن العرس الفلسطيني الحزين الذي ينغصه الواقع المأساوي منذ النكبة هو المقطع الذي ورد في قصيدة محمود درويش ” طوبى لشيء لم يصل ” من ديوان ” محاولة رقم ٧ ” ١٩٧٤ ، وقد حفظناه عن ظهر قلب نظرا لصدقه في التعبير عن قسوة حياتنا وغنائيته وهو :
” هذا هو العرس الذي لا ينتهي / في ساحة لا تنتهي / في ليلة لا تنتهي / هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلا شهيدا أو شريد
… / – من أي عام جاء هذا الحزن ؟ / من سنة فلسطينية لا تنتهي / وتشابهت كل الشهور ” .
في العام ١٩٧٩ أصدرت مجموعتي القصصية الأولى ” فصول في توقيع الاتفاقية ” وصدرت إحدى قصصها ” العريس ” بالمقطع السابق ، وقد استوحيتها مما حدث مع صديقي وجاري في المخيم فؤاد سمحة .
كان فؤاد ، وهو الابن الأكبر لسائق شاحنة متوفى ، مصمودا في ساحة الدار والشباب يغنون في عرسه ويرقصون ، فداهمهم الجيش الإسرائيلي بحثا عمن رشق على أفراده الحجارة ، واقتادوا الشباب ومن بينهم العريس إلى مركز الشرطة ، وفيه أنفق العريس ليلة عرسه الأولى .
هل استوحى محمود درويش قصيدته ” أعراس ” ١٩٧٧ من رواية أديب نحوي :
” عاشق يأتي من الحرب إلى يوم الزفاف / ويدخل حلبة الرقص حصانا من حماس وقرنفل …
وعلى سقف الزغاريد تجيء الطائرات / طائرات / طائرات / تخطف العاشق من حضن الفراشة / ومناديل الحداد … “
وتزوجت البلاد ” .
ولعل ما يستحق الالتفات إليه هو هذه القصص والحكايات التي عاشها أبناء الشعب الفلسطيني في مسيرتهم الطويلة ؛ القصص التي تأتي على الأفراح التي تنغصها معاناتهم جراء ما ألم بهم بسبب إقامة إسرائيل ، وهي حكايات أوحت للشاعر سميح صباغ ابن قرية البقيعة لكتابة البيت الشعري :
” إني تشهيت زغاريد النساء ، يحملن
شوق ألف عام للأغاني والفرح ” .
هل نأتي على ما رواه شفيق الحوت في إحدى المقابلات التلفزيونية معه عن أعراس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ ؟
عندما كان لاجيء في أحد مخيمات لبنان يريد أن يتزوج من لاجئة من مخيم آخر كان لا بد من تدخل الحوت باعتباره ممثلا لشؤون اللاجئين في لبنان .
هل قاربت سميرة عزام في قصتها ” فلسطيني ” شيئا من هذا ؟
لا بد من عودة إلى القصة !
أ. د. عادل الأسطة