تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤: ل أ. د. عادل الأسطة

«لا تسألونا كم سنمكث بينكم: زيارتنا قصيرة» نكبة جديدة في ذكرى النكبة الأولى


يرى إلياس خوري أن النكبة الفلسطينية مستمرة منذ ١٩٤٨، وقد صدر له في ٢٠٢٣ عن دار الآداب كتاب «النكبة المستمرة».
تتجسد النكبة في كل معلم من معالم الفلسطينيين وكل مظهر من مظاهر حياتهم، فلا اللاجئون عادوا ولا المخيمات التي أقيمت عقبها تفككت، ولا العدوان الإسرائيلي انتهى أو وجد حلاً.
ومنذ ٧ أكتوبر٢٠٢٣ وإجبار أهل شمال قطاع غزة ووسطه على الهجرة إلى جنوبه، وإقامة مخيمات لجوء فيه، يعاد استنساخ ما حدث في ١٩٤٨ وفي ١٩٦٧، وفي مخيمات لبنان في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من ١٩٧٥ – ١٩٩٠، ناهيك عن استمرار هجرة أهاليها منذ ١٩٩٠ إلى أوروبا، وبخاصة الدول الاسكندنافية. ونحن نقرأ عموماً انعكاس هذا في النصوص الأدبية الفلسطينية على مدار ٧٦ عاماً.


ومنذ ٧ أكتوبر صرنا نقرأ أخباراً ونشاهد أشرطة فيديو تستثير فينا مخزون ما ظل عالقاً في ذاكرتنا من نصوص أدبية كتبها أدباؤنا، وبتنا نستحضرها في كتاباتنا، فالحدث يستحضر شبيهه والصورة تستحضر أختها وتجربة الأجداد والآباء يمر بها الأبناء، بل إن هناك، ممن امتد به العمر، من عاش تجربة ١٩٤٨وتجربة ٢٠٢٣ وأقام في الخيام طفلاً وعجوزاً كهلاً، وهناك من ولد في الخيمة ومات في شبيهتها بعد سبعة عقود، ولما تتوقف الهجرة، فالآن ٦/ ٥/ ٢٠٢٤ تطلب إسرائيل من سكان رفح واللاجئين إليها تركها إلى وسط القطاع، لتكمل حربها.
وأنا أقرأ ما يكتب، في صفحات التواصل الاجتماعي لأبناء قطاع غزة، وأشاهد مقاطع أشرطة فيديو لحياتهم، سرعان ما أستحضر شبيهاً لها قرأته.


ليست حياة الفلسطينيين في الحرب حياة يسودها الوئام والمحبة والسلام، وليست حياة مستقرة يغلب عليها السلم الاجتماعي، فالبقعة الصغيرة التي اكتظت بالمواطنين ضاقت عليهم وبهم؛ على المقيمين والطارئين، ما ولد مشاكل اجتماعية ونزاعات وخصومات وسرقات واستغلالاً، بل وضرباً من تعالي بعض المقيمين على اللاجئين، ومثل هذا كله عاشه بعض الأجداد والآباء وعرفوه وخبروه وعرفه معهم وخبره أبناؤهم أيضاً.


في مساء السبت ٤/ ٥/ ٢٠٢٤ قرأت في صفحة «حي تل السلطان يجمعنا» منشوراً لـ Mohammad Awad نصه بالتمام:
«إخواني النازحين في رفح، استعدوا واحزموا أمتعتكم واتركوا صورة جميلة عنكم لمن أكرمكم بضيافتكم في أرضه، عند المغادرة اتركوا أماكنكم نظيفة واعكسوا نظافة بيوتكم بها لا تزهقوا إخوانكم الكرماء بمخلفاتكم. ولا تنسوا أن تقدموا لهم كلمات الشكر التي يستحقونها. لا تودعوهم بل اوعدوهم بالزيارة والتواصل فهم كانوا أهلاً على مدار سبعة أشهر».


وقرأت ٣٢ تعليقاً لا ضرورة لذكر أصحابها، وهذه هي بعد إدراج المنشور بثماني ساعات:
«- إن شاء الله نلتقي أيام أفضل وأحسن من هيك أيام/ – برافو عليك/ – والله يا أخي بدون زعل مني. في ٣ شهور عشتهم في رفح كرهت حالي. صح في عالم كويسة بس شاعر كنت عايشة (؟) في ما يستحق أي احترام عالم بستحق يسير فيهم زي ما صار فينا؟/ – يخووفي م احنا نحزم امتعتنا ونروح معهم/ – والله إنك كريم ابن كرام. بارك الله فيكم/ – كلها ابر بنج الأيام الجايه هتشدد الحرب خاصة ع رفح / – رجعوا الأغراض اللي حزمتوهم. لسه قصتنا طويلة./- شكلنا كلنا حنحزم امتعتنا بس لوين مش عارفين/ – كل أخبار المفاوضات والهدنة كذب بكذب ومفش ترويحة على غزة والشمال/ – الفريقين ما بتفاوضوا. افهموااااا. والباقي عندكو واللبيب بالإشارة يفهم.


لا تتلاعبوا بمشاعر الناس… لم تنتهي(؟) هذه المصيبة بعد/ – ما فيش صفقة/ – سموحة أحمد كل الشكر حبيبتي ربنا يقدرنا ونرد جميلكم ويرجع الجميع لبيوتهم يا رب/ – وبعدين فهذه منشورات اللي ملهاش لازمة/ – طيب اصبر علينا لبكره. جالس تطردنا من الآن. النهار إلو عينين/ – الوضع صعب والقعده بالموااصي طوااله / – ربنا يفرجها وتنتهي هالوحشية وبعدين كل شيء ساهل.. حللت مرحبا بكم. احنا بنعمل كل شي بدلا عنكم.. ربنا يردكم سالمين غانمين. يااااااااااارب/ – موافقين/ – وجهك عليها راح نخلي رفح تضوي ضوي بس الاتحاد السوفيتي اللي عنا ينهينا من هالقصة ويبطل مماطلة على حسابنا../ – يا رب/ – ليش مش رايحين معنا. باي/ – شكلهم أهل رفح رح يحزموا امتعتهم معهم والكل يطلع سوا./ – إنها (ء) الحرب في ٢٠٢٧ النهاية للحرب. بدون تعليقات / – الله كريم وتصير/ – ما احنا برضو نروح نعطي انطباع بيجنن. تستعجلش. مو وقته هسه».


إنها تعليقات تعكس وجهات نظر منها السلبي ومنها الإيجابي، ومنها المتفائل ومنها المتشائم، ومنها الساخر من «الاتحاد السوفيتي» الفلسطيني في غزة (؟) – أي حماس. ومنها اثنان يذكران بقصة سميرة عزام «فلسطيني» التي عبرت فيها عن أقسى معاني الاغتراب، حيث يجرد الفلسطيني من ملامحه الخاصة ويغدو فرداً في قطيع.

مجرد فلسطيني لا اسم له ولا هوية، بل وتذكر بقصيدة محمود درويش «نزل على بحر» التي يقول فيها: «لا تسألونا كم سنمكث بينكم: زيارتنا قصيرة»، وقد كتبها بعد الخروج من بيروت في ١٩٨٤.
عندما انتهيت من كتابة المقال بدأ العدوان على رفح وصار الكل لاجئاً، فالمنشورات تساقطت على المدينة تطالبهم بالرحيل.
الله المستعان به.

أ. د. عادل الأسطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *