تعدد النهايات في قصة “عيادة الموت الرحيم” للأديبة سوسن محفوظ  ل د. سعيد محمد المنزلاوي

القصة استباقية تستشرف المستقبل لتنقلنا إلى سنة (2100)، والذي تشرف فيه وزارة الصحة على عيادة “الموت الرحيم”، والتي تتيح للفرد الذي لا يملك الرغبة في الحياة أن ينهيها بطريقة آمنة ومريحة.

إنها رحلة نفسية، لم تقطع فيها الكاتبة برأي، لأنها تتحدث عن شيء سيحدث بعد قرن وثلاثة أرباع القرن ستتغير فيه الثقافات والعادات والطباع. فوضع القصة في إطار مستقبلي تخلصنا من هذه المشكلة، وهي أن القتل محرم. غير حالة الوالد الهرم متأخرة للغاية وليس هناك أمل في الشفاء، لذا فقد طاوعت ابنته رغبة أبيها وحجزت له في تلك العيادة، دون علم إخوتها؛ كي تتيح لوالدها موتًا رحيمًا.

وبدخول الهرم العيادة، تبدأ المفارقة التي تنقل الأحداث إلى جهات شتى، وهي مفارقة بين رجلين: الأول “معروف” والذي يرغب في الموت راحة من آلامه المبرحة، والرجل الثاني “طلعت المنصوري” الثري والذي يشعر بآلام معنوية نتيجة تجاهل أبنائه له. الرجل الأول فقير، والثاني ثري. الرجل الأول أولاده يريدونه بينهم، والثاني أولاده منشغلون عنه ويرغبون أكثر منه في إنهاء حياته. نهايات مختلفة لقصة واحدة، كان يمكن للكاتبة أن تنهي القصة عند عرض الدكتور لأولاد “معروف”، وتبقى النهاية مفتوحة “بتبديل الاَباء بينكم وستأخذون والدهم للإقامة معكم دون علمهم في الوقت نفسه سأقوم بتحقيق أمنية والدكم ووضع نهاية لألمه وأقوم بتسليمه لأبناء الأستاذ “طلعت” وسترون بأنفسكم كيف ستكون جنازته وقبره.. فأنتم حتمًا ستحضرونها، في المقابل سيكون معكم الأستاذ “طلعت” ليعيش معكم ظنا منه أنه في انتظار دوره بعد ستة أشهر.. ووقتها سيكون له ولكم القرار الأخير”. ولكن الكاتبة جعلت لها ثلاث نهايات في مواجهة تلك الصعوبة إرضاء لذوق القارئ من ناحية ولتعدد الرؤى من ناحية أخرى ولا شك أن الكاتبة كانت تميل إلى نهاية من تلك النهايات التي ختمت بها القصة.

النهاية الأولى: رفض أبناء “معروف” موت أبيهم، ويعودون به ولكنه مع تزايد آلامه يزداد سخطه عليهم. بينما وافق الطبيب على موت الأب الثاني “طلعت المنصوري” ليتفاجأ أبناؤه بعد موته بإقامة شركة التأمين دعوى قضائية ضدهم لتعجيلهم بموت والدهم. بينما مع معاناة “معروف” اضطر أولاده بوضع السم له، ولكن الجرعة كانت كبيرة ما جعله يتلوى من شدة الألم، ليذهبوا به إلى المستشفى لإنقاذه، ويتم اتهامهم بالشروع في قتل والدهم ومحاولة تسميمه.

النهاية الثانية: تمت فيها صفقة تبادل الأدوار، فـ”معروف” يرغب في الموت عكس “طلعت”، وأولاد “معروف” حريصون على حياة أبيهم عكس أولاد “طلعت”؛ لذا كان اقتراح الطبيب أن يموت “معروف” ليستريح من آلامه، ويسلم مكفنًا لأبناء “طلعت” باعتباره والدهم، بينما يعيش “طلعت” مع أبناء “معروف” عوضًا لهم عن أبيهم، وعوضًا له عن أبنائه، وبعد ستة أشهر له القرار أن يموت أو يعيش. وسار الأمر على ذلك حتى تعرض أحد أبناء “معروف” لحادث، اضطر معه “طلعت” للرجوع منكرًا لأولاده ليحصل منهم على بعض المال لمساعدة ابن معروف في إجراء العملية، وفاءً لمعروفهم معه. ولكنه يفاجأ بتبدل أحوال أبنائه، فالأكبر يكتشف خيانة زوجه له، والأصغر حبيس قصره بعد إفلاس شركته. فقرر العودة ـ ومعه أبناء “معروف” ـ إلى قصره. وعندما علم أبناؤه بحياته رفعوا دعوى قضائية ضد الدكتور “لامي” لمخالفته أوامرهم، وتزويره في أوراق رسمية.

النهاية الثالثة: يدور حوار بين “طلعت” الذي يشكو عقوق أبنائه، و”معروف” الذي سئم من الحياة، تشعب الحوار إلى حل يرضي جميع الأطراف، أعلنه “معروف: “لقد اتفقت مع “طلعت ” على تأجيل قرار الموت ستة أشهر… سيمنحنى ” طلعت ” المال لإجراء العملية التي تخفف من ألمى وسأمنحه أجمل ما في حياتي .. أبنائي الأعزاء”. وطبقًا لهذه الصفقة تم تبادل الأبوين لمواقعهما، فيعيش معروف وحيدًا مع خادمه في قصر “طلعت”، في مقابل أن ينعم “طلعت” بالحب والحنان في بيت “معروف المتواضع. وبعد مرور ستة أشهر المقررة لتلك التجربة عدل كل منهما عن قراره بالموت، واستبدل الدكتور “لامي” بعيادة الموت الرحيم” عيادة “أسباب الحياة”. 

ولعل الكاتبة قد آثرت الحل الأخير، ولذلك جعلته آخرًا ليقابل ختام القصة في محاولة استبدال الحياة بالموت. وهنا تكمن الحكمة في نهاية القصة، فإذا وجدت يدًا تنتشلك من اليأس وتمنحك نهاية سعيدة فلا تتردد.

د. سعيد محمد المنزلاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *