ماذا عن الليبرالية الثقافية, وما صلتها بالنزوع الشخصي في التفرّد…؟
هل هي وجه جديد من أوجه الإقطاع التحكمي القبيح, ونتاج سلبي لواقعه المريض…؟
ومن تلك (النخبة) المفترضة ثقافياً, والمتعالية على من سواها..
ولماذا تتفرّد كترسيخ في الجاه والتسلط, وفي العمادة والمشيخة…؟!.
أما من المفروض أن تكون الثقافة معين الديمقراطية, الدائم؟.
الليبرالية, وقبل كل شيء,
وجه من أوجه البيروقراطية.. فهي انزياح وبائي عقلي وعضلي, قبل أن تكون سلوكاً نفسياً عدائياً.. مظهرها الإحساس بالتفوق والامتياز, وقوامها القوة المتغطرسة بكل أشكالها.. في انتزاع ما ليس لها من حقوق, ولأنها في الحقيقة أعلى قمة في نرجسية الغرور, سرعان ما تتحوّل إلى قوة ضاهرة, عند من يحسبون أنفسهم أعلاماً, فهم (القلة) النادرة بين كثرة في نظرهم (جاهلة), ولا أدل عليها تعبير غير مفردتي مصطلح الديكتاتورية, و(المثقف الحقيقي, والمثقف المزيف). فهذه الفئة وبسبب سلوكها الشخصي النفعي, إن لم تبلغ ذروتها.. تجنح إلى التخريب الثقافي, بوسائل وطرق غير نزيهة.. ربما مخترقة بدوافع خارجية محسوبة, أو لأسباب أنانية وشخصانية محضة, وبسلاح ذي حدين, إما بالطعن والتشكيك وإما بالنفاق والتبعية, لكنها وفي كل الظروف تأخذ بالذرائعية سبيلا في بلوغ أهدافها الخطيرة تأكيداً لإيمانها المطلق بالدكتاتورية في الأمر والائتمار.
تناول النقد مسألة الليبرالية الثقافية في الدراسة والتحليل, وتعرض لها وصفاً وروحاً العديد من الكتّاب, ومنهم الكاتب العربي على حرب في كتابه (أوهام النخبة أو نقد المثقف) إلى جانب د. مطاع صفدي في كتابه (نقد الشرٌ المحض), وأشارا إلى مآخذها الخطير الخطير في التجسيد والترسيخ, وكذلك فعل الكثير من المثقفين في هذا المنحى في كتب ودراسات واسعة وعديدة. فمن هم ضحايا الليبرالية الثقافية في ساحة الثقافة العريضة؟.. وكيف يتعامل المصابون بداء (عظمة النخبة) مع الإنتاج الثقافي عموماً, وأدب وثقافة المقاومة على وجه التحديد؟.. ولماذا ينتحل المثقف (المسؤول) سمات البيروقراطي أو السياسي المتغّطرس في تعامله الثقافي, ويتحوّل في ممكناتِ الليبرالي إلى أشدّ من سواه, تسلّطاً وعنفاً مع أصحاب المواهب الواعدة, والمثقفين الحقيقيين؟!..
ألم يبتدىء هذا (البروقراطي الليبرالي السياسي) كغيره من (النخبة) قارئاً ساذجاً, وبتطور الوعي أصبح قارئاً وقائداً نموذجياً في الاستعمال والإنتاج؟. ولماذا تبقى آراءهم في خانة الفرضيات والافتراضات, يمارسونها بنزعة الأستذة على الشباب, كشروط (المثل) والمثالية لركائز العمل المتقن و(الكامل) وغير المحققة أصلاً, حتى في أكبر الأعمال الأدبية, فيلوحون لهم دائماً بعصرين,الأولى تؤنّب والثانية تطلب السحر, وهم زغب في بواكير أعمالهم ومنجازاتهم؟!.. فمن لا يتمنى أن يكون المثقفين الشباب مشاريع كبيرة في بلوغ الرقّي الكتابي والفكري والثقافي والإبداعي؟.. على أن نأخذ بأيديهم ونتبنى نتاجاتهم بالحبّ والرعاية, لا أن يُاجَهوا بأدوات الردع والقسر, أو المنع والحرمان, وبدوافع فوقية متعالية, بحجة التنقيد والتحضيص وما يتصل بذلك من لواحق التقنين والتجنيس, وما إلى ذلك من مثابات التنظير الفراغي المتقاطع تماماً مع روح الإبداع في التفتح والانطلاق. ومن يقول: إن الوهم النخبوي عند المثقَف ككائن مغرور لا يقف عند حدود معرفياته ومرجعياته القديمة, ليصبح (برقراطي تثاقفي) في الشكل والمضمون, دون اكتراث بائن بما هو ثقافي حقيقي متجدّد في البحث والسياسة؟. فالكثير من المثقفين ضاع في القشريات و تبخروا في كأس السياسي, و في الهموم الأخرى, واسحال إلى صحفي خبري أو(ناقد ومجتر), أكثر منه صحافي أو إعلامي مبدع, وتجاهل أوتناسى بحهالة البيرقراطية ما للكلمة من رسالة سامية.. وأضاع (الخيط والعصفور) كما يقول المثل الشعبي. فإذا كانت الخشية من إبدلعلت الشباب مثلبة يعاقب عليها (شيوخ الكار), فنتاج بعض الشيوخ الثقافية كارثة بالنسبة لأسمائهم, يحاسب عليها الذوق والأدب وقانون الإبداع العام.
هكذا يجب أن نكون بعيداً عن الاستئثار المرضي بالمجاملة, قبل أن يقول لنا المتطبعون (ضعوا القلم جانباً) ولكم من الجيل الجديد ألف قبلة في ( دفتر الثقافة التقاعدي) (فالماضي قاعدة الثقافة الحاضر والحاضر قاعدة المستقبل).. وكعلاقة القدامة بالحداثة, والحداثة بما بعدها.. وهلم جرا, دون احتجاج أو تنديد لكون الثقافة منبر للرأي الحرّ دائماً وستبقى كذلك حتى تصح الساعة.
الكاتب الإعلامي الدكتور فضيل حلمي عبدالله