تتصدر جباليا وحي الزيتون المشهد مرة أخرى، ولكن هذه المرة مختلفة فالعمليات نظرياً انتهت هناك منذ مدة ليست بالقصيرة، والعدو أكد أنه فكك قدرات المقاومة الدفاعية في جباليا وحي الزيتون؛ فماذا حصل ولماذا حصدت جباليا وحي الزيتون هذا الرقم القياسي من الاصابات في يوم واحد، والذي تجاوز حاجز الخمسين إصابة؟
قبل عدة أشهر أعلن العدو إنتهاء المرحلة الثالثة في الشمال وغزة واتجهت أنظاره الى خانيونس التي لم تكن لقمة سائغة، بل تجرع فيها السم الزؤام وبعد خسائر كبيرة وكمائن مركبة أعلن أيضا أن عملياته في خانيونس انتهت.
فبدأت الماكينة الإعلامية بتحضير الرأي العام لإجتياح رفح كونها معقل المقاومة الأخير ومعقل أَخِر كتائب المقاومة حسب نتنياهو، وأن المقاومة ستُصاب في مقتل إن تمكن العدو من ما تبقى
فهل فكك العدو حقا قدرة المقاومة في الشمال وغزة وحتى خانيونس أم أنه انسحب منها مضطرا تحت وطأة الاستهداف ومتكبدا خسائر فادحة على كافة الأصعدة؟
المقاومة أجابت على هذا السؤال سريعاً فبينما كانت المعارك محتدمة شرق جنوب رفح، استطاعت إعادة المعارك الى الشمال وغزة هنالك حيث ظن العدو أنه انتصر ولتُظهر للعالم أنها أعادت ترتيب صفوفها وأنها قادرة على الاستمرار في حرب الاستنزاف لفترة ليست بالقصيرة.
بناء على معلومات استخباراتية قام جيش الاحتلال بمهمات خاصة لتفكيك بقايا المقاومة في جياليا وحي الزيتون حسب زعم الاعلام العبري، فاتضح أن ماسبق استدراج لحزمة من الكمائن التي ضربت قوات العدو في مقتل، ليضطر العدو للإعلان عن 50 إصابة في يوم واحد وهو رقم غير مسبوق.
هذا الزخم يثبت أن المقاومة لاتزال تُمسك في زمام الأمور وتتحكم في وجود العدو على أرض غزة وتُغير نَسَق وحدة المعارك بل وتنقلها من إلى حسب حيثيات المعركة، كما أنه أكد على ماسبق من تصريحات المقاومة أنه حيثما ظن العدو أنه في مأمن سيضرب في مقتل.
مثل هذه الاستهدافات وازدياد وتيرتها، تبرهن أن أي عملية عسكرية واسعة كانت أو محدودة مصيرها الفشل وستزيد السخط الشعبي على نتنياهو وعمليته في رفح ، كما أنها ستستطيع في النهاية لإرغامه على العودة للمفاوضات، لأنهم سيعيدوا النظر في جدوى هذه العملية المحدودة ومن إمكانيتها في إعادة الأسرى أو القضاء على المقاومة.
انطلاقا من كون العملية الواسعة التي كانت في الأشهر الأولى وسط المباركة والدعم الأمريكي لم تحقق أي شيء يذكر ولم تُعِد ولو بصيص من هيبة الكيان الضائعة، فكيف لعملية رفح التي يخوضها نتنياهو بأظافر أبناء المهاجرين، بينما يعيش ابنه في الخارج ويقضي عطلته الصيفية، أن تعيد شيء؟
لا شك أن الأيام القادمة ستكون ثقيلة على نتنساهو خصوصاً بعد هذه الإخفاقات واستمرار وتيرة الاستقالات في المنظومة العسكرية ، والتي بدورها تعبر عن شرخ كبير بين المستوى السياسي والعسكري وتضاد كبير في طريقة إدارة المعركة وهذا مايستشف من أخر التصريحات على لسان المسؤولين العسكريين أن القيادة السياسية لا تستطيع إستثمار ما وصفوه بالنجاحات الميدانية على طاولة المفاوضات وأبدوا خشيتهم من ضياع هذه المكاسب في ظل تعنت القيادة السياسية وتحجرها واستمرارها في حرب فاشلة رغم كل التحذيرات من ذوي الخبرة.
الكاتب والباحث محمود النادي