جدلية العلاقة بين الكاتب الورقي والكاتب الإلكتروني..

الكتابة و الصحافة: صفة, ومهنة تحمل في طياتها دلالة الإبداع, وهذه الصفة كانت ومازالت تحتل الصدارة في قواميس الكتابة, واللغة, والأدب, فالكاتب والصحفي الورقي لا يزال يحافظ على صفته, ومكانته العظيمة, ودرجته الرفيعة بالرغم من حدوث, نقلات كثيرة, وكبيرة في شتى مجالات الحياة, و(كاتب) كلمة ليست كالكلمات الأخريات, لما يتسم به من وعي, وفكر, وفهم وثقافة عالية ومعروفة, ويبعثة من أدب وإبداع.. وذلك الإبداع الذي خلق مع الكاتب الورقي ليحيى معه, وينمو بنموه, ويسمو بسموه, والسؤال هنا هو: هل يمكن أن ينتهي هذا الكاتب الصحفي الذي ترجم أدبه وإبداعه المتجلي على الورق في ظل تقدم ثورة الاتصالات وعالم التكنولوجيا ؟!.., وهل أصبحت المنافسة مباحة بين الكاتب الورقي و(الكاتب الصحفي الالكتروني) ؟. إن هذا السؤال هو جدير من نوعه, والذي يطرح علينا دائماً, متى يموت الكاتب الورقي, وهل يموت إبداعه؟؟!, وفي مقام العجز عن الإجابة نقول: إن الكاتب الصحفي الورقي الحقيقي المبدع يموت بموت الإنسان وينتهي إبداعه بانتهاء الحياة, وبمعنى آخر ما دام هناك حياة قائمة, فناك إبداع, لأن الإبداع البشري هو روح الحياة التي تتردد في الإنسان, أنفاسه التي يتنفسها, وبصره الذي يرى فيه, وبصيرته التي ينفذ بها إلى لب الأشياع, إن إبداع الكاتب الورقي هو شعور داخل جوارحه فيلونها ويصيغها ويكتبها بأحلى وأجمل و أرق العبر والمعاني, ضمن صورة بديعة يرسمها لنا الفنان من خلال لوحة فنية, أو الشاعر في قصيدة شعرية, أو قصة في نص جميل, أو أديب في رواية ممتعة, أو الصحفي في أفتتاحية صباحية, أو كاتب في مقال مبدع, وهناك من يقول: بأن في هذا العصر الذي يتم فيه اكتشاف أسرار العالم, ويأخذ بعضها برقاب البعض يسيطر فيه التكنولوجيا وثورة الاتصالات على حركات ما يأتي به العالم, حيث يكاد أن يحصي أنفاس الكون في حركاته وسكناته.. نعم لقد بدأ الكاتب الورقي بالانحصار, وإن الإبداع لم يعد له فائدة, ولا جدوى في عصر الكاتب الالكتروني وفي الواقع إن هذا الرأي أو التحليل خاطىء, وليس له شيء من الصحة والموضوعية, لأن الإبداع ليس شيء مصنوع يسمو على دقات الحساب التي ينظر إليها الإلكترون تماماً, ولأن للجهاز الإلكتروني عالم لا يدرك ولا يتحمل فكرة أو مشاعر و أحاسيس الكاتب الورقي الإنساني المبدع, صحيح أن هذا العصر هو عصر الكمبيوتر والاتصالات وعصر التكنولوجيا, أي عصر الكاتب الإلكتروني, إلا أن ذلك لا يعني تهميش العقل الإنساني الذي أتى بهذه الثورة الإلكترونية لأغراض معينة خدمة له, لكن منزلة الإبداع تبقى معه هي الأعلى والأهم لأنها في صميم الكاتب الورقي في صميم إبداعه وفكره الإنساني, وستبقى معه ما دام حياً يتنفس الهواء, أما الكاتب الإلكتروني فهو مبرمج بحسابات الكمبيوتر, فربما عصف به العالم وأتى بجهاز آخر أروع منه, ما دام أمام العالم يسير في تقدمه وما دام العقل البشري يفكر ويتدبر مستعيناً بالعالم والعمل, ومن هنا فإن نهاية الإنسان هي نهاية كل شيء ولسوف يبقى الكاتب الورقي ما بقيت الحياة, يترجم وجدان الإنسان في أفراحه وأتراحه, ويترجم روعة الحياة في مسراتها ومأساتها, خارج دائرة عالم الحسابات وبعيداً عن لغة الأرقام, حيت يبقى في دائرة الإبداع وفي لأي صاحب مهنة,و أقصد هنا مهنة الصحافة.. آن يكتب وينجح في مشروعه (ألكتابي), وقد يكون من السهل كتابة موضوع ما, دون تقديم رؤية جديدة أنبتت شأنها إضافة إلى بصمتها الواضحة والناجحة في حقل الصحافة, ولست أنا هنا بصدد تجريد أحد من حق الكتابة والصحافة الإلكترونية, وإنما دعوة إلى تشكيل حالة تدفع الكتابة الصحفية إلى تجربة إبداعية بشكل أعمق من ما هو عليه, وبرؤية تمكنها من التوجه لصحافة كتابية فكرية, أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع ما يخالج النفس من أحاسيس ومشاعر حقيقية تكمن في أجمل صورة تحمل من الرؤى المختلفة والآفق المتناهية والمتحدية (الكاتب الإلكتروني) ما يفوق القدرة التكنولوجية, قد تكون الكتابة الصحفية الورقية الإبداعية بما تحمله من التوازن واستيعاب الأساليب والتقنيات التجريبية الجديدة والمراهنة على جيل الشاب لخلق بناء متين غير قادر على الانهيار, ويشكل تحولات ذات أبعاد عميقة في كتابة وصيغة الفكر الوطني القومي المقاوم والممانع الذي يقود الجبهة الثقافية في مواجهة التخلف والتطبيع مع نهج الفكر الرجعي الناتج عن الغزو الثقافي الذي يهدف إلى سياسة التطبيع مع العدو الصهيوني الغاشم ومن معُه من أعداء الأمة العربية والإسلامية.. وأخيراً- إن حياة الكاتب والصحفي الوطني الملتزم بمباىء الوطن والمواطنّة الإنسانية الاجتماعية مقرونة بحياة أعماله ومهنته التي لا تزال تعمل في إبراز ما هو مخفي في مجتمع البشر, وفي لغة الإبداع الأدبي.. إنه الكتاب الصحافي, جلس على الكرسي ونظر إلي, و تأمل كل تقاسيم وجهي, وتفاصيل المكان, ثم التقط صورة معالمي, أشهر أحلامه التي حاول إخفائها في البداية, وضع أمام نظره أوراق بيضاء, وعانقت يداه جسد القلم, ثم بدأ في الكتابة وكانت حروف كلماته تتناثر على أوراق المحيط, ترسم ضجيج الذكريات, لا أخفيكم قولي كانت رائحة الحبر المعطرة تسطر فرح المعاني, وتعبق في المكان كلام ظهر خارج أنفاس الروح, إنه الكاتب الورقي والصافي الصباحي, يكتب جرعة تلو الأخرى ليبقى حبر القلم الذي بين يديه معتق بالأحداث, ويسقي حداثة عمر ميلاده, ينبض في خوال القامات مداداً من حلاوة الروح, وميلاد اللحظات, تنطلق منه الشمس تخترق سماء الكون, وتضيء وجه القمر, تبعثر الظلام, وتشتت السراب, تتمرد على محيط الكلمات, يداهم الغيمة السوداء, يبقى عنيداً في وجه العواصف, كضوء القنديل في دروب العتمة, إنه الكاتب الورقي ليس بكذبة, بل إنه حقيقة زرعت في وجدان الناس, ربيع فتحته أبواب الشتاء بكل صدق, وبكل حب, وبكل حصانات جدران العقل, العاقل, والصادق, والسالك في سكة الأدب إلى حيث الحياة, إلى شاطىء الأمان, المغمور في دفء الكلمات, يكتب ويصور على طريقته الخاصة, ومن خلال عالمه الأدبي والمهني والإبداعي الكبير كأنه سحاب في السماء يسير بنفس الاتجاه, يصحو من غافيات الصمت, يحصد مسارب الواقع, الذي وقع, في احدار دهشة الزمن دون سابق انتظار, إنه يقرأ نفسه من خلال هذا الواقع المرير, وبأسلوبه المقهور, والسؤال: يكمن هنا إنه يكتب كلمته التي تسبق الرصاصة, لتبقى في السماء صدى حفيف سنابل القمح, وأوراق الشجر, ويكبر في نظر الأمة المتحضرة, تنحني له نوافذ الياسمين, وشروق الشمس, ويمنحه الزمن شهادة الوقت وذراعاً من غزل الذكريات, بل أمل بحافز التغير نحو الأفضل, والتمرد على يأس, وبأس الروتين اليومي, والعادي عند بعض الأخرين, غريب هو صمت العالم بما يجري كغروب الشمس عن سطح الأرض؟!.. إنه الكاتب الورقي, يعيش في أجواء ما يحدث يصطحبُ معهُ حروف الكلمات من طيور السماء, وحضارة الانتماء, إنه أقرب إلى حقيقة الواقع, الصحيح, والأقرب إلى قلوب الناس, وحلم الوطن, تحي كتاباتهُ بصيرة عصر العيون, ويسقيّ من حبر قلمه شريان الأرض, إنه الكاتب والورقي يجدد دائماً رائحة التراب ليصبح لوجود الحياة نكهة خالية من الأكاذيب, والثرثرة, إنه يصنع دوماً أمل الناس بالعودة إلى مستقبل في لحظات يغزل حلم الذاكرة بطريقة لاتنتهي, تبقى باستمرار على شرفات العمر, بل إنه يكتب إلى الأمام, يكتب في محكمة الضمير الإنساني الوجداني, إنه مسؤول أمام شعبه, وأمته, ووطنه, وأمام تاريخ الماضي والحاضر والمستقبل.

الكاتب والباحث الإعلامي د. فضيل حلمي عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *