جنود الاحتلال الصهيوني هم عبارة عن مجموعات مرتزقة.. يسرقون أموال و مقتنيات وذهب أبناء قطاع غزة الثائرة..


منذ بدء توغل قوات الاحتلال الصهيوني برياً في قطاع غزة، أعتمد جنود الاحتلال نشر صور ومقاطع فيديو هدفها استفزاز أهالي مدينة غزة، وتصدير صورة نصر زائفة من خلال العبث بممتلكاتهم، أو رفع علم الاحتلال عليها فوق المباني السكنية الخالي من سكانها، وأظهرت مقاطع فيديو متداولة تعمد تخريب المنازل، أو وضع شعارات صهيونية عنصرية ضد الفلسطينيين على الجدران، من بينها النجمة السداسية، ومؤخراً بدأت تظهر وقائع الاستيلاء على الأموال والمقتنيات الثمينة في فيديوهات يجرى تداولها من قبل جنود الاحتلال باعتبار أنها مصدر للتفاخر رغم أنها تظهر جرائم سرقة موثقة من قبل السارق نفسه..


حيث ترك الغزيون خلفهم الكثير من ممتلكاتهم ومقتنياتهم خلال النزوح من منازلهم بعد تكرار قصف وتهديد جيش الاحتلال، كما اضطر بعضهم لإخلاء المنازل بشكل فوري بعد استهداف المنازل المجاورة، ما منعهم من اصطحاب أموالهم و مقتنياتهم الثمينة التي يحتفظون بها في العادة في أماكن مخصصة لذلك..


كان معظم النازحين يعتقدون أنهم سيعودون إلى منازلهم قريباً، على غرار ما جرى في مرات العدوان الصهيوني التي تكررت خلال السنوات السابقة، لكن خاب ظنهم لأن العدوان لا يزال مستمراً حتى الآن، كما أن مرات العدوان السابقة لم تشهد اجتياحاً برياً بمثل الحجم الذي قام به جيش الاحتلال في العدوان الحالي. وقبل إعلان الهدنة الإنسانية في الفترة بين 24 و30 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة “واينت” العبرية أن الجيش الاحتلال صادر أموالاً عثر عليها في قطاع غزة بلغت قيمتها أكثر من 5 ملايين دولار، وأن الجيش تمكن من الاستيلاء على مبالغ ومقتنيات تعود إلى أفراد تابعين المقاومة الفلسطينية. لكن أبناء قطاع غزة كذبوا هذه الرواية، مؤكدين أن الأموال والمقتنيات التي جرى الاستيلاء عليها هي ما تركه النازحون في منازلهم ومتاجرهم للهرب من القصف الإرهابي الصهيوني الغاشم، وتنتشر العديد من مقاطع الفيديو، التي تظهر تدمير مقتنيات أهل السكان أو الاستيلاء عليها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تطبيق “تيك توك” الذي بات يعتمد الاحتلال الصهيوني عليه كونه المنصة الأكثر انتشاراً في دول عدة، ومن بينها متعلقات النساء الخاصة، والحلي الذهبية والفضية، وفي المقابل، ينظر كثيرون باستغراب إلى تلك الأساليب التي يتبعها جنود الاحتلال، ويعبرون بغالبيتهم عن غضبهم من تصرفات الجنود الذين لا يتوقفون عن التفاخر بتلك الممارسات عبر مواقع التواصل.


تقول علياء النجار (34 سنة) إنها شاهدت بعض حليها الذهبية التي كانت تحتفظ بها مع متعلقات والدتها في أحد الفيديوهات التي نشرها جنود الاحتلال، ومن بينها قطعة ذهبية اشترتها من أول راتب حصلت عليه كمعلمة. وتضيف لـ”العربي الجديد”: “شاهدت قطع ذهب لي ولشقيقتي ووالدتي في أحد الفيديوهات المتداولة، لكن لاحقاً، حذف الجندي الصهيوني الفيديو لأن إحدى صديقاتي قامت بعمل إشارة لي، والقطعة التي عرفتها أولاً هي إسوارة ذهبية مميزة كونها مصممة على شكل ورقة الشجر من عيار 24، وقد عرضها الجندي الصهيوني بداخل حافظة قماشية تملكها والدتي، وتضع فيها قطع ذهب أخرى ومقتنيات ثمينة، حين رأيت الفيديو لأول مرة لم أصدق أن تلك هي الحافظة القماشية التي تحتفظ فيها والدتي منذ سنوات بمقتنياتها، فأعدت مشاهدته بتركيز، فانتبهت إلى إسوارتي المميزة، وكذا قطعة ذهبية أخرى على شكل أفعى، او كما نطلق عليها شعبياً (جوز حية) تملكها والدتي، وعندها علقت على الفيديو مستعينة بترجمة غوغل، قائلة للجندي: أنتم لصوص. لكنه سرعان ما حذف الفيديو”.
وظهر مقطع فيديو آخر لجندي صهيوني يعرض فيه قلادة فضية مكتوب عليها صنع في غزة، وتتكون من قلب من حجر الكريستال، حتى إنه في نهاية الفيديو قام بعضّها بأسنانه للتأكد إن كانت أصلية، وتداول كثيرون روايات حول كونها قلادة عروس كانت تتحضر لزفافها.
تعتقد النازحة آلاء أبو سند (35 سنة) أن هذا العقد مملوك لصديقتها آية، وهي خطيبة شقيقها علاء الدين (28 سنة)، وهما ضمن المفقودين منذ أسبوعين. تقول أبو سند لـ”العربي الجديد”، من مراكز الايواء بالمنطقة الغربية من مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة: “شاهدت هذه القلادة في صورة لدى شقيقي قبل العدوان، وقال إنه اشتراها هديةً لخطيبته من محل متخصص في بيع الحلي الفضية في شارع عمر المختار بسوق الرمال. هناك محال قليلة تضع شعار صنع في غزة على الفضة، كما ظهر على هذه القلادة، وأعتقد أنها قلادة آية، فالفيديو المتداول جرى تصويره في منطقة تشبه ركام منزلنا ومنزل خطيبة أخي في شمال قطاع غزة. هذا الجيش الصهيوني لا يعرف قيمة المتعلقات الشخصية، ولا يعرف معانيها لدى سكان قطاع غزة. هم يدمرون كل معالم المدينة، ويلوثون كل ما بقي فيها، لكنهم لن ينالوا أبداً من صمودنا”.


من جانبه، صدم حمادة نصر الله (29 سنة) عندما شاهد جندي صهيوني يمسك بغيتارِة الشخصي ويعزف عليه، وهو الغيتار الذي أهداه إياه والده الراحل قبل 15 عاماً، والذي يملك قيمة معنوية كبيرة عنده. نزح نصر الله رفقة أفراد فريقه الموسيقي “صول باند” إلى مناطق جنوبي قطاع غزة، وقد دمر قصف الاحتلال منطقته قبل اقتحام جيش المرتزقين الصهاينة شمالي القطاع. درس نصر الله القانون، وتخصص في القانون الدولي، لكنه ميوله الموسيقية دفعته إلى تكوين فريق “صول باند” الذي بات معروفاً عربياً وفلسطينياً، وهو يقدم الموسيقى الفلكلورية التي تُحيي الموسيقى والأغاني الفلسطينية، وتدعم الهوية الفلسطينية من خلال الموسيقى والغناء، تجول حمادة مع غيتاره في كثير من العواصم العربية ليقدم الأغاني الطربية والوطنية الفلسطينية، وكان آخرها العاصمة الأردنية عمان، كما أنتج أغاني خاصة، وأعاد إحياء أغاني تراثية فلسطينية عرضتها قنوات عربية وفلسطينية، وظهر غيتاره الخاص في عدد من الأغاني الخاصة، لكنه اضطر إلى تركه في المنزل عند نزوحه هرباً من القصف. ويروي نصر الله تفاصيل علمه بقصة الاستيلاء على غيتاره قائلاً لـ”العربي الجديد”: “الوصول إلى شبكة الإنترنت صعب منذ بداية العدوان، وكنت أقف على الشباك حتى ألتقط إشارة جيدة، فوصلني إشعار من زميلتي في الفريق رهف شمالي، تسألني إن كان هذا غيتاري. في البداية اعتقدت أنه غيتار مشابه، لكني عدت للتركيز على الألوان والشكل وضبط الأوتار، فتأكدت أنه غيتاري، وفي نفس الوقت، كان الفيديو في منزلنا بمنطقة السودانية في شمال القطاع، وكنت أحتفظ بالغيتار في داخل المنزل كونه ذكرى من والدي. عندما شاهدت الجندي يمسك بغيتاري، أحسست بشعور طفل سلبت منه لعبته الغالية، خصوصاً أن لهذا الغيتار قيمة معنوية كبيرة بالنسبة لي. ليس غريباً على جندي يقتل الأطفال ويدمر المنازل ويحرق الشجر أن يسرق غيتاراً، فهؤلاء معدومي المشاعر، وقد قررت التعبير عن مشاعري عبر أغنية أنتجتها خلال الحرب وسط الدمار وأصوات طائرات الاستطلاع بعنوان (افتح عزا يا لساني)، لأن كل المعنيين بتنفيذ القوانين الدولية صامتون، ولا يتحركون لحماية حقوقنا”..
بدوره، عاش سائد العطار (40 سنة) إحدى أصعب لحظات النزوح عندما شاهد دراجة طفله البيضاء يقودها جندي إسرائيلي بالقرب من تجمع لمنازل عائلته في شمال قطاع غزة. اشترى سائد تلك الدراجة لنجله يزن (11 سنة) هديةً عندما حصل على مجموع 97 في المائة في امتحانات الصف الخامس الابتدائي.
يعمل العطار مهندساً مدنياً، وكانت المشروعات قليلة طوال الأعوام الأخيرة، لكنه استطاع توفير المال لشراء الدراجة لابنه الذي انتظرها طويلاً كمكافئة على تميزه الدراسي. يقول لـ”العربي الجديد”: “عرفت الدراجة من أول لحظة لأنّ إطارها الأبيض مميز، وكان الفيديو في المنطقة التي نقيم فيها، وكانت هناك دراجات أخرى لأبناء الحي، ورغم أنّ طفلي صغير، لكنه كان محترفاً في قيادتها، وعندما شاهدها في الفيديو بكى كثيراً. نعيش داخل مركز إيواء في مدينة رفح، وقد وعدته بأنني سأعوضه عنها بدراجة جديدة عندما أعود إلى العمل بعد انتهاء العدوان الصهيوني وحلفائه على غزة.


الكاتب والباحث الإعلامي د. فضيل حلمي عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *