جيش الاحتلال وثور الساقية للأديب عدنان الصباح

حين تذهب بعدوك ماشيا على قدميه نحو العتمة وتتركه يدور مكانه معتقدا انه يفعل ما يريد فأنت تكون كمن ملك ثور ساقيته لأنه من جانب سيحصل على الماء الذي يريد تاركا الثور يعتقد انه يسافر الى مكان اخر قد يكون راغبا هو به وهذا هو الحال الذي وضعت المقاومة الفلسطينية ومعها جميع قوى محور المقاومة جيش الاحتلال ومعه سيدة المقتلة الأجولى الولايات المتحدة.

جيش الاحتلال اليوم يراوح مكانه ذهابا وايابا من بيت حانون الى رفح ولم يتمكن حتى اللحظة من طي صفحة زقاق واحد حتى بعد ان تمكن من هدم كل حيطانه ومنذ اللحظة الاولى قلت ان الاحتلال اهدى المقاومة الفلسطينية هدية لم يكن يمكنه الحصول عليها في غزة الأرض شبه المنبسطة والخالية من اية تعقيدات طبيعية يمكن استخدامها للمناورة و إقدام الاحتلال على صناعة الاف اكون الردم والبيوت المهدمة والمدمرة شبه الصامدة منح المقاومة كل هذه الغابات من الاسمنت والحجارة والتي جعلت من أرض غزة حالة فريدة في تاريخ المعارك العسكرية ولم تعد المقاومة اسيرة الانفاق بل باتت تملك أنفاق فوق الأرض لا يمكن ردمها ولا تحطيمها ولا قصفها اكثر مما حصل.

من جانب آخر بات الاحتلال مرغم على الاحتماء بعلب المعدن المرئية والمعروفة ” الدبابات ” والمقاومة مختفية بين اكوام غابات الاسمنت لا احد سواها يدري مكانها وصار المهاجم هدفا مرئيا في حين لا يمكنه رؤية الا العتمة التي منحته اياه المقاومة وهو ما يعني ان امد مثل هذه الحرب يمكن ان يطول لسنوات وسنوات بعد ان صار الزمن مكون حقيقي لواقع جديد صار لزاما على أهله ان يتعاطوا معه كما هو ولم يعودوا ينتظرون نهاية يصنعها العدو بل باتوا يؤمنون ان النهاية غير ممكنة الا بإرادتهم وهي التي يريدونها كما ينبغي لها ان تكون محققة لأمانيهم المادية والمعنوية بعد ان جعل الاحتلال من مصالحهم المادية أمرا غير موجود على الاطلاق.

لم يعد الغزي يخاف على بيته وممتلكاته بعد ان أصبحت ركاما هي وما تحوي ولم يعد يملك وصولا الى مال بعد ان دمرت البنوك وانقطعت القنوات ولم يعد يحلم باسم الوجبة ولا بطعمها بل بات ما يعنيه ان يدخل للمعدة اي شيء أيا كان اسمه ما دام يمكن له ان يملأ امعائه لوقت من الزمن وهو ما يعني ان الفلسطيني الغزي خسر كل شيء واستفاق على حقيقة واحدة انه ربح نفسه ولم يعد له من مهنة سوى المقاومة بعد ان دمر كل شيء بما في ذلك رزنامات الحائط وعقارب الساعات فلا حائط للرزنامة ولا ساعد للساعة فالسواعد مشغولة بالبحث عن الخبز او بالدفاع عن الوجود وهو ما يعني ان احتمالات الرغبة بالتخلص من الحال بأي ثمن لم تعد قائمة وحل محلها ما دمنا خسرنا كل شيء مادي فلنحافظ على ما لدينا من كرامة وكبرياء وهو ما بقي لنا من وسائل لاستعادة ما خسرنا فان خسرناها لن يعود شيء بما في ذلك أنفسنا.

ثور الساقية الذي يدور في أرض غزة منذ سبعة شهور ونصف دون ان يصل الى هدفه ودون ان يدري اذا كان قد وصل ام لا وهو نفسه ذاك الجيش الذي حكمت عليه مقاومة الحفاة بالأشغال الشاقة وتركت له حق تحديد مدة الحكم بنفسه وما يقوم به على ارض غزة اليوم الى جانب دور ثور الساقية فهو دور المحكوم بالأشغال الشاقة الذي يقضي حكمه ينقل كومة للحجارة ومن المكان ” أ ” الى المكان ” ب ” الذي يبعد عنه بضعة أمتار وحين ينتهي من نقلها يعيدها الى مكانها الاول وهكذا الى ان ينهي حكمه والفرق ان جيش الاحتلال بإمكانه ان ينهي حكمه بيديه ان قرر رفع الراية والخروج من ارض غزة تاركا للمقاومة وشعبها تقرير حال اليوم التالي لغيابهم.

الأديب عدنان الصباح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *