منذ بداية الحرب، والعدو يستخدم نفس الاستراتيجية وهي استهداف المدنيين والأهداف المدنية الصرفة. عندما يتحرك الرأي العام لإدانة هذه الجرائم، يبرر العدو ذلك بأنه حاول تصفية قيادات المقاومة وأن هناك أهدافاً عسكرية بين المدنيين. يستهلك العدو الوقت حتى يفتر الاهتمام بالمجزرة وضحاياها، وانطلاقاً من أنه لن يُحاسب قضائياً، يشرع بارتكاب المزيد من الجرائم مستخدماً نفس الحجج الواهية. هذا السيناريو تكرر كثيراً طيلة الأشهر العشرة الماضية.
ابتداءً من مجزرة المستشفى المعمداني التي هزت الرأي العام العالمي وأججت الشارع العربي، خصوصاً في دول الطوق، لهول المجزرة. ولكن بما أن هذه الاحتجاجات لم تسفر عن أي مساءلة لقادة الكيان، الذي كان يختبر ردود الأفعال العالمية من خلالها، استمر في ارتكاب عشرات المجازر، خصوصاً ضد المشافي التي تحولت بمنطق الاحتلال إلى أهداف عسكرية بزعم أنها تحوي غرف عمليات للمقاومة. تبين دائماً عكس ذلك، خصوصاً في مجمع الشفاء الذي صوّره الاحتلال على أنه قلعة سمار جبيل حيث تحصن بختنصر.
بعد تدمير أجزاء كبيرة من المشفى والتنكيل بإدارته وطاقمه، وبعد أن خرجت للعلن فيديوهات توثق المجازر التي حصلت في رحاب المجمع، انسحب الاحتلال من المجمع بعد اعتقال مديره وكوادر أخرى، إلى جانب الكثير من النازحين الذين هربوا من القصف ولجؤوا إلى المجمع بعد أن دمر الاحتلال كامل الشمال وأجزاء كبيرة من غزة.
وهنا، مجدداً، لم يفعل المجتمع الدولي أي شيء يذكر مما دفع العدو للمزيد من الوحشية وسط صمت عالمي مطبق. إلى أن وصلنا إلى آخر المجازر وأحد أعنفها في مواصي خانيونس، حيث ألقت الطائرات الحربية خمس قنابل JDAM أمريكية الصنع زنة كل واحدة منها 900 كيلو، مما فاقم المعاناة وزاد عدد الضحايا، كون المستهدف خياماً لا أبنية. ونوعية القنابل ثقيلة مخصصة للخرسانة والتحصينات، مما يثبت أكثر تورط الأمريكي الذي يدعي أنه وسيط ومعني بالتوصل إلى اتفاق، من خلال تعطيل صفقة ذخائر طفيفة لا تغير شيئاً على أرض الواقع ويمكن الاستغناء عنها بسهولة.
لكن رغم كل هذه الوحشية، يمكن رؤية هذا التعطش للقتل على أنه ينم عن فشل عميق وشعور كبير بالهزيمة والتفكك، حيث تعجز إسرائيل ومن خلفها المعسكر الغربي ذو المعايير المزدوجة عن تدمير قدرات فصيل محاصر منذ حوالي 18 عاماً. وبينما يدين أي اعتداء على المدنيين في أوكرانيا، ورأينا ذلك من خلال انعقاد جلسة طارئة بعد استهداف مستشفى أطفال في كييف، يصمت عن كل ما يُرتكب في قطاع غزة. هذا بدوره عرى الغرب أخلاقياً ووصم أنموذجه بالعار والضبابية، والذي لطالما تغنى به العرب على أنه النموذج الذي سيخلصهم من الجهل والتخلف.
فهل سيكون للعرب ردة فعل بعد هذه المجزرة المروعة، أم أن لما يجري تحت الطاولة حسابات أخرى؟
الكاتب والباحث محمود النادي
غزة تذبح والصمت سيد الموقف والحل ليست من الخارج